طباعة
sada-elarab.com/528057
يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا"، ومن الدعاء المستحب "اللهم يسر ولا تعسر"، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة"، ومن القرآن والسنة النبوية ما يفيض بقضاء حوائج الناس وتيسير المعسر عليهم.
لكن في بعض الأحيان تجد من يعسّر أمور الناس ولا ييسر، ويضيق عليهم ما كانوا به من سعة وطمأنينة، ويأتيهم بقرارات وأمور، تؤرق عليهم حياتهم وتجعلهم في ضيق ورَهَق وتعب وشقاء، وهؤلاء لا تجد لما يفعلونه تفسيرا.
فبالأمس القريب، صدر قرارا من هيئة الكهرباء والماء بإغلاق فرع خدمات المشتركين في محافظة المحرق إغلاقا نهائيا لا رجعة فيه، واقتصار الخدمات لمواطني المحافظة على فرع مدينة عيسى، وكان القرار مفاجأة للجميع في المحافظة الصغير منهم قبل الكبير، ولم يتخذ رأي أحد من أعضاء المجلس التشريعي ولا المجلس البلدي ولا المواطن الذي يستعين على قضاء حوائجه من الكهرباء والماء عن طريق هذا الفرع.
ويبدو أن الهيئة ضاقت بكثرة مرتادي الفرع الذي كان يشهد زحاما كبيرا، ويقدم خدمات يسيرة للمواطنين وخاصة كبار السن منهم، فقررت حل المشكلة نهائيا بالقضاء عليها وعلى مصدرها، وبدلا من توسعة الفرع أو زيادة عدد الفروع في محافظة المحرق والتي تتوسع مساحة وسكانا يوما بعد يوم، قرر المسؤولين في الهيئة غلق الأبواب أمام الناس وتحميلهم ما لا طاقة لهم به.
المحافظة التي تضم أكثر من ربع مليون نسمة وبها من كبار السن أكبر نسبة سكان في البحرين، باتت اليوم دون خدمات لهؤلاء الذين لا يستطيعون التعامل مع الإنترنت والمواقع الإلكترونية للتقديم على خدمات الهيئة أو تقديم شكاوى، أو حتى دفع فواتير الكهرباء والماء، ويكاد يشعر أهالي المحرق بأن الهيئة تريد من ذلك القرار ذريعة لقطع الكهرباء عن شريحة كبيرة من الناس التي لن تتمكن من الذهاب لمدينة عيسى ومعالجة قضاياهم مع الهيئة.
بأي منطق فكر هذا المسؤول عندما قرر غلق هذا الفرع الحيوي؟، وهل فعلا بسبب فيروس كورونا؟ أم أنه قرار له أبعاد أخرى مثلما قيل عن تقليص النفقات ومنها الإيجارات ولا تستطيع - أغنى هيئة تحصيل في المملكة – أن تدفع إيجار المقر الذي تسكنه منذ عقود وبايجار قديم جدا؟
ثم خرج علينا احد المسؤولين في محافظة المحرق (لا ينتمي الى وزارة الكهرباء والماء) ليطمئن الناس بعد انتشار الخبر وازدياد الغضب بين أهالي المحرق ليقول أن الهيئة ستفتح لها مقرا جديدة – في القريب العاجل – بسوق المحرق، أي أنها ستدفع إيجارات أخرى لمقر سيتسبب في أزمة لمنطقة السوق التي تعاني أصلا من تكدس مروري، وكأنهم يريدون العسر لا اليسر للمواطن.
ثم يتحدث أيضا هذا المسؤول عن تقديم خدمات "فوق العادة" لكبار السن وذوي الهمم بوصول موظفي الهيئة إلى مقر سكنهم عندما يتم طلب خدمة وإتمام جميع معاملاتهم دون الحاجة لزيارة فروع الهيئة، ويتطرق إلى وجود خط ساخن قد لا يجيب عليه أحد أصلا وإذا حدث فسيتم تحويلك إلى نغمة ثم نغمات انتظارا لأن يرد موظف على المتصل.
يا سعادة الوزير إن موظفينك في فرع محافظة المحرق يقومون بجهود وخدمات جبارة لتلبية كافة الخدمات للمواطنين في هذا الفرع عندما كان مفتوحا، فما يكاد الدوام يبدأ حتى يمتلئ الفرع بعملائه، ويعاني في الأساس ضغط من المراجعين، فكيف ستوفر موظفين يذهبون للناس وكبار السن والأرامل وذوي العزيمة في بيوتهم؟.. هل ستتعامل مع شركة دليفري او طلبات مثلا، وما هي الوفرة التي وفرتها من إيجار المبنى مقابل توصيل الخدمات للزبائن في منازلهم؟.. حدثونا بالعقل كي نستوعب تبريراتكم.
والعجيب أن الهيئة تعتبر الوحيدة من بين هيئات ووزارات الحكومة التي تستخدم أسلوب مضايقة المواطن، فعندما تقارنها مع إدارة المرور مثلا والتي قامت مشكورة بتوفير خدمة فحص السيارات بالمحرق، وأعفت كبار السن من القدوم إليها لتجديد رخصة السياقة، أو مع ادارة البريد التي توفر خدماتها في أكثر من مجمع تجاري بالمحافظة الواحدة، أو العديد من الشركات والبنوك وغيرها، ستجد أن هيئة الكهرباء والماء تغرد خارج السرب.
والطريف أن موقع الهيئة الإلكتروني يضع في مقدمة عناوينه أن رؤية هيئة الكهرباء والماء هي الارتقاء بخدماتها وتوفيرها بأعلى مستويات الجودة وأقصى درجة من الموثوقية وذلك من أجل تقديم أفضل الخدمات ورفع جودتها بصورة مستدامة وفقا لمعطيات برنامج عمل الحكومة والخطة الوطنية الاستراتيجية والرؤية الاقتصادية 2030، لكن الواقع مختلف عن العنوان.
أعتقد أن الذي اتخذ القرار لم يدرس أبعاده وتوابعه، وتم اتخاذه في عجالة، ولا نعلم لماذا يفعلون هذا في أكبر محافظة تضم سكان بالمملكة، فقبل الفعل يجب التخطيط والاستعداد لما بعد القرار لا ان يحدث بين ليلة وضحاها ثم يخرج لنا من يبرر الخطأ بخطأ آخر، ويبدي أعذارا لا تقنع حتى الأطفال.