يتفنن المعنيون بالتقاويم الميلادية والهجرية في بعض بلداننا العربية بأساليب شتى، وبها جهود لا تنكر بل تشكر فالاجتهاد فيها والرغبة في التميز ملحوظة بشكل جلي، وذلك من خلال إيراد الأشهر الميلادية وبما يقابلها من الأشهر الهجرية، ومواقيت الصلاة والطوالع والحكم والأمثال والأشعار وربما يزداد اهتمامنا بها خصوصًا أيام شهر الخير والبركات رمضان، وفي تحرّينا للأعياد، وكذلك الاهتمام بها خاصة لمعرفة أيام شدة البرد أو شدة الحر كما أن المزارعين، أو المهتمين بالزراعة المنزلية أو غيرها يستشهدون بها. ومن المعروف أن العرب قد برعوا في تحديد الطوالع والفصول، وكل هذه المواسم ربطوها بأمثال ومعاني تنطبق على الواقع في كثير من الأحيان لدقة المعلومات ولخبرتهم وظروفهم في الحياة، ففي مملكة البحرين هناك جهود رسمية مقدرة خدمة للدين والوطن وكذلك اجتهاد من الأخ نوار بن علي الوزان، «تقويم البحرين» باسم مجلس الوزان وكذلك عائلة المرحوم محمد عاشير يرحمه الله الذين نهج أبناؤه نهج والدهم في الاهتمام بهذا التقويم.. وهي جهود يقوم بها أفراد أو عائلات ليس هدفهم الربح المادي وإن كان أي عائد سيكون بلا شك مدعاة لاستمرارهم في الإصدار عامًا بعد عام لكن في الهدف الأسمى هو تقديم خدمة، الهدف منها هو عمل الخير في التوعية والتثقيف خصوصًا بما تحمله من أشعار وحكم ومواعظ وأمثال وخدمات تكون عونًا يوميًا لمعرفة أحوال الأجواء الطبيعية، صيفًا وشتاءً.. وقد لفت نظري قول في أحد التقويمات العربية بعنوان «من أجل حياة زوجية سعيدة» ومتن هذا القول على النحو التالي: «عليك أن تعلمي جيدًا.. أختي المسلمة بارك الله فيك.. أن زوجك لا يعلم الغيب ليكتشف ما يدور بداخلك، فالتزامك الصراحة معه في كل شيء سيطرح الخلافات جانبًا.. ويجب على المرأة العاقلة أن تهتم بالثناء الدائم على زوجها، وأن تطرب أذنه بكلمات بها مديح مستمر، وعليك أن تحرصي على الهدوء عند التحدث مع زوجك حتى في لحظات اختلاف وجهات النظر، ولا يعيبك أن تعترفي بخطئك وتبادري بالاعتذار إن أخطأت، وما أجمل أن يتسع صدرك لتقبل اعتذار زوجك لك وأولى بك ألا تصري على اعتذاره وبذلك تنعمين وتكسبين ود زوجك، وعليك أن تلبي طلبات زوجك دون تقصير، وأن تظهري سعادتك لذلك، فكل ذلك لا ينقص منك شيئًا، بل بالعكس يعلي من قدرك عند زوجك ولاسيما عند ربك. وأخيرًا إن استطعت أن تكوني صديقة مخلصة لزوجك فعندئذ ستزيد قوة العلاقة بينكما ويزيد القرب والمودة» انتهى هذا القول.
بطبيعة قراءة هذا القول يتضح أن من كتبه رجلاً، ونحن بطبيعة الحال ندرك بأن ما بين الزوج والزوجة هو شراكة ورباط مقدس، ومشاعر متبادلة وأحاسيس لا تنفصل، والرجل مطالب أيضا بكل ذلك وأكثر كي تستقيم الحياة بينهما، خصوصا وأن المرأة يجب أن نقر ونعترف بأنها تتحمل الكثير أيضا في تربية الأبناء، ولذلك فالرجل مطالب بأن يعي جيدًا هذا الدور للمرأة ويسعى جاهدًا لأن يوفر لها الطمأنينة والأمان والراحة كي تؤدي دورها المأمول منها وهي راضية مرتاحة البال والضمير.
كان الرجل على مدى التاريخ يخفي مشاعره وربما يكتم أنفاسه خشية أن يظهر عليه الضعف في إبداء مشاعره الإنسانية حتى ولو كانت أمام شريكة حياته زوجته الحبيبة إلى قلبه.. وقيل إنه في أدبنا وشعرنا العربي هناك قلة أو ندرة في الأشعار التي يفضي الشاعر الرجل بمشاعره تجاه شريكة حياته حتى لا سمح الله في الفراق.
واعتبرت قصيدة الشاعر الأموي جرير ابن عطية الخطفي التميمي 33 هـ 114هـ من أجمل القصائد النادرة التي رثى فيها زوجته وكان على استحياء ونم ذلك من خلال أبياته التي قال فيها:
لولا الحياء لهاجني استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولقد نظرت وما تمتع نظرة
في اللحد حيث تمكن المحفار
فجزاك ربك في عشيرك نظرة
وسقى صداك مجلجل مدرار
ولهف قلبي إذ علتني كبرة
وذوو التمائم من بينك صغار
إلى أن يقول:
كانت مكرمة العشير ولم يكن
يخشى غوائل أم حزرة جار
ولقد أراك كسبت أجمل منظر
ومع الجمال سكينة ووقار
والريح طيبة إذا استقبلتها
والعرض لا دنس ولا خوار
وإذا سريت رأيت نارك
نورت وجهًا أغر يزينه الإسفار
صلى الملائكة الذين تخيروا
والصالحون عليك والأبرار
وعليك من صلوات ربك كلما
نصب الحجيج ملبدين وغاروا
وجرير فيما قال كان صادقًا ومتوازنًا مع نفسه، فالحياة الزوجية هذا الرباط المقدس لا يستقيم حالها إلا بالتفاهم والتعاون والإيثار. والمشاعر الإنسانية خلقها الله فينا رجالاً ونساءً على حد سواء والمكابرة في إخفائها، والخشية من البوح بها تضر ولا تنفع، وعندما نقول «إن الأسرة هي نواة المجتمع» فإننا نعني أو هكذا يفترض فينا أن نبدأ من البيت بين الزوجين والأولاد فنبدي مشاعرنا الفياضة وحبنا لبعضنا بعضا، وننقل ذلك إلى أسرتنا الممتدة داخل العائلة الواحدة ثم نشيع ذلك على مجتمعنا، فبالحب وصدق المشاعر واحترامنا لبعضنا بعضًا وشعورنا بحاجتنا إلى بعضنا تستقيم الحياة وتظللنا الرحمات، ألم نؤمر بمراعاة الجار والرسول صلوات الله وسلامه عليه أوصى بالجار خيرًا ونقول في أدبياتنا «حق الجار على الجار لو جار» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء لو فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» ونحن هنا مطالبون بإفشاء السلام بصدق وأمانة وإحساس وشعور صادق مبني على المحبة والاحترام والتقدير ومعرفة مكانة كل واحد منا، فالمحبة نعلنها ونصرح بها أمامنا منفردين أو مجتمعين، فنحن اليوم بحاجة إلى هذه المشاعر التي تبني ولا تهدم، تطيب الخواطر وتصلح النفوس وتزيل الأحقاد والخصام والشحناء والبغضاء.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.