أن تأخذ قسطًا من الراحة بعيدًا عن هموم المهنة، والتأمل في السماء الزرقاء والبحر الممتد نعمة للأسف لا نحظى بها معظم أيام السنة، فدولاب الحياة في مسير لا ينقطع، وعندما تأخذك شئت أم أبيت دوامة العيشة اليومية، فأنت لا تملك إلا أن تكون جزءًا يسيرًا من هذه الوتيرة المتسارعة الخطى ولا تستغرب في زماننا أن نقضي جل الوقت في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي وما يبث من خلالها من غث وسمين، إن كنت مثلي أقرأ كل شاردة وواردة، والجأ إلى مسح ما يرد دون إعادة الإرسال فإن ذلك قد يستغرق منك الوقت الثمين، ثم إنك للأسف الشديد تتعب النظر، وقد نحتاج كل ستة أشهر إلى تغيير درجة وقوة النظارات، هذا إذا كنا حريصين على متابعة مجريات النظر عندنا.
إنها آفة ومعطيات العصر الذي وجدنا أنفسنا غارقين فيه بإرادتنا وبغير إرادتنا، وأكثر ما يغيضني إذا انقطعت بي السبل لشحن هاتفي النقال من خلال اقتنائنا لأسلاك وشواحن رديئة الصنعة وإن كانت مغلفة بأغلفة جذابة وفي محلات قد تكون معتبرة ومحل ثقة الزبائن إنها صناعة وتجارة رائجة ولا يهم الإتقان فلكل سلعة ثمنها ولكل جودة قيمتها..
ما علينا فهذا حديث يطول شرحه وهم قد نتقاسمه جميعا، نسأل الله العافية وأن يمنحنا الصبر على من أرادوا أن يغيروا على ما في جيوبنا.
لحظة من التأمل في الإجازة الأسبوعية في إحدى منتجعات سهل حشيش بمدينة الغردقة جنوبي سيناء بجمهورية مصر العربية كفيلة بأن تنقلك من حال إلى حال، وأنا جالس في ظل أشجار أتأمل في البحر الهادئ الجميل الذي نعشقه نحن أبناء الجزيرة مملكة البحرين حيث اعتدنا ونحن صغار بعشق البحر الذي ورثناه عن أجدادنا وآبائنا خصوصًا في فصل الصيف حيث نقضي جل وقتنا ونحن صغار في البحر منذ شروق الشمس إلى منتصف النهار، ومن هنا أخذنا السمرة، وأخذنا ملح اليود وتعلمنا السباحة في المياه الضحلة إلى الأعماق، فالبحر يمد من يعشقه بطاقة إيجابية ويرفع عنه هموم الدنيا.
كنت في لحظة تأمل وإذا عصافير تأتي حولي وتلقط ما قذف به الصغار، أحفادي من فتات رقائق البطاطس وبعض المكسرات أو ما يسميه إخوتنا المصريون «بالتسالي» يأخذ أحد العصافير ما يقدر منقاره الصغير على حمله، ويقوم بإطعام زميله منه في تعاون لا مثيل له قد يكون بين بني البشر، ورأيت أحدهم وهو يتعامل مع قطعة أكبر فلا يستطيع حملها فيتركها إلى حين ويخبر زملاءه بأن يتعاونوا معه في حملها أو تفتيتها، ويتشاركون في تناولها في خفة ونشاط دون مبالاة من نظراتنا وما ترمقه عيوننا، فقلت في نفسي سبحان الله الذي أهدى هذه العصافير الضئيلة الحجم، القليلة الحيلة كل هذه الفطنة والذكاء والحيلة، إنها إرادة الله في مخلوقاته ولو تأملنا في حال هذه العصافير لارتاحت نفوسنا وقرت عيوننا وارتاحت ضمائرنا، وهنا تذكرت حديث عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا» رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
كيف لنا أن نتعاون جميعًا في قضاء حوائجنا؟! وكيف نسعى دائبين لطلب الرزق الحلال في انسجام وألفة ومحبة مع شركائنا في الوظيفة أو العمل أو في الحياة؟! نستفيد من خبرات بعضنا بعضًا، ونتشاور فيما نعلم وفيما لا نعلم فنؤدي أعمالنا بكل دقة وأمانة وحرفية ومهنية نادرة.
بل كيف نترك ما لا نقدر على حمله ماديًا ومعنويًا ونستعين بالآخرين الذين يشاركوننا هم طلب الرزق وتحمل ظروف الحياة؟! ونبذل جميعًا الجهد في إيجاد الحلول الناجعة التي تجعل الصعب سهلاً والمستحيل ممكنًا، ولا أعتقد أن ذلك يدخل في خانة المستحيلات، خصوصًا عند بني البشر شريطة ان تخلص النوايا، وتطيب الخواطر وتتحقق إرادة العزم والتصميم والإرادة في نقل حالنا من حال إلى حال.
ولكي لا نجلد الذات، ونرى بعيون ضيقة وخواطر مهمومة فلا بد من الإقرار بأن هناك أفرادًا يتعاملون مع الآخرين بكل أريحية وطيبة نفس وجمال رؤية للكون والحياة، بل إن هناك مجتمعات تتعاون مع بعضها بعضًا لبلوغ الأهداف المبتغاة، وهي ظواهر تحتاج منا إلى الوقوف عندها وتأملها والسير على نهجها والتعاون معها وتشجيعها والأخذ بيدها، فآفة الإحباط قد تصيب الأفراد والمؤسسات إذا لم نتخذ من الأسباب ما يعلي من شأن الإيجابيات والبناء عليها، فالتفاؤل مطلوب في تعاملنا الإنساني وحاجتنا لبعضنا بعضا تزداد باستمرار ولا تنقص، ولا بأس في أن نتعلم من الآخرين خصوصًا أولئك الذين خبروا الحياة وجربوا المواقف الصعبة، والمرء منا سيظل يتعلم ممن سواه توسعت خبرته أم تضاءلت، وربما نتعض بأناس أقل منا عمرًا، ولكننا بالقطع نتعظ ممن خاضوا غمار الحياة يحدوهم الأمل في الإنجاز والإبهار وتحري الوصول إلى التألق الدائم، فسنظل في حياتنا نتعلم ونستفيد سواء من بني البشر أو الحيوان أو الطير وكما قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي 767 م/ 820 م رحمه الله.
تعلم فليس المرء يولد عالمًا
وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالمًا
كبير إذا ردت إليه المحافل
وعلى الخير والمحبة نلتقي