الشعوب تستقي ثقافتها من عدة مصادر، فالأديان
والعقائد هي من أهم مصادر الثقافة، ومع تطور الحياة كانت الصحافة مصدرًا للثقافة وبعدها
كانت الإذاعة أو الراديو هو مصدر ثقافة الاستماع من خلال الأحاديث في السياسة والاقتصاد
والاجتماع والأدب بفنونه المختلفة تؤطرها الدراما الإذاعية وبما فيها من مضامين، ثم
جاءتنا ثقافة الصورة ممثلة في السينما والتلفزيون، ونحن اليوم نتعرض لثقافة أخرى تأتينا
من خلال وسائل التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" ومشتقاتهما
والذي ندركه ومما لا ندركه إلى وقتنا الحاضر وقد يفاجئنا الزمن بمعطيات ثقافية شتى،
ولكن تبقى ثقافة المجتمع الذي نعيش فيه هي من أهم وأخطر الثقافات التي تعرضنا لها وقد
نتعرض لها سواء كان ذلك في المدينة أو القرية في البلد الذي نعيش فيه أو ربما تلك المجتمعات
التي نقصدها خارج أوطاننا بغرض السياحة أو العمل أو حضور المؤتمرات والملتقيات الفكرية
أو السياسية أو الااقتصادية أو الإجتماعية.
اسمحوا لي أعزائي القراء أن أعول كثيرًا على ثقافة
مجتمعنا قد أكون مصيبا أو قد أكون مخطئًا أو قد نتشارك معًا في دراسة ذلك والتمعن فيه
أكثر.
علمتني الحياة من خلال التجارب الحياتية
التي عشتها في تواضعها وبساطتها أن أتأمل في وجوه الناس، وتصرفاتهم وأقوالهم، وحركاتهم
وسكناتهم وأن لا ألومهم في كثير من الأحيان بل ألتمس العذر لهم، فالثقافة في مفهومها
العام تشكل كياننا البشري وتتداخل في هذا التشكيل العقائد والأديان والتربية والتعليم
والبيئة الطبيعية والاجتماعية وتجارب الحياة المتعددة..
لم تعدْ المجتمعات البشرية مغلقة بل أصبحت
أكثر انفتاحًا، والحكم على الأفضل أو الأحسن أو الأسوأ قد يكون مجالاً لتباين وجهات
النظر والأخذ والرد، ولكني أميل إلى اعتبار ذلك نسبي في مفهومه ودراسته والتمعن فيه
وعلينا أن نترك الحكم للإنسان الفرد الذي منحه الله سبحانه وتعالى نعمة التفكير والاجتهاد
وهو بالطبع لا يمكن أن ينفصل عن مجتمعه والبيئة المحيطة به.
لا أود أن أخوض في أمور فلسفية مجردة ولكني
أنقل إليكم أعزائي تجربة متواضعة علها تكون مفيدة فإن أصبت فمن الله التوفيق وإن أخطأت
فلي أجر المحاولة.
مجتمعاتنا فيها عناصر القوة وعناصر الضعف
وإذا كنت متفائلاً وأرجو أن أكون كذلك فإن عناصر القوة أكثر بكثير من عناصر الضعف وإن
كنت لا أستهين بعناصر الضعف، لأنها هي الطريق إلى تلمس الأفضل والبناء على الأقوى لنصل
إلى مجتمعات إن أمكن محصنة وفهم عناصر الضعف أو قل التحديات التي من شأنها أيضا أن
تخلق الفرص الإيجابية.
قرائي الأعزاء: أنتم مدعوون من اليوم للتمعن
وإعمال الفكر والتجرد في فهم مجتمعنا والانكباب على دراسته وتبادل الرأي والتجارب مع
من يعيش بيننا..
تزاوروا في المجالس بالقرى والمدن جربوا
أن تذهبوا لأسواقنا القديمة كما تذهبوا إلى المجمعات التجارية الحديثة اقضوا حوائجكم
بأنفسكم فأم العيال بإمكانها أن تعطيكم قائمة بحاجات المنزل تناولوا وجباتكم منفردين
أو مجتمعين في المطاعم والمقاهي الشعبية، كما يحلو لكم تناول الوجبات في المطاعم الفاخرة
أدوا واجباتكم الدينية في دور العبادة اختلطوا بالناس على مختلف مشاربهم ليس بالضرورة
أن تتكلموا فالصمت أحيانًا مدعاة أكثر للتأمل، ولا بأس أن تتبادلوا الأحاديث مع من
تصادفونهم فعبارة منكم قد تدفع بهم إلى طاقة إيجابية وكلمة منهم قد تجعلك تتأمل فيما
حولك وترسم لك طريقًا للمستقبل..
كنا نسمع ممن سبقنا أجدادنا وآبائنا قيم
وثقافة الجامع، وثقافة السوق وثقافة البحر وثقافة الزراعة وثقافة الحي أو الفريج، لا
نعلق طبعًا وقد للأسف الشديد نستخف ببعض الآراء ولكنها قيم عاشوا عليها ونقلوها لمن
أتى بعدهم، تُرى هل سنكون يومًا من أولئك الذين قد يستخف بأقوالنا وأفعالنا؟! أجيال
تأتي بعدنا، ربما ولكننا اليوم أبناء الحاضر أمامنا الفرص لفهم مجتمعنا أكثر والبناء
على عناصر القوة فيه والتمسك بالقيم الرفيعة التي تحفظ الكيان وتقوي اللحمة وتشد من
الأزر وتبني الأوطان وتجمع الشمل فلنبدأ بالبيت، ولنبدأ بالفريج أو الحي ولنبدأ بالمدينة
أو القرية وقد نبدأ بالمجالس والأندية، وربما السوق، فالثقافة في كل هذه الملتقيات
والثقافة التي نعنيها هي الأشمل وبمفهومها الواسع والذي لا يضيق ولا ينحصر في النطاق
الضيق للثقافة، فالثقافة هي أنا وأنت والآخرون.