طباعة
sada-elarab.com/520193
أصدرت غرفة البحرين تقريرًا عن الآثار الاقتصادية لفايروس كورونا، فكان لزامًا أن أقرأ ما فيه وأقارن مؤشراته وما يمكن أن نستفيد منه في البحرين ومن ثم دول مجلس التعاون، لأن التقرير يلقي بعض الضوء على مؤشرات خليجية ودولية.
أولاً: توقع التقرير أن ينكمش الاقتصاد العالمي بشكل حاد وبنسبة 3%، ووضعه في مقارنة مع أزمة 2008 التي عصفت بالاقتصاد العالمي ولو أني قد لا أتفق مع بعض المعلومات التي وردت في التقرير في هذه المقارنة، لأن ما حدث في تلك السنه هو انهيار لعشرات البنوك الأمريكية بسبب عدم تسديد تسليفات الرهن العقاري مما أدى لانهيار البورصة، بينما ما نعيشه اليوم أمر مغاير تمامًا لتداعيات هذه الأزمة وأسبابها.
فقد كانت أزمة 2008 خاصة بالرهن العقاري ولفئات معينة من المتعاملين مع البنوك، بينما أزمتنا الحالية شاملة وجامعة لكافة الفئات والأطياف، كما أن أزمة 2008 جاءت نتيجة أخطاء تم تداركها والوصول إلى تعافي في فترة تعتبر قصيرة، بينما ما نعيشه اليوم هو أزمة لا نعرف – حتى هذه اللحظة – متى تنتهي ولا كيفية معالجة آثارها في المستقبل.
ثانيًا: توقع التقرير أن يحدث ما أسماه «نموًا حادًا» يبلغ 5.8% خلال عام 2021، واستند في ذلك على صندوق النقد الدولي (!)، الذي لا أعرف من أين أتى بهذا القدر من التفاؤل، خاصة وأن خبراء الصحة يتوقعون الوصول لعلاج أو لقاح للفيروس خلال 18 شهرًا، وهو ما قد يتجاوز عام 2021، ثم بعدها نبدأ لملمة أشلاء الاقتصاد الذي دمره فيروس كورونا، وأعتقد أنه سيحتاج – على أقل تقدير – إلى سنتين وربما أكثر والله أعلم.
لذلك وقبل أن يتحدث خبراء الاقتصاد في توقعات هذه الأزمة، يجب عليهم أولا الإنصات لخبراء الصحة والانتظار عند أبواب المختبرات حتى يأتيهم الخبر اليقين بالتوصل لعلاج لهذا الفيروس القاتل، ثم نبدأ عندها حساب حجم الخسائر، ووضع الخطط لنعويضها، أما ما يأتي من توقعات لخبراء اقتصاديون قبل ذلك فهو محض تخمينات، وأدعوهم للنظر إلى ما قبل ازمة كورونا وتوجيه السؤال لأنفسهم: هل كان أفضلهم يتوقع هذا الوباء والبلاء؟.
وعند التطرق للحديث عن الوضع الاقتصادي البحريني أيضا استند التقرير إلى صندوق النقد الدولي الذي توقع أن ينكمش اقتصاد البحرين بنسبة 3.6% خلال هذا العام، ثم يرتفع في 2021 ليبلغ 3%، أي أنه سيجتاز أكثر من ست نقاط خلال فترة زمنية قصيرة، (وعليه يرجى مراجعة المؤشرات السابقة ومدى تحسنها مقارنة مع السنوات) وذلك لأن ارتفاع مؤشرات النمو تكون في حدود الـ 1% - 3%، فكيف سيرتفع المؤشر من الخسارة إلى المكسب بهذه السرعة؟
وذكر التقرير أن كلاً من مملكة البحرين وسلطنة عمان تصدرتا دول الخليج في نسبة المحفزات الاقتصادية في مواجهة ازمة كورونا بنسبة بلغت 30% تلتها دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بنسبة 10%، ثم المملكة العربية السعودية الشقيقة بنسبة 4% فقط، لكن التقرير لم يوضح تفاصيل مساندة لهذه النسب والتي ربما لا تكون منصفة عند المقارنة بعدد السكان، لكن من الواضح أن البحرين بذلت الكثير في دعم الاقتصاد واستبقت بعض الدول الخليجية في ذلك على الرغم من قدراتها المالية المحدودة، وهو يحسب للبحرين وسياساتها، ويحسب للتفكير العلمي الشامل لتبعات الأزمة.
ويعترف التقرير بأن القطاع النفطي هو الأكثر تضررًا من جراء جائحة كورونا، وأشار إلى الانهيار العظيم الذي حدث في الأسعار في 20 أبريل الماضي، لكنه في صفحة أخرى، توقع – بحسب ستاندرد اند بورز – أن تقدم دول الخليج الدعم للبحرين في الوقت المناسب وحسب الحاجة، بل أكد على أن هذا الدعم سيأتي للبحرين خلال فترة انخفاض أسعار النفط، وهي توقعات أعتقد بانها قد تكون غير منطقية ولا تظهر الحقيقة، لأن أزمة انخفاض أسعار النفط أصابت جميع الدول الداعمة والمدعومة بضرر كبير، ولو انني على يقين بان تلك الدول لن تتخلى ولن تتردد في بذل كل ما لديها لمساعدة شقيقتها البحرين وحتى في تقاسم الخبز.
وفي نهاية استعراض التقرير أجد أننا في حاجة للتفكير بجدية في مستقبلنا، خاصة وأن أزمة كورونا أصابت الجميع ولم تترك بلدا بدون أضرار، ولو أعانك أحد على مصيبتك اليوم، فلن تجده غدا بجانبك لأنه واقع في نفس المصيبة، ولعل في الأزمات خير لنا بإذن الله تعالى، فلربما نتعلم الدروس التي تعيننا بعد ذلك على التحوط وعدم الإفراط في البذخ وكذلك في التفاؤل والمثالية.
ولا أنكر جهود القائمين على التقرير في غرفة البحرين، لكننا في حاجة لتدبر الأمر وقراءة أقل تفاؤلا، بحيث نضع التدابير الاقتصادية الاحترازية على الطاولة، ونبدأ في وضع الخطط الواقعية للأزمة، فإن كانت قلة التفاؤل غير صحيحة فقد ربحنا، وإن جاءت الأيام بما تحوطنا منه، فنكون قد وضعنا حساباتنا بما يدرأ عنا هذا الخطر. حفظ الله قيادتنا الرشيدة وشعب البحرين الوفي.
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية