طباعة
sada-elarab.com/36243
المرأة في رمضان أكثر من يبذل المجهود لإستقبال هذا الشهر الفضيل.
ذكرني عرض محلات الحسين بإحدى ضواحي القاهرة لفانوس رمضان بقرب قدوم الشهر الفضيل واستعدادنا جميعاً رجالاً ونساءً و أطفالاً لاستقبال هذا الشهر المبارك، فالمناسبة بالإضافة إلى أنها مناسبة دينية رفيعة في قلوب ونفوس المسلمين، إلا أنها أيضاً مناسبة اجتماعية، وثقافية، وفرصة للتزاور وتبادل الأطباق بين الجيران، ودعوات للولائم فالأخوة في مصر يدعون أصدقائهم ومعارفهم وأهليهم إلى موائد الإفطار، بينما نحن في خليجنا العربي تكون الدعوة لتناول "الغبقة" وهي عادة تبدأ بقرب منتصف الليل، خصوصاً في بداية منتصف شهر رمضان، وأحسب ان المجالس أو ما يطلق عليه إخوتنا الكويتيون "بالديوانيات" بدأت تستعد لاستقبال زوارها وستبدأ جرائدنا المحلية بتوزيع جداول مجالس رمضان التي تبدأ من اليوم الأول؛ لتبادل التهاني والتبريكات بمناسبة شهر الخير والبركات إلى منتصف الشهر، ويكاد يكون شبه مستحيل أن تقوم بزيارة كل المجالس في هذه الفترة المحددة لكثرتها و تنوعها في المدن و القرى مع زحمة المرور فليعذرنا من لم نستطع زيارتهم والقيام بالواجب لهم، وأحسب أن ذلك هو لسان حال المواطنين،
فمن عادة مجتمعنا أن تقوم بزيارة أصحاب المجلس الذين قاموا بزيارتك لأن في ذلك تواصلاً اجتماعياً وواجب رد التحية بأحسن منها من الواجبات المؤكدة.
في مجتمعنا مجالس يومية، وبعضها أسبوعية وتواجد الناس فيها فرصة لرؤية الأصحاب والمعارف ولمن صرفتنا الحياة عن الإلتقاء بهم في مكان واحد؛ وبدأت تدخل على الخط مجالس للنساء أيضاً؛ والمرأة في رمضان أكاد أقول أنها أكثر من يبذل المجهود لإستقبال هذا الشهر الفضيل، فقلقها الدائم هو أن تقوم بواجب إعداد الفطور للعائلة وإذا كان زوجها من أصحاب المجالس، فهي في شغل دائم لتوفير مستلزمات الضيافة، وهو عبء لا تطيقه إلا المرأة مهما تبجحنا كرجال بالقدرة على احتماله، فمسؤوليتها جسيمة وتأخذها العزة بنفسها بأن لا تكون مقصرة تجاه الزوج وأصدقائه من الزوار فتجند نفسها، وتبدأ من اليوم الأول بالإعداد لهذا القادم الخير من أشهر السنة، ولا تترك صغيرة أو كبيرة إلا أحاطت بها، وتقوم بإعداد المستلزمات الغذائية وكل ما يجلب للأسرة السعادة والهناء، وكثير من نسائنا الفضليات لا يعتمدن على الخادمات في رمضان؛ فالمرأة الخبيرة بالطهو لا ترتاح إلا إذا أعدت بنفسها المائدة، وهذا شعور متأصل في المرأة البحرينية وإن طرأت على مجتمعنا ظاهرة الاستعانة بخدم المنازل إلا أن هذا الشهر له خصوصية فيما عداه من سائر أيام السنة ..
الأطفال يفرحون برمضان، وهو بالنسبة لهم تجربة واستعدادا ليكونوا مثل الكبار في القيام بواجب الصيام، كما يحلو لهم اللعب و الخروج ليلاً طبعاً هذا كان شعورنا نحن عندما كنا صغاراً قبل أن يأتي إلينا القادم الجديد من ثمرات الحضارة والتقدم، الهاتف النقال ووسائل التواصل الاجتماعي وإن كنا نستفيد من ذلك في تبادل التهاني والتفنن في تشكيلات بطاقات التهنئة.
نعم رمضان بهجة وأنوار ربانية، وأيام جميلة وليالي يحلو فيها السمر، وتتسابق القنوات الفضائية في عرض المسلسلات والمسابقات والبرامج المعدة خصيصاً لإمتاع المشاهد وحملات إعلانية غير مسبوقة تجتذب المشاهدين، وكنا نقول أيام الإعلام والتلفزيون:
"إنه في رمضان يكرم التلفزيون أو يهان" لان أنظار المشاهدين تتحلق حول الشاشة؛ خصوصاً فترة الإفطار وما بعده وحتى السهرات.
منذ العام 2011 م و أمتنا تعاني من مآسي مرت بها بعض بلداننا العربية ونحن في هذا الشهر أحوج ما نكون لتذكر أخوة لنا لا يحتفلون بمثل إحتفالنا لكن رمضان في قلوبهم جميعاً وحاجتهم لنا لمد يد العون لهم والدعاء لهم في قيامنا وصلواتنا بان يفرج الله كربتهم ويعودون لأوطانهم وبيوتهم التي اجبروا على النزوح منها لاجئين ومشردين، أن يعودوا سالمين آمنين، وتقديم العون لهم واجب على كل مسلم ومسلمة من خلال القنوات الشرعية وبما يضمن وصول ذلك لمن يحتاج إليها بصورة عاجلة ..
كل منا له ذكريات مع رمضان الكريم، ولا يخفى علينا إننا قطعاً نتذكر أولئك الذين رحلوا عن دنيانا وكان حضورهم يملأ علينا المكان في فطورنا و غبقاتنا وسحورنا، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته ...
أجواء رمضان أنوارها تشع على من حولنا، ولها بهجة وبريق لا تخطئه العين ولا يزيح عنه الخاطر، وأحسب أن من يعيش بيننا قد يدرك أهمية هذه المناسبة وما تزخر به من أنشطة على مدار الشهر.
وأتذكر أنه قام بزيارتنا أيام رمضان في العام 1997 م وفد من الصين برئاسة مدير عام الإذاعة والتلفزيون الصيني ودعوتهم على فطور رمضاني في منزلي، وشرحت لهم أن هذه الأطباق التي ترونها لا تقدم عندنا إلا في رمضان، مع بعض الأطباق التي هي عادة من قوت الناس اليومية، فكانت فرحتهم غامرة بأن يشاركونا الإفطار، وبعد ذلك أخذتهم إلى خيمة كان ابني ابراهيم وأصحابه قد نصبوها أمام منزلنا في الحديقة وكان الوقت شتاءً لنشرب مع بعض الشاي البحريني وليس الصيني، فكانت بالنسبة لهم تجربة سعدوا بها، وعندما زرتهم رداً على زيارتهم الرسمية أدركت أنهم حدثوا عن هذه المناسبة أصدقاءهم ومعارفهم وبدأنا الكلام معهم وإذا هم ينقلون إلينا بكل الفرح ذلك الإفطار الرمضاني الذي جربوه في البحرين.
يظل رمضان ذلك الشهر الذي يجمع الشمل ويوحد الصفوف وتشيع أنواره الربانية على القاصي والداني، ويؤلمنا كثيراً أن نكون بعيدين عن الوطن في رمضان، ندعو الله جلت قدرته أن يجمع شمل أمتنا ويوحد كلمتنا ويرص صفوفنا لما فيه خير أوطاننا ومواطنينا.
و على الخير و المحبة نلتقي
خليل الذوادي