طباعة
sada-elarab.com/130696
شاع مصطلح " الشرعية الثورية" أثناء ما أطلقت عليها – منذ يناير 2011 - ثورات الربيع العربي وهي في حقيقتها مؤامرات الخراب العربي المشؤمة ، وذلك في مقابل " الشرعية الدستورية " والأخيرة هي الطريق الطبيعي والآمن لسيادة دولة القانون بانتقال السلطة بانتخابات ديمقراطية يتولى من خلالها من يختاره الشعب لحكم البلاد ، في حين أن الشرعية الثورية – المزعومة - تفرض على المحكومين ما ثار من أجله بعض المارقين على القانون الذين ينشدون التغيير بالعنف والفتنة والتحريض والمؤامرة ، وما يصاحبها من رفض لكل شئ وأي شئ سوى القتل والدمار والخراب والهلاك.
وقد شهدت مصر في تاريخها المعاصر - قبل 25 يناير 2011 - ثورتان تجسدان تلك الشرعية الدستورية ، حين ثار الشعب عام 1919 – والتي نحتفل بمئويتها هذا العام - فكان دستور 1923 كأول وثيقة دستورية تجسد العلاقة بين الحاكم والمحكومين ، فتحققت ديمقرطية تعددية زاخرة في الحياة السياسية المصرية وازدهرت الثقافة والأدب والفنون وبرزت أسماء في سماء القانون أمثال سعد زغلول وعبد العزيز باشا فهمي وعبد الرزاق السنهوري ، ثم كانت ثورة 1952 ثورة بيضاء لم ترُق فيها نقطة دم واحدة ، أطلقها مجموعة من الضباط الأحرار المخلصين وقادوا شعب مصر العظيم لتغيير نظام الملكية إلى جمهورية دستورية ، وفقا لنصوص دستورية حاكمة ، فكانت حزمة قوانين إصلاحية لتحقيق العدالة الاجتماعية وظهر مصطلح القومية العربية ، وكان المجتمع بجميع طوائفه وفئاته يسعى لدولة قانونية تعلو فيها الوطنية وتتحقق من خلالها شرعية ثورته.
كان يمكن قبل تفاقم أحداث يناير 2011 أن تتحقق تلك الشرعية الدستورية ، حيث تشكلت في بدايات تلك الاحتجاجات لجنة لتعديل بعض مواد الدستور برئاسة قاضي القضاة رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار الدكتور سري محمود صيام ، وبدأت اللجنة بالفعل في الاستعداد لمهمتها تلك ، لعرض النصوص المقترحة منها للتعديل على استفتاء شعبي وفقا للإجراءات الدستورية ، وإذ بالأحداث تتفاقم يوما بعد يوم ، وكان ما كان ، ففقدت تلك الشرعية الدستورية ( شرعيتها ) وطغت على الساحة ( اللاشرعية الثورية ) ، وتكونت ميليشيات إرهاب فكري وتنظيمات تُزكي الصراعات والخلافات وتدعو للاضطراب والفوضى .
لقد كنتُ شاهد عيان على تلك الفترة من واقع انتدابي من القضاء مستشارا تشريعيا لمجلس الشعب – وقبل يناير 2011 بسنوات – وقد انتقلت سلطات مجلس الشعب إلى مجلس الوزراء وقتها ، فتشكلت أمانة فنية بمجلس الوزراء للشئون التشريعية والاتفاقيات الدولية - تشرفتُ برئاستها – وضمت نخبة من المسئولين في وزارات العدل والخارجية والداخلية والعمل والاستثمار وغيرها ، فضلا عن مستشاري مجلس الدولة والهيئات القضائية وخبراء متميزين في مجالاتهم ، كانت مهمتها التقعيد والتوطيد لفكرة الشرعية الدستورية ، وتوحيد جهات إعداد التشريعات ، فضلا عن اختصاصات إشرافية برلمانية أخرى ، ولكن الحالة الفوضوية السائدة حينها حالت دون استمرار تلك الأمانة لعملها ، فوؤدت في مهدها ، ما خلا بعض الجهود الحثيثة التي بدت بعض مظاهرها في تعديلات لبعض القوانين واقتراح للبعض الآخر وتفعيل الاتفاقيات الدولية الشارعة ، وإعادة تشكيل مجالس قومية ومؤسسات صحفية قومية.
وسوف يسجل التاريخ بحروف من نور ووطنية تلك الثورة الشعبية الحقيقية التي انطلقت – من أكثر من 30 مليون مصري – في 30 يونيو 2013 ، لتسقط نظاما فاشيا إقصائيا ، وتصوّب مسارات احتجاجات يناير 2011 ، وتقود مصر إلى طريق دولة القانون ، فكان دستور في يناير 2014 ، ثم انتخاب رئيس للجمهورية في يونيو 2014 ، واكتملت خارطة الطريق بانتخاب مجلس النواب في ديسمبر 2015.
وقد انتهجت تلك الثورة – وما زالت - مبدأ الشرعية الدستورية في مختلف مراحل خارطة طريقها ، وها هي تلك الشرعية الدستورية تترى وتتتابع فعالياتها فيما يُثار في الآونة الأخيرة من أصوات تدعو لتعديلات دستورية تنبع من دوافع وطنية بحتة ، وتطالب بذلك من خلال أدوات دستورية شرعية لا لبس فيها ولا غموض ، بل الكل في واحد ، والمصلحة الوطنية هي الأداء المتبع مهما كانت الاختلافات والنقاشات ، ليس من بينها غوغائية السبل لا تآمرية الاتجاهات ، وهو ما نأمل أن يسود ، فالطريق إلى دولة القانون هي الشرعية الدستورية وليست ( اللاشرعية الثورية ) .
وبالقانون .. تحيا مصر ،،