اقتصاد
ضغوط سوق السيارات المصرى فى زمن الكورونا وأزمة العرض والطلب المسيطرة
السبت 13/يونيو/2020 - 12:55 م
طباعة
sada-elarab.com/527949
بعد أن بدا أن قطاع السيارات المصري يتعافى في الربع الأول من العام الجاري بعد سنوات من هبوط المبيعات، فقد عاد للانتكاس مجددا بسبب "كوفيد-19". ومنذ منتصف مارس الماضي، واجهت شركات التجميع والموزعين صدمة مزدوجة في العرض والطلب معا، إذ تباطأت واردات السيارات وأجزائها بسبب اضطرابات سلاسل التوريد العالمية، وفي الوقت نفسه توقف الطلب من المستهلكين في ظل إجراءات الإغلاق وعدم اليقين بشأن الكيفية التي سيؤثر بها الوباء على الاقتصاد.
فما حجم الضرر؟ حققت معدلات نمو المبيعات أرقاما واعدة خلال معظم الربع الأول، لكنها تراجعت في الأسبوعين الأخيرين من شهر مارس مع تراجع الطلب بسبب الوباء وتدابير التباعد الاجتماعي والإغلاق الجزئي للاقتصاد. وتشير البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات (أميك) إلى تراجع مبيعات سيارات الركاب بنسبة 26% خلال أبريل، إذ حققت 5800 سيارة فقط مقارنة بـ 8 آلاف سيارة تقريبا في أبريل من العام الماضي. وكان حال قطاع الشاحنات (الذي غالبا ما يعكس الطلب في قطاع الشركات) أسوأ بكثير، إذ شهد انخفاضا بنسبة 42% في المبيعات ليصل إلى 1500 فقط مركبة خلال الشهر. وبشكل إجمالي شهدت السوق هبوطا قدره 22%، إذ تراجعت المبيعات في أبريل الماضي إلى 8900 فقط، مقارنة بـ 11500 مركبة في أبريل 2019 ، وبنفس الوقت أحجمت عدة شركات عن التحدث بشأن مبيعاتها في الفترة الأخيرة، لكن مسؤولا بارزا في إحدى الشركات صرح بأن "المبيعات تضررت بشكل ضخم خلال شهر رمضان وإجازة العيد التي استمرت لمدة أسبوع كامل".
إلا أن هناك بعض الأمور الإيجابية المفاجئة في الأرقام التي صدرت مؤخرا، حيث ارتفعت مبيعات الأتوبيسات بنسبة 58% خلال أبريل، محققة 1600 أتوبيس مقارنة بألف فقط في العام الماضي. ولم يؤد التوقف الناجم عن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة إلى خفض المبيعات، إذ كانت المبيعات في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 أعلى بنحو 33% مما كانت عليه خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. ومع ذلك، فإن أرقام أبريل لم تكن رائعة، إذ هبطت المبيعات إلى أقل من المستويات التي حققتها في أبريل 2017، حين تراجعت المبيعات إلى 9500 وحدة فقط بسبب انخفاض قيمة الجنيه وزيادة التضخم، بالإضافة إلى التأثيرات المتبقية لأزمة سوق الصرف الأجنبية عام 2016. فماذا حدث؟ لقد تعرض السوق لعدة تداعيات كان أهمها:
1- عدم اليقين في السوق: وسط تقارير تسريح الموظفين وخفض رواتبهم، أجل العديد من المستهلكين خططهم لشراء سيارات جديدة. ومن الأمثلة التى كانت واضحة ما أشارت له شركة جي بي أوتو المقيدة في البورصة المصرية عن انخفاض حاد في عدد زوار معارضها خلال الأيام الأولى من الحظر. كما قال الأمين العام لرابطة المصرية لمصنعي السيارات م. خالد سعد: "لن يخاطر أحد بصرف مدخراته على سيارة لا يمكنه حتى قيادتها، بينما يوجد احتمال بأن يصير عاطلا ويحتاج إلى كل جنيه يمتلكه".
2- تعليق إصدار التراخيص الجديدة: حتى أولئك الذين خاضوا المغامرة وقرروا شراء سيارات جديدة لم يتمكنوا من ترخيصها، إذ كانت كل خدمات الإدارة العامة للمرور متوقفة في ذلك الحين، ضمن قرار تعليق معظم الخدمات الحكومية التي تتضمن تعاملا مباشرا بين المواطنين والموظفين. ولم يتمكن المستهلكون الذين سبق واشتروا سيارات مستعملة من نقل الملكية أيضا، بعد إغلاق مكاتب الشهر العقاري حينها أيضا.
3- منع البنك المركزي تجار السيارات من بيعها نقدا: حذر البنك المركزي من أنه سيفرض غرامات كبيرة على معارض السيارات التي تتعامل بالنقد (ضمن حملة طويلة لتقليل اعتماد الاقتصاد على النقد)، وفي الوقت نفسه الذى وضع فيه حدا أقصى مؤقتا للسحب النقدي والإيداع في البنوك. وتسبب ذلك في صداع كبير لمعارض السيارات التي تتعامل بالنقد، والتي لا تمتلك 95% منها تراخيص العمل المطلوبة، وبالتالي ليس لديها إمكانية الحصول على حسابات مصرفية تجارية، حسبما يقول رئيس رابطة تجار السيارات أسامة أبو المجد.
4- فرض حظر التجوال: اضطرت الشركات إلى تقليل ساعات العمل امتثالا لأوامر حظر التجوال الجزئي. وأثرت أوقات العمل الجديدة على مبيعات العديد من شركات السيارات التى تتسم طبيعة أعمالها بالبيع بالأوقات المسائية، والتي عادة ما يحدث معظمها في النصف الثاني من اليوم، بالوقت نفسه الذى قررت فيه الحكومة إغلاق المحال التجارية تماما لعدة أيام.
كل هذا بالإضافة إلى توقف غير مسبوق لسلاسل التوريد العالمية، حيث تضررت شركات تجميع السيارات المحلية والموزعون بسبب الإغلاق العالمي، الذي أجبر مصنعي السيارات ومصدريها على إيقاف أو تقليل قدراتهم الإنتاجية بشكل كبير. فمنذ تصاعد تفشي الفيروس في مارس، لم تستورد مصر أي قطع غيار أو مركبات.
5- تأجيل خطط التوسع: مع تزايد قيود السيولة على الشركات، مما يجبر بعضها على تأجيل خطط التوسع، وهو ما يؤكده خالد سعد، الذي يشغل أيضا منصب رئيس شركة بريليانس بافاريان أوتو. واضطرت الشركة إلى تعليق خطط إنفاق 120 مليون دولار على خط إنتاج جديد بشكل مؤقت. كما لجأت جي بي أوتو أيضا إلى تعليق برنامج الإنفاق الرأسمالي الخاص بها، وإطلاق برنامج متشدد لتقليل التكاليف.
6- الشركات تقلل الأسعار لتشجيع الشراء: من ناحية أخرى أطلقت العشرات من متاجر السيارات والوكلاء حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعلنت عن خصومات تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات لتحفيز السوق ، وحتى الشركات الكبرى في السوق مثل جي بي أوتو، عرضت خصومات تصل إلى 70 ألف جنيه على بعض السيارات.
موقف الشركات بين مطرقة العرض وسندان الطلب:
وبدلا من رفع الأسعار بما يعكس انخفاض المعروض من السيارات، اضطرت الشركات إلى خفض الأسعار نتيجة تراجع الطلب بسبب الحاجة إلى السيولة النقدية، فتقديم الشركات لهذه العروض على السيارات هو بسبب الحاجة إلى السيولة، أي سيولة لتغطية مصروفاتها". وقلل نادر غبور- نائب الرئيس التنفيذي لجي بي أوتو من تأثير تخفيض الأسعار على النتائج المالية للشركة، وقال للمستثمرين إن أي خفض في الهامش الإجمالي سيجري تعويضه بزيادة حجم المبيعات.
ولكن ، متي يمكن أن تنتعش المبيعات؟
أغلبية رموز السوق يتوقعون استمرار تراجع المبيعات على الأقل حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي. وتتوقع جي بي أوتو أن يبقى قطاع سيارات الركوب تحت وطأة "ضغوط مستمرة" حتى نهاية الربع الثاني، وبعد ذلك فإن الشركة لديها "تفاؤل حذر" في الربع الثالث، وفقا لغبور. وقال مصدر بجي بي أوتو إن المبيعات بدأت تظهر "بعض التعافي" خلال الأيام الأولى من شهر يونيو، ولكنه أكد أن المبيعات لن ترتفع إلا عندما تخفف الحكومة من الإجراءات المفروضة وتعود ثقة المستهلكين كما كانت قبل الجائحة. وفي الوقت نفسه، يشير سعد إلى أن مبيعات هذا العام قد تتراجع بنسبة 70% مقارنة بمبيعات 2019.
و رغم شوارعنا المزدحمة فإن نسبة السيارات إلى المواطنين في مصر منخفضة مقارنة بدول المنطقة والأسواق الناشئة، ولكن تلك هي الحقيقة. لكل ألف شخص لدينا 45 سيارة، وفي العراق هناك 77 سيارة لكل ألف شخص، وفي الجزائر 114، وفي تركيا 140 .
وماذا عن توقعات الفترة المقبلة؟
لا أحد يعرف ما ستسفر عنه الفترة المقبلة بشأن تفشي "كوفيد-19" في مصر. وعلى الرغم من أن قطاع السيارات مرحب بقرارات تخفيف الإجراءات الاحترازية الأخيرة، والتي شملت استئناف جميع الخدمات بوحدات المرور، وتقليل ساعات حظر التحرك لتصبح من الثامنة مساء إلى الخامسة صباحا، ولكن يبقى القطاع مهددا بركود إضافي إذا ساء الوضع الوبائي في البلاد.