الاشراف والقبائل العربية
دور الهجرات العربية في تعريب المشرق الإسلامي ..
لقد كانت بلاد المشرق الفارسية والأعجمية والناطقة بغير
العربية والتي عرفت بعد دخول أهلها الإسلام باسم المشرق الإسلامي مسرحاً كبيراً
للفتوحات الإسلامية ، كانت الهجرات العربية تتدفق إلى تلك البلاد بدافع الجهاد في
سبيل أو بدافع نشر تعاليم الإسلام ، وقد فرضت الظروف على دعاة المسلمين وعلمائهم
أن يدرسوا اللغات التي يتكلم بها أبناء فارس وفى نفس الوقت بدأ أبناء تلك البلاد
يتواصلون مع الفاتحين ودعاة الإسلام عن طريق تعلم اللغة العربية ، وأتقنها الكثير
من أبناء هؤلاء وصارت لغة الكتابة والتعليم والتعلم ، وبدأت حركة التعريب التي
شملت الألفاظ والمصطلحات والأسماء وإدخال ألفاظ ليس بالعربية في لغة العرب فتعربت
الألفاظ والأسماء ، ورغم كثرة الأسماء الأعجمية في اللغات غير العربية إلا أننا
نلاحظ طغيان العربية على غيرها حتى أنك تجد ثلثي الفارسية والتركية ترجع إلى ألفاظ
وحروف ومعاني عربية .
لا يستطيع أحد أن ينكر أن أبناء القبائل العربية قد
وقفوا مشدوهين عند أعتاب الحضارات التي خلفاها الفرس واليونان والرومان ، وما من
سبيل إلى نقل تلك العلوم التي خلفتها تلك الشعوب إلا عن طريق الترجمة والتعريب ،
وقد وجدوا بدون شك كل تأييد من الحكام والخلفاء في ضرورة الإطلاع على تلك الفلسفات
وإن كانت تخالف في بعضها المعتقد الإسلامي إلا أن الإسلام لا يحجر على أحد أن يبدع
ويبتكر ما لم تكن معارضته معارضة صريحة لدين الإسلام ، وقد تقبل المعارضة ممن لا
يدين بالإسلام باعتباره مخالف ولكن من دان بالإسلام فلا يقبل منه سوى نقل ما يخالف
للعلم والإشهار بما يتفق مع القول المشهور " ناقل الكفر ليس بكافر " وقد تكون الترجمة في أول عهدها غير دقيقة
وذلك لغير الإلمام من جانب العربي أو المتعرب ، ولكنها كانت محاولات تحمد لهم ،
فقد أماطوا اللثام عن خفايا وأسرار الحضارات الأخرى والتي تأثرت بها حضارة أهل
الإسلام في السلوك والعادات والتقاليد ، في الحكم والرياسة ، في الطعام والملبس ، في
كافة أركان الحياة ، ولاشك أن أسلوب العرب في التفكير والكتابة العلمية قد تأثر
إلى حد كبير لا ينكره أحد في المجالات الأدبية ( نثراً وشعراً ) .
إن تعريب العلوم وجعل اللغة العربية لغة العلم ليس أمراً
هيناً ، فلم يكن هذا موكولاً إلى قوة العرب وسيطرتهم العلمية والفلسفية بقدر قوتهم
الروحية والتي يعتبر الإسلام مصدرها المباشر
، فضلاً عن كون الخلافة الناطقة بلغة العرب كانت مصدر قوة لتلك اللغة وأبنائها في
البلاد المفتوحة في المشرق الإسلامي ، كما أن العربية كانت لغة الدواوين والعلم
إلى زمن العباسيين ، وكانت المكافأة من الخلفاء على نشر حركة التعريب ثمينة جداً ،
الأمر الذي جعل اللغات الأخرى تتوارى أمام قوة المال وتأثيره لتقديم أعمال مترجمة
إلى العربية .
والسؤال الذي يلح الآن ، هل كان للعربية أن تنتشر وتنشط
لولا وجود هجرات عربية مقصودة إلى تلك البلاد وخاصة أن أي عربي مهما بلغ قدره كان
إذا هاجر إلى بلاد المشرق يجد الكثير من أقربائه وأعمامه هناك قد مهدوا له الطريق
تمهيداً فيجد هناك القصور والخدم ويحيى حياة الملوك والأمراء ، ولذلك تجد شرق ووسط
أسيا قد تعرضت لموجات من الهجرات البشرية تماثل أو تفوق ما شهدته بلاد المغرب الإسلامي
، والذي عرف فيما بعد باسم المغرب العربي ، وإذا وجدنا أن أغلب علماء التاريخ
وكتاب السنة النبوية ( كالبخاري - ومسلم - والترمذي - والنسائي - وابن ماجة - وغيرهم ) قد كان غالبيتهم من بلاد فارس وقد دونوا
كتبهم كلها أو جلها بالعربية فهذا لا يرجع إلى جدارتهم في إتقان العربية وحسب ، بل
يرجع إلى إصرار العرب النازحين إلى تلك الأصقاع على تعليم هؤلاء لغة القرآن .
الجدير بالذكر أن الهجرات العربية إلى بلاد خراسان
وسجستان وكرمان ومكران وغيرها من بلاد ما وراء النهر لم يكن هدفها في المبدأ
والمنتهى عسكرياً بحتاً ، بل ساهمت تلك الفتوحات بقدر ليس بالقليل على تعريف شعوب
الشرق على الآداب العربية المشبعة بالروح الإسلامية ودفعها دفعاً إلى أن تعلق بها
الشعوب الجديدة ولعلها قدمت إليهم خالية ولو قليلاً من السلوك القبلية العربية
الغير معهودة لديهم ، ومن ثم تعربت تلك البلاد في فترات وجيزة بل وانتمى أهلها إلى
القبائل العربية الفاتحة بالولاء الذي خلق جيلاً كبيراً وعظيماً عرف باسم " الموالى " وهؤلاء كان موالين بالحلف والتحموا بالعرب
كلحمة الدم بل أكثر من ذلك ، فقد كانت العقيدة الدينية هي مصدر هذا الولاء وهذا
الحلف ، كذلك انتمى العرب إلى البلدان التي هاجروا إليها ، فتجد الواحد منهم يقال
له " الخراساني " أو " الكرماني " أو " الطهراني " أو " الترمذي " أو النسائي " وهو يرجع في أصول إلى القبائل العربية ، فدل
هذا على لحمة الوصل والاتصال بين العرب والموالى .