طباعة
sada-elarab.com/517715
قد يفهم البعض دوافع تركيا للتدخل في سوريا أو العراق، فهناك حدود تجمعها مع البلدين، وأزمات طاحنة تدور فيهما، قد تشكل ذريعة للتدخل العسكري، ولكن ماذا بشأن ليبيا؟، البعيدة آلاف الكيلومترات عن الأراضي التركية، والتي تعاني أصلا من مشكلات تمزقها وهذا ما سنوضحه في هذا المقال
فالأطماع التركيّة في ليبيا، تعد حلقة من حلقات السياسة الاستعمارية التي تنطلق منها السياسات التركيّة في المنطقة، أملاً في تحقيق حلم إحياء الدولة العثمانية مع ذكرى مرور مئة عام على معاهدة «لوزان» الثانية فلا تغيب تلك الأحلام عن مخيلة أردوغان الذي لا يُخفي رغبته في توسعة نفوذ بلاده، بذرائع مختلفة
إن أردوغان يسعى للسيطرة على الأراضي البحرية من قبرص إلى الصومال؛ لتحقيق حلم الإمبراطورية العثمانية، وهو مشروع حقيقي يعمل عليه الأتراك تحت اسم «العثمانية الجديدة» وجزء منه مدفوع بالمصالح الاقتصادية في تأكيد السيادة والسيطرة على رواسب الغاز خارج قبرص وتعطيل مشاريع الغاز المشتركة بين مصر واليونان وقبرص
هذا المشروع قائم في ليبيا على تفتيت حلم الدولة وجعل ليبيا بلداً تابعاً له، وذلك من خلال تصريحات الرئيس التركي السابقة حين قال إن ليبيا هي ميراث لنا والآن تركيا تقوم بالغزو لجزء مهم من الأراضي الليبية من خلال الجو والبحر ومرتزقتها الموجودين على الأرض ومناصريها من «الإخوان» والجماعات الإرهابية وبعض القوى الجهوية الحالمة بعودة الاحتلال العثماني أملاً في تحقيق حلم إحياء الدولة العثمانية
أن السياسة التركية «سياسة استعمارية» مبنيّة على فكرة اتخذ السراج كحصان طروادة للتدخل في ليبيا، لتحقيق تلك الأطماع الاستعمارية، وقد بزغ ذلك من خلال الاتفاقية المعدومة التي تم توقيعها والتي تخالف الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بعد أن تلاقت مصالح السراج (الباحث عن أية حاضنة له) وتركيا (الهادفة للمضي قدماً في سياستها الاستعمارية).
فمع هجوم القائد خليفة حفتر على طرابلس ، وجد الأتراك ضالتهم المنشودة سعياً للتدخل التركي في ليبيا لتوسيع نفوذهم السياسي والعسكري على الأرض وتحقيق مطامع ومطامح أنقرة في ليبيا
إن ما يحدث في ليبيا صورة مصغرة من الكارثة الكبرى التي تشهدها سوريا، لكن من الواضح تماما أن هناك المزيد من فصول مسرحية الصراع الليبي والأطماع التركية الخفية فالدور الأكبر لتركيا في هذه المسرحية الهزلية وهذا ما سنكتشفه خلال الأشهر القليلة المقبلة
السؤال الذي يتبادر إلي الأذهان الآن ما هي الأطماع والأسباب التي من أجلها تم الغزو التركي الاستعماري ليبيا ؟
هناك عدة مآرب حقيقية من تحرك« السلطان العثماني أو هتلر العصر» الرئيس التركي نحو غزو ليبيا نذكر منها باختصار ما يلي :
1- أن الغزو التركي يستهدف السيطرة الكاملة على المنطقة الغربية، وعلى مراكز القرار السياسي والمالي والاقتصادي في طرابلس من خلال التدخل المباشر وأدواته المتمثلة في جماعة الإخوان التي يسعى إلى تمكينها عبر الدعم العسكري والإعلامي فمشروع الإخوان هو المحرك الحقيقي لأروغان من حيث دعم وتمويل الجماعات الإرهابية وتحديدا تنظيم الإخوان الذي يعد أحد أبرز أسباب التدخل التركي في ليبيا لما تريده تركيا من تمكين الإخوان لحكم البلاد والسيطرة على مقدرات الدولة الليبية.
2- - تعتبر تركيا ليبيا جزءاً من المناطق النائية الأوسع في شرق البحر المتوسط وبوابة اقتصادية مهمّة لأفريقيا وحيث أن منطقة شرق المتوسط تعد مطمعا كبير لدول المنطقة برمتها لما تحتويه من مخزون هائل من الغاز الطبيعي يقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب. ولذلك أنقرة تريد إذا أن يكون لها نصيب وفير من تلك الثروات من خلال ليبي
3- - تأمل تركيا في أن يضمن دورها العسكري في ليبيا على الأقل الاستمرارية في القتال الند بالند أو الجمود في القتال، ممّا يضمن أن يكون لأنقرة رأي في أي نتيجة نهائية ويمكن القول أن ما يحدث هو محاولة من قبل الحكومة التركية لتصدير قوتها في مناطق كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية القديمة
4- العوائد الهائلة التي ستعود علي تركيا في حال أعادت إحياءها للإعمار الليبي، ومدي المصالح الاقتصادية التي ستحققها أنقرة من الأموال الليبية.
5- حماية رجال الأعمال الأتراك حيث أن المقاولين الأتراك امتلكوا مشاريع في ليبيا تصل قيمتها إلى 28.9 مليار دولار، ولعل هذا هو الهدف الحقيقي وراء الدعم التركي الكبير لحكومة فايز السراج
6- - تريد تركيا أرسل إشارة إلى اللاعبين الآخرين في مجال الطاقة في المنطقة، إنه ما لم يتم ضمّ أنقرة إلى المعادلة، وصول خطوط أنابيب الغاز إلى أوروبا سيكون معقداً وهي تسعي بجهد مباشر لمواجهة إسرائيل ومصر واليونان وقبرص الذين أنشأوا منتدى غاز للشرق المتوسط وهو ما يظهر من خلال العدوانية التركية المتزايدة في استكشاف النفط في المياه القبرصية والتي تتضمن طائرات بلا طيار مزودة بأسلحة لحماية سفن التنقيب، جزءاً من هذا النشاط الجديد.
7- المكاسب الطائلة التي ستعود عليها من خلال مبدأ «الأموال مقابل السلاح»، والذي ظهر ضمن بنود الاتفاقية المبرمة بين تركيا والسراج، والتي تقضي بسداد السراج مبلغ 2 مليار دولار سنوياً لأنقرة مقابل التعاون، مقابل أن ترسل تركيا من جانبها قوات لدعم السراج، لكنها لن تكون قوات تركية بل من المرتزقة الذين تُشغلهم تركيا من جنسيات أخرى لاسيما من دول الساحل والصحراء، برفقة خبراء ومدربين أتراك
وتقول تقديرات أمنية في طرابلس إن قيمة الأسلحة التي اشترتها حكومة السراج من تركيا بلغت أكثر من 20 مليار دولار، خلال الفترة من تاريخ توقيع اتفاقية نوفمبر إلى شهر أبريل الحالي، فضلاً عن رواتب المقاتلين المرتزقة الذين ترسلهم تركيا للقتال مع قوات حكومة الوفاق. واستطاعت أنقرة أن تبسط نفوذها على حكومة الوفاق وتجنى المزيد من الأموال عبر تحصيل فواتير بملايين الدولارات بحجة علاج الجرحى الليبيين في مستشفياتها، وعرقلت ملفات التحقيق مع متهمين محسوبين على جماعة الإخوان بتبديد الأموال العامة في طرابلس، فضلاً عن تغلغل عملاء تركيا في الداخل الليبي لتنفيذ عمليات قذرة ضد الجيش الوطني، وضد مرافق الدولة
8- تسعي تركيا إلي توفير الطاقة لها حيث أن تركيا تستهلك كميات هائلة من الطاقة سنويا، وليس لديها موارد كافية، وتستورد ما قيمته 50 مليار دولار في العام الواحد. ورغم عمليات التنقيب التي تقوم بها أنقرة، إلا أن المناطق البحرية التابعة لها لا يوجد بها آبار غاز أو نفط. وهو ما دفعها في وقت سابق من هذا العام خلال شهر يوليو الماضي إلى إرسال سفن للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، وهو ما اعتبرته نيقوسيا استفزازا وتحركا غير قانوني. فالتقرب التركي نحو ليبيا هو رغبة منها في توفير موارد طاقة جديدة لأنقرة، ولذلك أبرمت أنقرة في 27 نوفمبر الماضي اتفاقا بحريا مثيرا للجدل مع حكومة الوفاق الوطني الليبية تسيطر بموجبه تركيا على مناطق لا تخضع لها بموجب القانون الدولي. وهو ما أثار غضب اليونان وقبرص
9- - ترغب أنقرة أيضا من خلال انخراطها سياسيا وعسكريا في ليبيا في أن تكون قريبة من مصر عن طريق التواجد على حدودها الغربية وبذلك تصبح تهديد للدولة المصرية بجهة حدودها الغربية بإرسال المرتزقة والإرهابين لتنفيذ علميات إرهابية بمصر وهذا يبين الطابع الأيديولوجي للعداء حيث ترغب أنقرة في الاقتراب أكثر من الحدود المصرية وتهديده باستمرار.
10- مساعي الرئيس التركي في إحياء العثمانية الجديدة وبسط نفوذ واسع لأبناء أتاتورك على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولم يقتصر ذلك على ليبيا بل سيمتد فيما بعد لدول أخرى والتدخل بذرائع أخري ويتأكد هذا الحلم من خلال دعم مشروع الإخوان المسلمين في ليبيا
11- دخول تركيا ليبيا هو جزء من مخطط لإقامة قواعد عسكرية تركية ثابتة لضمان القوة الثابتة تجاه دول قربه منها كمصر لتضمن لها الثبات في أرض المعركة لحظة المواجهة وتعمل كغطاء حماية للمنظمات الإرهابية لحظة تنفيذها عمليات بمصر ناحية الحدود الغربية بتخطيط تركي إخواني , لذا تعتبر ليبيا جزءاً أساسياً من هذا المخطط، التدميري الذي لا تزال تعمل على تحقيقه تركيا بكل ما أوتيت من قوة من خلال منظمات مسلحة تولت رعايتها وتسليحها وتدريبها، ودفعت بها إلى ساحة المعركة ،حتى أنها لم تجد غضاضة في التعامل مع جماعات إرهابية؛ مثل: «جبهة النصرة»، ومرتزقة أجانب لنقلهم إلي الأراضي الليبية بهدف تحقيق مخططاتهم الاستعمارية ووضع القواعد العسكرية بليبيا . كما هو الحال عندما دفعت بقواتها داخل الأراضي السورية والعراقية، وأقامت قواعد عسكرية ثابتة، تتولى إدارة هذه الجماعات وتوجهها
في النهاية
إن تركيا تطمع بشكل لا مثيل له لكسب الحرب لصالح حكومة الوفاق وتحقيق أحلام السلطان العثماني الذي يبحث عن ثروات الجماهيرية، والفوز بصفقات النفط والغاز وتنفيذ خطط الفضاء البحري التي رسمها اتفاق السراج و إردوغان، فلم يكن مستبعد منذ البداية أن يقدم الأتراك الرصاصة الأخيرة لمساعدة حكومة الوفاق والتي قد تكون سبب لنهايتهم وخروجهم مخذولين صاغرين من ليبيا.
أتمنى أن ينهي القائد حفتر الوضع المعلق ويقضي على الوهم والطمع التركي ويدخل الجيش الوطني العاصمة مظفراً ويقول للعالم وداعاً لثماني سنوات من الاقتتال العبثي , سنترك الأيام تحدد لنا الجهة الرابحة ونتمنى أن يكون جيش ليبا الوطني لا غيره.