الشارع السياسي
زيارة ماكرون لمصر.. وإضافة جديدة لتعزيز العلاقات
الخميس 24/يناير/2019 - 01:17 م
طباعة
sada-elarab.com/130028
شهدت العلاقات "الفرنسية - المصرية" تناغما شديدا وترابطا قويا خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى السلطة، الأمر الذى جعل من العمل السياسى والدبلوماسى بين البلدين ركيزة مهمة من ركائز العلاقات الثنائية.
برز ذلك جليا من خلال زيارة وزير الاقتصاد والمالية الفرنسى، بروونو لمومير، حيث التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى، بعد لقائه مجموعة من ممثلى الشركات الفرنسية المقيمين فى البلاد.
وتأتى زيارة لمومير، فى إطار التحضير لزيارة سيقوم بها الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون إلى مصر، حيث أنه من المقرر أن يزور الرئيس الفرنسى، مصر فى السابع والعشرين من يناير الجارى، حيث تعد تلك الزيارة هى الأولى من نوعها التى يقوم بها ماكرون منذ توليه منصبه فى عام 2017 إلى القاهرة.
وتتزامن هذه الزيارة مع بداية العام الثقافى "فرنسا-مصر 2019" -والذى أطلق بقرار من رئيسى الدولتين - بمناسبة مرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس.
زيارات متبادلة
وتعد زيارة الرئيس ماكرون لمصر هى الزيارة الرئاسية السادسة بين البلدين خلال أربع سنوات، حيث كان الرئيس السابق فرانسوا اولاند، قد حل ضيفا شرفيا خلال حفل افتتاح قناة السويس الجديدة عام 2015 قبل أن يقوم بزيارة رسمية لمصر عام 2016.
بينما زار الرئيس عبد الفتاح السيسى باريس عامى 2014 و2017 ، فضلا عن مشاركته عام 2015 بقمة المناخ بباريس ممثلا للقارة الإفريقية، بالإضافة إلى لقاء جمع بين رئيسى الدولتين بنيويورك على هامش مشاركتهما فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014.
كما شهد البلدان خلال الأربع سنوات الماضية نحو 11 زيارة متبادلة بين وزراء الخارجية، وزيارتين متبادلتين على مستوى رئاسة الوزراء، بالإضافة إلى عشرات الزيارات للمسؤولين ووزراء الدفاع و الاقتصاد و المالية والتعليم والثقافة والفرانكفونية والتجارة والسياحة فى كلا البلدين.
وتتفق كل من مصر وفرنسا فى الرؤى والأهداف تجاه عدد من التحديات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها: مكافحة الإرهاب والأزمة الليبية والوضع فى سوريا ومنطقة الساحل والصحراء، والهجرة غير الشرعية وعملية السلام فى الشرق الأوسط وتنمية القارة الإفريقية، فضلا عن التعاون الوثيق فى مختلف المجالات.
وعن زيارة ماكرون، يقول الخبير الأمنى الدكتور خالد عكاشة رئيس المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية - فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن "زيارة رئيس دولة فرنسا لمصر دائما ما يكون لها قدر عال من الأهمية فى كلا البلدين"، موضحا أن لقاء القيادة السياسية المصرية مع نظيرتها الفرنسية قد اتخذ منذ العام 2014 شكلا متطورا من درجات الأهمية، فضلا عن حجم التعاون الذى أصبح على قدر عال جدا من التنسيق فى كثير من الملفات.
الرئيس السيسى وماكرون
واعتبر الخبير الأمنى، أن حرص الرئيس ماكرون على القدوم إلى مصر وإتمام الزيارة ولقاء الرئيس السيسى فى هذا الموعد على وجه التحديد، أى وسط ما تمر به فرنسا من اضطرابات يتابعها العالم يدل على أهمية الملفات المشتركة التى تعمل عليها كل من الدولة المصرية والفرنسية، مضيفا أن هناك الكثير لدى الرئيس الفرنسى للتباحث فيه مع الجانب المصرى والاستماع إلى رأى القيادة المصرية إزاء عدد من القضايا.
وأوضح الدكتور خالد عكاشة، أن من بين الملفات الملحة ذات الاهتمام المشترك التى تضفى أهمية خاصة على زيارة ماكرون لمصر هى رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، مذكرا بأن "الرئيس ماكرون قد قال وهو يعلن عن هذه الزيارة أنها تأتى تزامنا مع تولى مصر لرئاسة الاتحاد الإفريقى".
ولفت الخبير الأمنى إلى أن فرنسا لديها اهتمام كبير بالقارة السمراء لاسيما أن بها عددا كبيرا مما يطلق عليهم "الدول الفرانكوفونية"، وكذلك لديها مصالح كبيرة وممتدة فى أكثر من دولة إفريقية، وهذا يجعلها لديها الرغبة والطموح بل ربما تراهن أيضا على أن رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى ستحمل نقلة حقيقة كبيرة للقارة وللكثير من ملفاتها المعقدة والمتشابكة.
وأضاف أن عملية السلام فى الشرق الأوسط، ستكون كذلك إحدى القضايا الهامة فى المباحثات بين البلدين، موضحا أن فرنسا تنسق مع الجانب المصرى منذ سنوات فى عملية السلام ما بين فلسطين وإسرائيل، وأن المواقف متقاربة لحد كبير، وأنه بين حين وآخر تستمع فرنسا بإنصات شديد للتقديرات المصرية حول مسارات هذا الملف على وجه التحديد و تثمن الجهود المصرية فى هذا الشأن.
وتابع أن قضية الهجرة غير الشرعية ستكون كذلك محل بحث خلال هذه الزيارة، مشيرا إلى أن هناك درجة عالية من الإشادة بجهود الدولة المصرية فى مكافحة هذه الظاهرة ذات الطابع الإقليمى والدولى. وأضاف أن قضية الهجرة غير الشرعية تحتل مساحة اهتمام كبيرة للدول الأوروبية خاصة دول جنوب أوروبا أو شمال المتوسط، وفرنسا من أكثر هذه الدول تأثرا بهذه القضية ولذلك فهى تنسق العمل على هذا الملف مع الجانب المصرى بشكل كبير.
من جانبه، قال السفير منير زهران رئيس المجلس المصرى للشؤون الخارجية - فى تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن "مصر وفرنسا تربطهما علاقات طويلة وقديمة وكذلك مصالح مشتركة، وقد أخذت هذه العلاقة فى التطور إلى أن وصلت اليوم إلى مرحلة الازدهار فى مختلف المجلات".
ففى مجال الأمن والدفاع، نظرا لكون مصر شريكًا أساسيًا لفرنسا فى مكافحة الإرهاب، فقد شهد هذا المجال تعاونا وثيقا بين البلدين، وذكر السفير زهران أن مصر أبرمت مع فرنسا العديد من الصفقات العسكرية خلال السنوات الأربع الماضية تشمل توريد طرّادات وفرقاطة متعددة المهام وقذائف، وأربع وعشرين طائرة رافال، وكذلك سفينتى القيادة والانتشار من طراز مسترال اللتين كانتا مخصصتين لروسيا، ووسائل للاتصالات العسكرية، فضلا عن التعاون فى صيانة المعدات العسكرية والتدريبات المشتركة.
وفيما يتعلق بالتعليم والثقافة، لفت السفير منير زهران إلى وجود العديد من المدارس الفرانكوفونية بمصر وعدد من أقسام اللغة الفرنسية بالجامعات المصرية، بالإضافة إلى الجامعة الفرنسية بمصر.
وأعاد إلى الأذهان فى هذا الصدد البعثات العلمية والدراسية للمصريين إلى فرنسا منذ عهد محمد على و المستمرة حتى يومنا هذا، كاشفا عن أنه كان من ضمن المستفيدين من هذه البعثات حيث حصل على الدكتوراه من جامعة باريس، كما يتواجد بالقاهرة والإسكندرية المعهد الفرنسى الذى يقوم بتنسيق التعاون والنشاط الثقافى لفرنسا فى مصر ويقدم برامج تعليمية و ينظم الفعاليات الثقافية.
السيسى وماكرون
وشدد على أن هناك رابطا تاريخيا بين البلدين، مشيرا فى هذا الصدد إلى كتاب "وصف مصر" الذى تركته الحملة الفرنسية والذى يعد من أدق الكتب التى كتبت عن مصر وتاريخها وحضارتها، وتوجد منه نسخ فى العديد من مكتبات العالم، فضلا عن اكتشاف شامبليون لحجر رشيد الذى فك الرموز الخاصة باللغة الهيروغليفية.
وفيما يتعلق بالتجارة والاقتصاد، فأكد السفير منير زهران، أن العلاقات التجارية بين البلدين قد شهدت تطورا ملحوظا لاسيما فى السنوات الأخيرة، كما أن فرنسا تعد شريكا اقتصاديا من الدرجة الاولى حيث تأتى فى المراتب الأولى لقائمة المستثمرين فى مصر ولديها الكثير من الاستثمارات فى القطاعات الواعدة فى الاقتصاد المصرى مثل الصناعة والصناعة الزراعية والأجهزة الكهربائية والصيدلة والمحروقات والسياحة والبنية التحتية، وتساهم كذلك فى مشروعات التنمية الاقتصادية.
تبادل تجارى
وبحسب بيانات الخارجية الفرنسية، فقد سجّلت المبادلات التجارية بين فرنسا ومصر زيادة بنسبة 21،8 % فى عام 2017 لتبلغ 2.5 مليار يورو.
وقال السفير زهران، إن زيارة الرئيس ماكرون للقاهرة تأتى فى الوقت الذى تنطلق فيه مصر فى الإصلاح الاقتصادى، متوقعا أن تحمل هذه الزيارة مزيدا من الدفع للعلاقات الاقتصادية والتجارية، وأن يكون لفرنسا مشروعات هامة بالمنطقة الاقتصادية العالمية لقناة السويس.
ولفت رئيس المجلس المصرى للشؤون الخارجية كذلك، إلى تعاون البلدين فى منطقة البحر المتوسط والذى يعد نموذجا للتعاون فى هذه المنطقة التى تهم البلدين.
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس
وأشار إلى التشاور و التنسيق الدائم بين البلدين الصديقين فى مختلف المحافل الدولية وإلى قدرتهما على تحقيق الكثير إقليميا و دوليا، لا سيما وأن فرنسا عضو دائم فى مجلس الأمن وكذلك عضو هام ونشيط فى الاتحاد الأوروبى، بينما تعد مصر دولة رائدة عربيا وإفريقيا و تتولى رئاسة الاتحاد الإفريقى خلال عام 2019.
وقد أجمع المراقبون على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا لاسيما فى ضوء التحديات الجسيمة التى تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، وما يستطيعان القيام به معا بما يحقق مصالح الطرفين ويسهم فى إرساء قواعد السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا والعالم أجمع.