طباعة
sada-elarab.com/425069
عزيزي المواطن البحريني.. هل فكرت يوما في استخدام المواصلات العامة في المملكة؟ لا أعتقد أن ذلك أمر وارد، ولو حدث فنسبة ضئيلة جدا ولا تذكر من المواطنين الذين ربما يتصادف ركوبهم الحافلات التي تجوب الشوارع ليل نهار باحثة عن ركاب من غير المغتربين.
ولربما أيضا كثير من الوافدين لا يستخدمون تلك المواصلات لسبب رئيس واحد: وهو زمن الرحلة الذي يستغرق (ما بين نصف ساعة إلى ساعة تقريبا)، فلو قررت استخدام الباص للذهاب من المحرق الى الرفاع مثلا، فربما ستفقد أعصابك، وبالتأكيد ستفقد وظيفتك إذا كنت ذاهبا للعمل.
حقيقة لم أجد ما يشجع أي إنسان في البحرين على أن يترك سيارته ويستقل حافلة إلى وجهة معينة حتى لو كانت قريبة، ويمكن إضافة عامل آخر لعدم نجاح تجربة المواصلات، وهو الانتظار الطويل لحافلة خلال فصل الصيف، والذي يعني انتحارا بالمعنى الحقيقي للكلمة.
لكن ماذا لو قررت الحكومة جعل المواصلات مجانية تماما؟ هل سيفكر المواطن والمقيم في الاستغناء عن مركباتهم ولو لجزء من المشاوير اليومية التي ربما يستطيع الباص تنفيذها؟ هي تجربة تستحق التطبيق ولو على سبيل الاختبار والقياس لمدى انخفاض التلوث البيئي من عوادم السيارات التي تجوب الشوارع كل يوم.
الفكرة ليست بالغريبة أو غير المسبوقة، فهناك دول قررت إتاحة مواصلاتها العامة مجانا في أيام الأعياد والمناسبات الوطنية، ودول أخرى خصصت مسارات لحافلات مجانية يستخدمها الجميع إلى جانب أخرى برسوم تذهب إلى أماكن أكثر.
لكن حكومة لوكسمبورج طبقت أقصى درجات الكرم مع مواطنيها، حيث أتاحت لهم استخدام كافة المواصلات مجانا، لتصبح أول دولة في أوروبا والعالم تقدم خدمة نقل عام مجانية على كامل أراضيها، ووصفت القرار بأنه «تدبير اجتماعي مهم»، حيث تهدف منه للحد من الازدحامات المرورية في بلد لا تزال السيارة وسيلة النقل الرئيسة لدى سكانه، مثلنا تماما، ويندرج هذا التدبير أيضا في إطار خطة ترمي إلى الحد من التلوث البيئي.
وعلى الرغم من عدد سكان لوكسمبورج القليل الذي لا يتعدى 610 آلاف نسمة، إلا أنها دولة تعاني من الاختناقات المرورية في وسط العاصمة، إذ تبلغ نسبة استخدام السيارات في البلاد 47% للتنقلات المهنية و71 % للترفيهية، وهي نسب مقاربة لما في البحرين.
ولقد أظهر تقرير الرقابة المالية في وقت سابق تكبد شركة الحافلات الوطنية خسائر بسبب تجاهل المواطنين والمقيمين للمواصلات العامة نتيجة عدم الجدوى، بينما تجني لوكسمبورج 41 مليون يورو سنويا من بيع تذاكر النقل العام التي يقدر ثمنها بـ«2 يورو» بالإضافة إلى الاشتراكات الدورية، ويمثل هذا المبلغ 8% من التكاليف السنوية لشبكة النقل المشترك البالغة 500 مليون يورو، وعلى الرغم من ذلك اتخذوا القرار الصعب.
لا أظن أن لدينا الجرأة على اتخاذ مثل هذا قرار، لأننا للأسف ننظر للمكسب المادي القريب ولا نضع رؤية حقيقية للمحافظة على البيئة، وهي المكسب الحقيقي للإنسان وصحته، وأيضا مكسب لميزانية وزارة الصحة على المدى البعيد، فكم من العوادم ستختفي من أجوائنا، وكم من السيارات ستتوقف عن التزاحم في الطرقات دون جدوى.. وتظل صحة الإنسان هي أغلى ما في الوجود، ولهذا تسخر الدول كافة إمكاناتها للمحافظة عليها.