طباعة
sada-elarab.com/87957
أن تكتب بما تحس به، يملك عليك تفكيرك، يأخذك بعيداً، يعُيد إليك الذكريات، ربما تكون عبارة، أو كلمة أو موقفًا، وأحياناً تجهد في التفكير، تملك من الوقت الكثير، لكنك تصبح بعيداً عن موضوع يهم القارئ ويروي عطشه، ويخلق عنده حالة من التفاعل والتجاوب الفكري والشعوري.. تذكرت ذلك الموقف للمسن في بلادي الذي عندما ذهب لصناديق الانتخاب للمجلس النيابي وطلب منه إبراز جواز سفره للتأشير عليه، أخذ الجواز من جيبه وهو يفتخر به وأصابته نشوة الفرح ولم يملك إلا أن يُقبل الجواز البحريني وعيونه تذرف الدموع فرحاً، إذ أصبح هذا الجواز هو هويته وكينونته وعنوان كبير لانتمائه لوطن عزيز، ففرحنا كثيراً لهذا الشعور الوطني في إنسان بسيط، لكنه ملك علينا مشاعرنا وجعلنا نذرف دموع الفرح.. ونعتز بأن أمثاله في وطننا الكثير، لكنه كان عفوياً، صادقاً وأميناً مع نفسه ومع الآخرين، فكان يومها حديث الناس، والكل افتخر واعتز به وبموقفه الوطني الأصيل وبمعدنه الذي عرف عن أهل البحرين الأوفياء...
موقف صادفني يوم كنت في موقع آخر عندما بدأ الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني يومي الأربعاء 14 فبراير والخميس 15 فبراير2001م عندما توجهت جموع البحرينيين لقول «نعم للميثاق» واذا الابتسامة تعلو الوجوه والفرح عبرت عنه الحناجر، والتأم شمل الأسر البحرينية بمختلف مدنهم وقراهم وكان يوم فرح كبيرًا، خرج الجميع ليدلوا بصوت واحد من أجل الوطن، حاضره ومستقبله وجاءت نسبة التصويت 98.4% بنسبة غير مسبوقة، وكنت والزملاء في استديو البث المباشر لتليفزيون البحرين نعيش فرحة غامرة ونحن نعلن النتيجة بعد صدورها من الجهة الرسمية المكلفة بالاستفتاء ليعلم العالم كيف كان موقف أبناء الوطن الموحد تجاه وطنهم الذي عشقوه وتمسكوا به.
مع تكرار ذهاب البحرينيين بعد ذلك لانتخابات المجالس النيابية والمجالس البلدية تجد هذا الشعور لدى المواطن البحريني الذي آثر أن يكون صوته مؤثراً وفاعلاً في مسيرة الوطن الخيرة نحو البناء والنماء والديمقراطية، وهو مشهد سيتكرر إن شاء الله كل أربع سنوات ونحن قاب قوسين أو أدنى من انتخابات مقبلة للعام 2018م.
وأنا أتابع بدء انتخابات الرئاسة المصرية للعام الحالي 2018م، ولمدة أربع سنوات مقبلة، وما شهدته انتخابات المصريين بالخارج أيام 16، 17، 18 مارس 2018م ولبدء انتخابات المصريين في الداخل أيام 26، 27، 28 مارس 2018م أجد هذا الشعور والإحساس لدى المواطن المصري المعروف عنه حبه وتعلقه بالوطن، وتشبثه بترابه وإحساسه الرفيع بمصريته وغيرته على عروبته وأمته، فقد نقلت إلينا كاميرات التغطية التليفزيونية، وموجات الإذاعات المصرية نبض المصريين في الخارج وفرحتهم بالإدلاء بأصواتهم للرئيس الذي يحمل أمانة المسؤولية الوطنية لمصر ودورها الحضاري والإقتصادي والثقافي والتربوي والاجتماعي، وإذا بمشاهد تحتاج إلى رصد ومتابعة واتخاذها نماذج مشرفة لأبناء نذروا أنفسهم خدمة للوطن وأبنائه، وهو نفس الشعور عند المصريين في الداخل الذين بدت الأفراح بالعرس الانتخابي بارزة في ضواحي القاهرة والمدن المصرية الأخرى وفي المحافظات فأفراح الوطن تعم الناس وسوف نسمع ونرى قصصاً نعتز بها ونفخر ويتملكنا الشعور بالوطنية ومكانتها في قلوب أبناء الوطن الأوفياء، وهذه الانتخابات مؤشر لأهمية أن يُبدي المواطن رأياً في مستقبل بلاده وخيرها وتطورها ونموها وتقدمها، وفق الله مصر وقائدها وشعبها لبلوغ الأهداف والغايات، وتحيا مصر.. تحيا مصر.
ولقد كان لي شرف المشاركة والحضور في الانتخابات البرلمانية في المملكة الأردنية الهاشمية يوم أن ترأست بعثة وفد الجامعة العربية للانتخابات النيابية الأردنية التي جرت في 20سبتمبر 2016 م لاختيار مجلس النواب رقم 18 منذ إستقلال الأردن عام 1946م. ووجدت نفس الشعور عند المواطن الأردني الذي اتخذ من هذه الانتخابات عرساً وطنياً، فنصبت الخيام وأُلقيت المحاضرات وقام الناس بالتزاور في أحياء العاصمة الأردنية عمان، ومختلف المدن والمحافظات الأردنية.. فكان شعور المواطن بقيمة صوته يُعد مفخرة له ويحرص على الوفاء به.
إن الشعوب تعبر عن فرحها في كل مناسبة عزيزة يمر بها الوطن، ومهما بذلنا من جهود ومساعي فسنظل مدينين للوطن الذي يجمعنا ويلم شملنا، فالأوطان عزيزة على نفوسنا جميعاً في أي موقع نكون فيه أو في أي مسؤولية نتولاها. ولسنا بحاجة لأن نسأل أولئك الذين قست عليهم الحياة والظروف السياسية والمؤامرات البغيضة فحولت أوطانهم إلى غربة وشتات، وكيف هو شعورهم وقد نزحوا وتركوا منازلهم وذكرياتهم وكل ما يعز عليهم نجاة بأنفسهم وأهليهم وفلذات أكبادهم، إنه شعور مأساوي، نرجو من الله جلت قدرته أن يصبرهم وينصرهم ويُعيدهم إلى أوطانهم ومنازلهم ويزيل الغمة عنهم، ومسؤولية الحل لهؤلاء يستصرخها الضمير الإنساني، ونشعر بأن من واجبنا أن نُعيد الأمور إلى نصابها، فاستقرار أي وطن هو استقرار للوطن الآخر مهما قربت المسافة أو بعُدت.
إن صحوة الضمير الإنساني تثير فينا يومياً الشعور بالمسؤولية لكل مواطن تغرَب وأُبعد عن طنه، وستظل فلسطين وشعبها ماثلة في ضمائرنا وتفكيرنا وسعينا الدؤوب لنصرتها، وكذلك لكل شعب عربي ينشد الأمن والسلام والاستقرار.
إن الفرح في أي قطر عربي شعلة من الضياء الوهاج نسعى جميعاً لأن تكون متقدة تُنير الظلام، وتُشيع الضياء وتُدخل الطمأنينة في النفوس، وتزرع الأمل في مستقبل أفضل والعيش الكريم..
هنيئاً لمصــر وشعبها بالعُرس الانتخابي، فمصــر تستحق كل الخير، وشعبها المناضل الطيـب الساعي إلى البناء والنمـاء يستحق كل وقفة شريفة وطنية وقومية معه..
وعلى الخير والمحبة نلتقي