طباعة
sada-elarab.com/94564
عند بداية شهر شعبان الخير، تبدأ الاستعدادات للشهر الفضيل شهر رمضان المعظم، وكنا ونحن صغارا يكرر على مسامعنا الأجداد والآباء تلك القصة التي تحمل في طياتها العظة والعبرة، إذ أن رب البيت يكون في حالة استنفار غير مسبوقة لتلبية حاجات أم العيال استعدادا لإعداد وجبات الإفطار المعتبرة، وتهيئة الأطباق المتبادلة بين بيوت الجيران.. ولأن أحد الرجال عندما رزقه الله ببعض المال، فاجأ زوجته بشراء أصناف شتى من المأكولات قبل أن تعد له أم العيال القائمة التي اعتاد عليها. ولأن أم العيال لم يدر في خلدها أن يكون زوجها بمثل هذا الاستعداد المبكر فقد سألته مستغربة عن هذا الخير الذي جلبه معه، فتساءلت وجاء الجواب لها:
«هذا رزق رمضان» ولأن المؤمن عندما يرزق بشيء طيب يعتبر ذلك رزقا من الله سبحانه وتعالى أفاء عليه فلا يملك إلا الحمد والثناء، وكان الرجل صادقا عندما قال لزوجته «هذا رزق رمضان» فحمدت الله وأثنت على زوجها، ومن المصادفة أتى أحد معارف الرجل وطرق الباب وكان رب البيت قد ذهب في أمر آخر يخصه. ومن عادة أهل البيت عندما يطرق الباب أن يسألوا من الطارق، فلما سألت المرأة من الطارق قال لها: «أنا رمضان».
ولأن المرأة على نيتها فقد أخرجت كل ما جلب لها زوجها وقالت له: «هاك يا رمضان رزقك» ومن عادة وشيم العرب أن لا يردوا الكريم، فمضى الرجل «رمضان» بما أفاء الله عليه شاكرا هذا الكرم من صديقه وأهل بيته، فعندما جاء رب البيت قالت له زوجته: «جاء رمضان فأعطيته كل ما جلبته لنا» ولأن الرجل حكيما ويدرك أن سوء الفهم كان متحققا وواردا، ولأن عمل الخير أينما يذهب ولأي جهة ينصرف ففيه البركة والأجر والثواب..
فمضت هذه الحكاية وتناقلتها الأجيال جيل عن جيل، وهي لا تذكر في أدبياتنا إلا عندما تهل علينا بشائر الخير لاستقبال شهر رمضان الكريم، شهر الخير والعطاء والإحسان، شهر التواصل والمحبة والألفة..
نعم بدأت الاستعدادات لشهر رمضان الكريم 1439هـ 2018م وبدأت أم العيال تعد القائمة المطلوبة واللازمة، وفي وقت الحاضر تنظر الأسرة في المجلات المتخصصة والصفحات الإعلانية في الجرائد اليومية للعروض التي تقدمها المحلات التي تبيع المواد الغذائية للاستفادة من التخفيضات والتسهيلات فيتم الإقبال عليها وتمتلئ العربات المعدة لذلك بأصناف المأكولات، وبطبيعة الحال ما نراه بأم أعيننا نستنتج من أن ما تم شراؤه بالتأكيد سيفيض عن الحاجة إليه في شهر رمضان مهما أولمنا ومهما وزعنا على الجيران أطباق الخير ببركة الشهر الفضيل، لكنها عادة اقتناء الأشياء والخير عندما يفيض فله طرائق وسبل الإنفاق في الأوجه الصالحة بإذن الله..
عندما نشاهد مثل هذه المظاهر لابد لنا من تذكر حاجة بعض الأسر للمساعدة وضرورة مد يد العون لهم وإعطائهم من خيرات رمضان ما يسد النقص لديهم وممن حرموا لأسباب عديدة من أن يلبوا كل احتياجاتهم في هذا الشهر الفضيل وغيره من شهور السنة، والعبرة في رمضان بالإضافة إلى العبر الأخرى الكثيرة والتي لا تحصى هو إحساس الميسر بحاجة المعسر، وبحاجة الفقير إلى مساعدة الغني والمقتدر له، والحمد لله أن أهل الخير كثر وعطاؤهم لا يقف عند حد أو عند شهر من شهور السنة. وفي الحديث النبوي الشريف: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته».
كما لابد لنا من أن نتذكر وإن كنا لم ننس أخوة لنا قست عليهم الظروف والحياة فكانوا ضحايا أسباب سياسية ومؤامرات بغيضة فتركوا أوطانهم أو نزحوا لأماكن أكثر أمانا بعيدا عن أحيائهم ومقار سكنهم الطبيعي فأصبحوا أما في غربة وطن أو غربة أكثر إيلاما في المنافي والشتات.. وهذا الشهر العطاء فيه أوجب، والإحساس بالآخرين هو قمة الإحساس الوطني والإنساني.
ندعو الله للنازحين والمهجرين العودة إلى أوطانهم وأن ينعم الله علينا بالأمن والأمان وأن تزول عن أمتنا الغمة، وأن يسود الاستقرار والطمأنينة ربوع أوطاننا العربية والإسلامية ببركة هذا الشهر الفضيل..
سنظل نستقبل شهر رمضان بكل ما يليق بحرمته وقدسيته ومعانيه في التواصل والعطاء، والبذل والإحسان والخير العميم، وقراءة القرآن وأداء فرض الصلاة في المساجد والجوامع في صفوف متراصة جماعية تعبيرا عن ضرورة الوحدة والألفة بين البشر، فالصلاة عمود الدين.
لرمضان فرحة تجدها في كل بيت وفي كل حارة وفريج وزقاق، تجدها عند الكبير كما تجدها عند الصغير الذي يحاول على حد جهده تقليد الكبار في الصوم وإن كان التجاوز عن بعض مفطراته مقبولاً بغية تعويده على الصيام وتحمل الجوع والعطش.
صحيح أننا افتقدنا بعض ألعابنا الشعبية التي كنا نمارسها في ليالي رمضان، ولكننا نطمع في بعض أنديتنا الاجتماعية أن تعيد النظر في أنشطتها وتذكرنا ببعض ما نسيناه وبما يتناسب مع العصر الحديث، ستظل المجالس في المدن والقرى إن شاء الله عامرة بمرتاديها وسيظل واجب الزيارة في ليالي هذا الشهر الفضيل من الأمور التي يجب الحرص عليها وتعميقها، فالتواصل من شيم المجتمعات الآمنة المستقرة المحبة للخير والعطاء، والراغبة في المزيد من الإستقرار والأمن والدعة ويجب أن لا ننسى «هاك يا رمضان رزقك».
وعلى الخير والمحبة نلتقي