طباعة
sada-elarab.com/80438
إنها المدرسة الإبتدائية التي يعود تأسيسها إلى عام 1935م، هي في أقصى غرب البحرين وتتوسط القرى المحيطة بها بدءا من باربار شرقا إلى البديع غربا، وتمتد خدماتها إلى القرى الأخرى كالجنبية والقرية والجسرة إلى الجنوب الغربي، وتخدم كل القرى في المرحلة الإبتدائية والتي كان يقبل الطالب فيها من عمر ست إلى سبع سنوات، كان الرابع الإبتدائي يومها هو المرحلة التي يتخرج منها الطالب إلى سوق العمل إلى أن امتد التعليم إلى الست سنوات للإبتدائي وثلاث للإعدادي وثلاث للثانوي.
كانت هذه المدرسة يفد إليها المعلمون من مدن وقرى البحرين المختلفة، كما كان من أعضاء هيئة التدريس فيها أساتذة مصريون، وفلسطينيون ولبنانيون وسوريون، وتقلد منصب إدارتها تربويون بحرينيون من المنامة كان من بينهم المربي الفاضل الأستاذ محمد صالح عبدالرزاق القحطاني الله يعطيه الصحة والعافية، والمربي الفاضل محمد المجرن رحمه الله إلى أن تقلد منصب المدير أحد أبناء قرية البديع المغفور به بإذن الله تعالي الأستاذ يعقوب بن عيسى بو حجي الذي تدرج في هذه المدرسة وكان يعرف كل طلبتها ويعرف أولياء أمورهم ومحل سكناهم.
ومن ذكريات المرحوم المربي الأستاذ منصور الشهابي من قرية الدراز، إنهم كانوا المدرسين والإداريين والساهرين على راحة الطلبة وتأمين مواظبتهم وإشعار أولياء الأمور بانتظام أبنائهم في الدراسة.
كانت هذه المدرسة التي لا زالت قائمة إلى اليوم بمثابة خلية نحل، خصوصا عند بدء اليوم الدراسي، حيث يفد الطلبة من كل القرى المحيطة بها إما مشيا على الأقدام أو امتطاء ظهور الحمير أو توفير حافلات للطلبة الأكثر بعدا، وكان المدرسون من المنامة العاصمة يأتون بحافلات خصصتها إدارة التربية والتعليم آنذاك لنقل المدرسين من سكنهم، وكان يتطلب منهم الخروج مبكرا فكانت حافلة المدرسين من بين وسائل المواصلات المميزة والتي تحظى برعاية خاصة من الطلبة بشكلها المميز، وياليت قد احتفظنا ببعضها في متحف البحرين الوطني أو متحف وزارة التربية والتعليم إذا كانت لديهم الفكرة في إنشاء مثل هذا النوع من المتاحف المتخصصة.
ومن حسن طالع مدرسة البديع الابتدائية للبنين أن تواجد من بين مواطني القرى المحيطة بها مدرسون من البديع وبنى جمرة والدراز إلى أن تخرج بعدها مدرسون من معظم قرى شارع البديع وعملوا في مدرسة البديع وغيرها من مدارس البحرين.
مدرسة البديع الابتدائية هي رمز الألفة والمحبة والتعاون وتبادل المعرفة والصداقة والشعور بالأسرة الواحدة في انتظام صفوف الدراسة وفي الأنشطة اللاصفية من خلال جمعيات أنشئت داخل المدرسة كجمعية المكتبة وجمعية العيادة الطبية وجمعية الإذاعة المدرسية، وأنشطة طلابية رياضية أثناء الدوام المدرسي وأثناء المسابقات التي تقيمها إدارة التربية والتعليم بين مدارس البحرين في المدن والقرى بعد الدوام المدرسي، وكان التنافس الرياضي يطبع مثل هذه الأنشطة وبرز من بين طلبة مدرسة البديع الإبتدائية للبنين رياضيون في كرة القدم والقفز العريض والقفز بالزانة، والسلة والهدف والجري وجري التتابع وكان النشاط الرياضي بعد الدوام المدرسي يلقى إقبالاً منقطع النظير من الطلبة أنفسهم ومن تفاعل المدرسين وتجاوب أولياء الأمور فكانت المدرسة بعد الدوام المدرسي من خلال هذه الأنشطة الرياضية مكان تجمع أولياء الأمور وشعورهم بأن هذه المدرسة ليست فقط لأبنائهم وإنما يجدون هم فيها سلوتهم وتجمعهم الإجتماعي وألفتهم مع بعضهم بعضا كأبناء القرى المتجاورة وكانت فرصة أيضا لإلتقائهم بالمدرسين والمربين، فكانت الصلة بينهم وثيقة ومعرفة لا غنى عنها في نجاح العملية التربوية والتعليمية وكانت عفوية التعاون بين البيت والمدرسة قائمة بطبيعتها وسجيتها من غير تأطير أو تنظير، كما كانت مدرسة البديع الإبتدائية شعلة من النشاط الاجتماعي الذي يشارك فيه جميع أبناء القرى التي يتعلم فيها أبناؤهم، وقد لعبت السينما المتنقلة من شركة النفط بابكو والتي كانت تطوف القرى والمدن والمدارس في عرض أفلام تبرز أنشطة الشركة الإجتماعية والرياضية وبعض الأنشطة الثقافية ويحضر عروض هذه السينما المتنقلة الطلبة وأولياء أمورهم.
ومن خلال مدرسة البديع الإبتدائية أقيمت علاقات صداقة ومعرفة وتزاور بين أبناء القرى وأولياء أمورهم وتشاركوا في الأفراح وتواسوا بالأحزان وكان ليس مستغربا عندما تشاهد من خلال الباص الخشبي الذي يطوف شارع البديع غربا إلى الشرق حيث المنامة العاصمة حيث التسوق وقضاء حاجات البيت، ليس مستغربا أن ترى هذه الألفة بين الركاب فمعرفة الأبناء من خلال مقاعد الدراسة إنعكست إيجابيا على العلاقة بين الآباء فتم التعارف، وإذا لم يكن التعارف فالألفة كانت متحققة لأن قضاء وقت في الباص وتكرار إستخدام هذه الوسيلة من المواصلات خلقت تعارفا وألفة بين ركاب هذه الحافلات، خصوصا وأن بين سواق هذه الحافلات مواطنون من قرى شارع البديع.
إن تجربة التعليم في بلادنا تعتبر مدرسة البديع الإبتدائية فيها نموذجًا لكنه ليس وحيدًا، فهناك مدارس في قرى البحرين ومدنها تحققت فيها مثل هذه العلاقة وهذه الحميمية وشواهد ذلك تحققت في التعليم الإبتدائي ومن ثم التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي حيث كانت منارات التعليم في مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق والمدرسة الثانوية بالمنامة ومدرسة الحورة الإعدادية الثانوية والمدرسة الغربية الإعدادية بالمنامة والمدرسة الصناعية الثانوية نماذج مشرفة من النسيج المجتمعي المتآلف والمتعاون والمتآزر والتي تذوب فيه الفوارق على أشكالها وأنواعها لتشكل نموذجا إجتماعيا تربويا وتعليميا فيه منعة وقوة هذا المجتمع، وهذه الروح إنعكست أيضا وتجلت بكل معانيها في مدارس البنات الإبتدائية والإعدادية والثانوية في القرى والمدن وكان مجتمع البحرين ولا يزال هو من ينسج هذا التعاون والتكاتف والتفاهم.. نعم جمعتنا المدارس في مختلف مراحلها ولكننها أيضا جمعتنا الوظائف والأعمال في الحكومة والقطاع الخاص وشركة النفط بابكو وقبلها جمعنا الغوص والبحث عن اللؤلؤ والأسفار وطلب الرزق، كما جمعتنا الأندية الرياضية والثقافية، وجمعنا الحراك المجتمعي النشط في مناسباتنا الدينية والوطنية والخاصة وتلاحمت وتقاربت قرانا وتداخلت حوارينا وفرجاننا في المنامة والمحرق والحد والرفاع، وتلاقت آمالنا وتطلعاتنا وحبنا لوطننا ورفعة شأنه وعلو مكانته والذود عنه والحرص على أمنه واستقراره وطمأنينة مواطنيه.