طباعة
sada-elarab.com/529455
باتت شبكة الاتصالات والانترنت اليوم مثلها مثل الكهرباء والماء بالنسبة للإنسان، ولا يستطيع أحد الاستغناء عنها لساعة واحدة في يومه العادي، خاصة وبعد جائحة كورونا وما سببته للعالم من تباعد فيزيائي وتواصل افتراضي، ولا يمر ذلك إلا عبر موصلات شركات الاتصالات العاملة في أي دولة، وهو ما يطرح تساؤلا حول طبيعة هذه الخدمة والوضع القانوني للمتحكم فيها.
فقد أصبح حق الحصول على الانترنت في أوروبا ودول كثيرة حول العالم من حقوق الإنسان، وشرعت بعض الدول في توفيره مجانا لكافة مواطنيها، أو على أقصى تقدير "مدعوما" ولا يقطع عن المواطن حال تعذر دفعه لفاتورة التليفون او الانترنت "تماما مثلما يحدث مع المواطن عندنا مع وزارة الكهرباء والماء"... لكن دعونا من الكهرباء والماء في هذه المرحلة وسنتطرق إليهم فيما بعد.
ففي هذه الزاوية أريد أن أنوه إلى ما تفعله شركات الاتصالات حاليا في مواطنين وشركات قطاع خاص - سواء الصغيرة منها أو المتوسطة او حتى الكبيرة - من سيطرة كاملة دون منح الطرف الآخر حقوقا تعتبر في الأعراف والقوانين الدوليه طبيعية، وهي أن تطالبها بإرجاع الخدمة في حال انقطاعها، او التعويض عما لحق هذا الطرف من خسائر مادية ومعنوية خلال فترة هذا الانقطاع، فضلا عن شروط الإذعان المجحفة التي وضعتها تلك الشركات لتسلب العميل أي حق من حقوقه.
فعندما يذهب أي شخص لتوقيع عقد مع شركة اتصالات، لا يقرأ عادة الشروط والأحكام لأنها طويلة جدا ومكتوبة بخط صغير جدا يقصد منه إجبار الزبون على عدم القراءة والتوقيع الاعمى، لكن عند الوقوع في مشكلة مع تلك الشركة فسيكتشف أنه وقع على عقد مسلوخ من الحقوق، وحتى لو قرأت تلك الشروط وطلبت تعديلها فلا يسمح لك بذلك وليس أمامك خيار آخر ألا التوقيع والقبول بالشروط.
ولو حاول أي شخص المفاضلة بين شركة وأخرى للحصول على امتيازات وشروط أفضل، فسيجد أنها جميعا تحالفت ضده لسلبه أي حق طبيعي، وليجد نفسه في النهاية مضطرا للتوقيع دون مفر، على عقد منسوخ لدى جميع الشركات يحفظ حقوقهم ويجور على حقوق العملاء.
لست رجل قانون، ولكن التساؤل الذي يتردد في ذهني وآخرين مثلي، كيف استطيع تغيير بنود العقد التي لا تعجبني؟ ولمن ألجأ في هذا الصدد، وهل يمكن حماية المواطن من هذا الاحتكار والإذعان بواسطة هيئة تنظيم الاتصالات، وإجبار هذه الشركات على منح العميل حقه في عقد متوازن؟
الذي نسمعه دوما أن وجود شركات اكثر في السوق يعطي الزبون ميزة المفاضلة، ويفرض عليهم آليات التنافس، لكن الواقع المشهود هو أن تلك الشركات اتفقت ضمنيا على توازن سوقي يجعلها تتشابه دون أدنى فرق أو ميزة، حتى أن الانترنت أصبح اليوم شبكة موحدة لجميع الشركات، ويبقى حجم البيانات التي تقدمها كل شركة وتسعيرها، متطابق بينهم دون أي ميزة.
لا أسرد هذا الكلام من فراغ، ولكن وردتني شكوى من إحدى الشركات، بتكرار انقطاع خدمة الانترنت لديها، ودون أي سبب، حيث تقوم بدفع فواتير الاتصالات بانتظام، وعندما تواصلت مع الشركة المزودة للخدمة، أبلغوهم بوجود عطل "سيتم إصلاحه حالا"، وانتظروا موعد "إتمام الإصلاح" لأيام وأسابيع دون أي تقدم، ما تسبب للشركة بخسائر في أعمالها، وعندما راجعوا عقد الاتفاق مع شركة الاتصالات وجدوا أنه لا يمنحهم حق المطالبة بتعويض عن تلك الخسائر وهذا التقصير، أما إذا ما قامت الشركة بالتوقف عن سداد الأجرة فإنها تتلقى اتصالا من محامي الشركة يعلنها وينذرها ويقاضيها ويغرمها.
هناك مئات القضايا المرفوعة من شركات الاتصالات على مواطنين ومؤسسات اقتصادية، تتكدس في مكاتب محامين يعملون لصالح تلك الشركات، والمحاكم متخمة بمثل تلك القضايا التي جميعها مطالبات للشركات وليس من بينها قضية واحدة ضد أي منهم، لأنه – لو حدث ذلك – فستكون قضية خاسرة بحسب استشارة أي محامي.
لقد هالني خبر عن آسيوي تسبب في خسائر لإحدى شركات الاتصالات بلغت 65 ألف دينار في 7 ساعات فقط، حين استخدم جهازا يسمى «boxing SIM» و7 بطاقات هاتفية تابعة للشركة في التحصّل على قيمة عمولة المكالمات الدولية التي أجريت من شبكة الشركة خلال تلك الساعات السبع، وتساءلت عن أرباح تلك الشركات "اليومية" إذا كانت قد خسرت في سبع ساعات 65 ألف دينار فقط من عمولة المكالمات الدولية.
كم تربحون من خدمات المكالمات المحلية والدولية وشبكات الانترنت في اليوم الواحد، ولماذا لا يتم تخفيض أرباحكم قليلا حتى يستطيع المواطن أن يشعر بتحسن في أوضاعه.. لماذا لا تتحملون فواتير المواطنين خلال أزمة كورونا كمبادرة تطوعية زكاة عن أرباحكم الخيالية.. كم حققتهم من أرباح على حساب المواطن في السنوات الماضية.. أليس من حق المواطن أن تقفوا معه في أزمته كما لم يقصر معكم في فواتيركم يوما؟.. هل تمنحون مكافآت للعملاء الأوفياء مثل بعض البنوك؟... دعوكم من جوائز "1 جيجا لمدة 24 ساعة" وتحملوا فواتير المواطنين ولو لشهر واحد فقط، علنا نشعر أنكم تعيشون الأزمة معنا.