طباعة
sada-elarab.com/513988
قديما قالوا «يعرف الرجال في أوقات المحن»، وعندما يرحل الرجال لا تبقى لهم إلا سيرتهم ومواقفهم في تلك الأوقات، ولا أستطيع حصر العديد من الشخصيات الوطنية ذات الذكرى الحسنة في تاريخ البحرين المعاصر، ولكن أقرب مثل عايشناه منذ أيام، هو وفاة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، الرجل الذي لم يختلف عليه اثنان.
ولكي لا أبتعد عن بيت القصيد، فأعود للمأساة التي نعيشها جميعًا في هذه الأيام بسبب فيروس كورونا، وما أحدثه من انهيار اجتماعي لم يشهده أحد في عصرنا الحالي، وما تبعها من أزمة اقتصادية عصفت بالفقراء ومتوسطي الدخل في شتى بقاع المعمورة، ولا نعلم توقيت محدد لنهايتها، وبات المستقبل بعض الشيء غامضا حتى عند أكثر الخبراء تفاؤلاً.
وعند انتهاء تلك الأزمة بإذن الله تعالى، يجب أن نقف ونرصد ونسجل للتاريخ تلك الأحداث وكيفية التفاعل معها من قبل القادة وأصحاب القرار، ثم عامة المجتمع، وأخيرًا أصحاب المال والاعمال، ونضع أمام الأجيال القادمة دروسًا يستطيعون من خلالها التعامل مع مثل تلك الأزمات، والتي لا اتمنى أن تتكرر في المستقبل.
فعلى صعيد القادة وأصحاب القرار، نحمد الله تعالى أن لدينا قيادة حكيمة وحكومة رشيدة تعاملت بقدر كبير من الحكمة والإنسانية مع الأزمة، ولم تترك المواطن ولا المقيم إلا وقدمت لهم العلاج والرعاية الصحية، ووضعت آليات تعويض لكل متضرر من الأزمة، بتحمل الأعباء عن محدودي الدخل بأقصى قدر ممكن، وهنا لابد أن أنوه للدين العام قبل الأزمة بأيام قليلة، والذي لم يؤثر على قرار الدولة في تمرير حزمة مالية تعتبر بمقاييس الاقتصاد، «متجاوزة للحدود».
وعلى الصعيد المجتمعي، فإن الرقم المعلن لعدد المتطوعين في الحملة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا والذي تجاوز 30 ألف متطوع، يعتبر أحد المواقف المشرفة لأهلنا وشبابنا الذين نفخر بهم دومًا، وهنا أذكر واقعة حدثت في البوسنة حين حاصرها الصرب لمدة 4 سنوات، ونفذ الغذاء من جميع المستودعات، فقرر السكان زراعة الخضروات في الحدائق العامة وبيوتهم، وتقاسموها مع بعضهم البعض.
ولكن يبقى دور أصحاب الأموال والتجار وأعضاء قائمة فوربس، غامضًا ولا يذكر سوى بسوء، فبدلا من أن يتبرع هؤلاء الذين تربحوا لسنوات، وزادت ثرواتهم من خير هذا البلد، نجد بعضهم يخزن السلع كي يستفيد من ارتفاع أسعارها، والبعض الآخر يتجاهل الأزمة ولا يفكر في زحزحة ثروته قليلاً ليعطي الوطن جزءًا ولو قليل من تلك الثروة.
بل إن بعض التجار «الأثرياء» يدعون الفاقة والحاجة، وينتظرون نصيبا من حزمة الدعم الاقتصادي، ولا أقول لهم إلا ما حصل لأثرياء سراييفو الذين قايضوا مجوهراتهم مقابل القليل من الطعام.
ولابد وأن يأتي اليوم الذي ستنتهي فيه هذه الأزمة، وسنقعد في مجالسنا لنتذكر فلانًا الذي غامر بحياته ووقف في مواجهة الفيروس القاتل، ليعالج المرضى ويخفف آلامهم دون أن يكترث لاحتمال إصابته، كما سيترك كل متطوع لأبنائه سرديات فخر واعتزاز بما قدمه من خدمات للناس وللبلد.
ولن ينسى الناس للتجار مواقفهم سواء الذين تبرعوا وبادروا بتقديم إسهامات خففت عن الناس محنتهم ومصابهم، كما لن ينسى الناس أيضًا، تجارًا آثروا الجشع والتكسب من آلام الناس وحاجتهم، وكذلك اشخاصًا سواء من الداخل او الخارج ساهموا في خلط الاوراق وتاجيج الشارع، وسيكتبون أسماء هؤلاء في سجلات الخونة والمجرمين، لأن ما فعلوه لا يمكن وصفه إلا بجريمة خيانة الوطن، وهي في الأعراف القانونية جريمة لا تغتفر.
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية