طباعة
sada-elarab.com/546021
بوعى وطنى غير مسبوق.. احتفل المصريون منذ بداية أكتوبر الجارى – وعلى اختلاف أعمارهم - بالذكرى 47 لنصر أكتوبر 1973 الذى أعاد الكرامة والعزة والفخار لمصر وللعرب، والذى كان وما زال مثار دهشة العالم وإعجابه وإشادته بما فعله هؤلاء الأبطال وقت أن سادت مقولة أن جيش إسرائيل لا يُقهر، فكان النصر.. وكانت البطولات والتضحيات التى سجلها التاريخ العسكرى بحروف من نور، وظلت الأكاديميات العسكرية العالمية تقوم بتدريسها لفنون القتال والنصر والكرامة.
فنجاح نصر أكتوبر يرجع إلى أنه كان نصر تحرير وطنى وقومى تحقق له كل متطلبات الشرعية داخليًا وخارجيًا سواء من الناحية القانونية أو الأخلاقية أو السياسية، فليس هناك من يستطيع أن ينكر على شعب حقه فى تحرير أراضيه المحتلة بالغصب والقوة منذ نكسة 1967 ، لأن احتلال أرض الغير هو عمل غير مشروع لاسند له فى القانون وقواعد السلوك الدولي.
وقد أصبح نصر أكتوبر جزءًا من شخصية الإنسان والمقاتل المصرى باعتبار أن أهم نتائجه ودروسه هى استعادة ثقة الإنسان والمقاتل المصرى بنفسه, حيث قدم نصر أكتوبر روحًا جديدة دبت فى البشر والمجتمع.. نستلهم منه دروسًا مضيئًة لأن الإنسان الذى حوّل الهزيمة لنصر واليأس لجرأة وجسارة قادر بهذه الروح على تحدى الصعاب والمستحيل، ونصر أكتوبر علمنا أن مواجهة الحقائق والاعتراف بها ودراستها والاستعداد والتهيؤ العلمى والعمل لمواجهتها هو الطريق الوحيد لتجاوز المشكلات.. ونصر أكتوبر علمنا أن تحقيق الأهداف الكبيرة يحتاج لصدق الإيمان وشجاعة القرار ودقة التخطيط ويقظة المبادرة والتفانى فى أداء الواجب واحترام النهج العلمى والالتزام بالجهد المشترك والقبول الشجاع بالتضحيات الجسام.
لقد كان نصر أكتوبر فى جوهره عبورًا بمصر والأمة العربية كلها إلى عصر جديد لا يقتصر على تحرير الأرض وممارسة السيادة وإنما يمتد إلى استعادة الثقة بالنفس والتمسك بالأمل. ونصر أكتوبر أفرز روحًا سرت فى جسد ووجدان الأمة تمنحها الثقة وتعطيها الأمل والقدرة على مواجهة أعلى التحديات وستظل معينا لا ينصب وشعلة لا تنطفئ بل تبقى متوهجة إلى الأبد تمنحنا القدرة على الإنجاز والشجاعة والتمسك بمراجعة الذات وتصحيح الخطوات.. نصر أكتوبر يذكرنا دائمًا بأن قوتنا تكمن فى وحدتنا وأن تماسك جبهتنا وترابط صفوفنا هما العنصران اللازمان لأى نجاح وأى تقدم، ونصر أكتوبر جاء تتويجًا لإرادة أمة جريحة كان عليها أن تثبت أنها قادرة على المواجهة والتحدى.. ونصر أكتوبر أسقط مقولة تحقيق الأمن عن طريق الاستيلاء على أرض الغير وأكد أن القوة ليست حكراً على أحد وأن استخدام القوة العسكرية أسباب غير مشروعة لا يستطيع أن يحقق للدولة فرض إرادتها وأن السلام العادل والمتوازن هو الطريق للأمن والاستقرار.
والتاريخ الإنسانى لا يذكر لمصر أنها كانت دولة عدوان بل كانت دائما وستظل دولة القانون والسلام والاستقرار، وعندما فرض عليها القتال فى أكتوبر 1973 من أجل تطهير أرض الوطن من دنس الاحتلال كان هدفها الرئيسى هو السلام، وهذا هو سر خلود نصر أكتوبر لأنه كان نصرًا عادلاً مشروعًا - بكل معنى الكلمة - من أجل السلام ، ومصر قد أدركت - فى مرحلة مبكرة - أنه لم يكن من الممكن بأى حال أن تدخل بعد 1967 فى عملية جادة لبناء السلام فى ظل خلل توازن القوى، واستطاع نصر أكتوبر أن يُسقط نظرية تفوق إسرائيل التى زعمت أنها أصبحت قوة لا تُقهر، وأن تنسف هذا الوهم الزائف الذى كان يولد الخوف فى نفوس العرب فى مواجهة إسرائيل، وأن تضرب نظرية تحقيق الأمن بواسطة الاستيلاء على أرض الغير، وتكشف أوهام فرض الأمر الواقع، ولكل هذا كان انتصار أكتوبر هو ضرورة حتمية والشرط الذى لا غنى عنه لتحقيق السلام، وكان أيضاً نقطة الارتكاز لإقناع كل الأطراف بأن السلام هو الخيار الأفضل، وإعادة التوازن السياسى والسيكولوجى الذى كان لازمًا لإقناع إسرائيل بالالتزام بأحكام القانون والشرعية، ولم تمض مصر فى طريق السلام إلا بعد أن أثبتت قدراتها إرادتها لإنهاء الاحتلال عن طريق القوة، ولولا نصر أكتوبر لما اضطرت إسرائيل لإبرام معاهدة السلام مع مصر، والتى حصلت بموجبها على كامل ترابها الوطنى، واستعادت ممارسة سيادتها على كل شبر من أرض سيناء أرض الفيروز الغالية.
فقد كانت مصر وما زالت وستظل .. درة الشرق ومهد الحضارة وأمل الغد المشرق بإذن الله تعالى. وبالقانون تحيا مصر