طباعة
sada-elarab.com/78727
ما علاقة البتيل بالعصيدة؟! للتوضيح فقط «البتيل» نوع من أنواع السفن التقليدية البحرينية التي كانت تمخر عباب البحر في خليجنا العربي و«العصيدة» نوع من أنواع الحلويات البحرينية التقليدية التراثية والتي غالباً ما تعمل في البيوت البحرينية في فصل الشتاء وتزيّنها قطع صغيرة من البيض مع حبات الهيل بشكل «إيدام» مما يعطيها نكهة وتشعر آكلها بالدفء، وهي عادة تقدم في الصباح الباكر.
ذكرني مجسّم البتيل الذي تفنّن في صنعه الفنان الحرفي جمال شاهين خلفان، وهو مجسّم يتوسط مجلس عائلة بن هندي المناعي في مدينة المحرق، حيث دأب سعادة السيد صالح بن عيسى بن هندي المناعي مستشار جلالة الملك المفدى لشؤون الشباب والرياضة على استقبال ضيوفه صباح كل يوم جمعة ويفد إليه أهالي المحرق وأصدقاؤه البحرينيون وزوارهم من خليجنا العربي وتقدم لهم العصيدة.
العصيدة التي يعتمد في عملها على الدقيق «الطحين» تحتاج إلى أيدٍ ماهرة لعملها ولذلك تتميز عصيدة عن عصيدة، أما البتيل فدقة الصنعة تحتاج إلى أيدٍ ماهرة لكي يتميز البتيل عن سواه من أنواع السفن التقليدية «كالبوم» و«الشوعي» و«الجالبوت» و«البقارة» ولكل نوع استخدام لدى رجال البحر الذين مارسوا الغوص على اللؤلؤ والتجارة وصيد السمك وقد تفنن البحرينيون في مدننا وقرانا بصناعة السفن التقليدية يشاركهم أبناء الخليج العربي الذين امتهنوا حرفة البحر وعندما نتكلم اليوم عن الصناعة التقليدية والحرفية ويتميز شبابنا بدقة الصنعة كما فعل «جمال شاهين» فإن هذا يدعونا للاهتمام بمجمل صناعاتنا التقليدية والتي ذكرها يوم السبت 30 ديسمبر 2017م الأستاذ مجدي بكري ياسين في محاضرة بمجلس الدوي بالمحرق بعنوان «الشباب البحريني وتحديات العمل المهني» بالتعاون مع جمعية المهن الشبابية وقدم لها وأدارها الناشط الاجتماعي أحمد عقاب والسيد نايف الزهراني ومراد العطري رئيس جمعية المهن، وكان الحديث عن أهمية الحرف التقليدية البحرينية وتعليمها لطلبتنا في المدارس الصناعية بالبحرين مع الأخذ بالتقنيات الحديثة في تناغم يحقق التكامل لا التنافر والإحلال وخلقت حواراً طيباً بين المحاضر ورواد مجلس الدوي الذي يتحفنا أسبوعياً بالمحاضرات القيمة التي تتنوع في تناولها لمواضيع شتى تذكرنا بمنتدياتنا الثقافية في مدننا وقرانا وتحديداً مدينة المحرق العريقة التي تميزت بإبداعاتها ورجالاتها الذين وضعوا بصمات واضحة في سماء ثقافة البحرين قديماً وحديثاً ومعاصرة.
ورغم كل الظروف المحيطة بنا خليجياً وعربياً وإقليمياً ودولياً إلا أن مملكة البحرين ولله الحمد لازالت تولي اهتماماً بالغاً لشؤون أمتها كما لا تنسى دورها الرائد في التنوير والثقافة والحوار الهادئ والإعلاء من شأن التراث وتقدير رجال الفكر والإبداع.
يزداد حنيننا طبعاً لمورثاتنا الاجتماعية والثقافية والحضارية، وبلاد شهدت في تاريخها القديم والحديث والمعاصر تعاقب الحضارات والثقافات لا شك أنها تعيش هذا التاريخ بكل جوارحها وكل آمالها وتطلعاتها وفي مناسبات كثيرة وفي أعيادنا الوطنية تحديداً نعيد إلى الأذهان «فن العرضة» الذي يؤديه الرجال، كما نشتاق إلى رؤية «المرادة» ولو من خلال التسجيل المرئي، وهو موروث تراثي نسائي تؤديه النساء في المناسبات المفرحة، كما نشتاق إلى الأكلات التراثية التي يزخر بها المطبخ البحريني والتي بدأ الاهتمام بها يتزايد وأصبحت هناك بيوت تتسابق في عمل أنواع الأطباق المنزلية بأيدٍ ماهرة.
ويوم الخميس 4 يناير 2018م شهدت مدينة المحرق وفي منطقة البسيتين الجديدة والمطلة على مدينة المنامة حفل زواج على الطريقة التقليدية وكان العريس هو «عبدالله بوزبون» ابن عاشق التراث السيد عبدالعزيز بوزبون على كريمة السيد عبدالله بن عبداللطيف الملا في تجمع ضم أهل العروسين والمدعوين من أهل البحرين والخليج العربي وذكرنا الموقف بأعراسنا وأفراحنا التي نقيمها في أحيائنا وبرايحنا ومنازلنا قبل أن نعرف صالات الفنادق المغلقة بحيث يفد إلى حفل الزواج كل الناس والمعارف والأصدقاء دون دعوات البطاقات المنمقة، وإنما تتم الدعوة وجهاً لوجه، أو بعد كل صلاة جامعة أو عن طريق التناقل شفاهياً واليوم استبدلنا كل ذلك بوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
وعلى الجانب الآخر ومن وحي الاهتمام بالتراث والثقافة والعمارة التقليدية في مملكة البحرين نظمت جمعية تاريخ وآثار البحرين ضمن موسمها الثقافي محاضرة للأستاذ جميل الناصر المحاضر الذي نال جائزة جينيس الدولية في الخطابة لمحاضرة زادت على 66 ساعة متواصلة دون انقطاع وذلك يوم الأربعاء 3 يناير 2018م، وكان موضوع محاضرته عن البيوت البحرينية التقليدية وطوّف بنا من خلال ساعة من الزمن بنماذج من البيوت المتعددة والمتنوعة الأغراض والأهداف في مدننا وقرانا مبرزاً دور الإنسان البحريني في الإستفادة من المواد الأولية التي تتميز بها أرض البحرين وبما يتناسب مع ظروفه وبيئته ومحيطه الاجتماعي وموروثه الثقافي والحضاري وهي نماذج في غاية الروعة والدقة والإتقان والتميز مما يعود بنا إلى الحنين لكل ما كانت تحمله هذه البيوت من ذكريات وشخوص كان لها تأثيرها البالغ في حضارة وثقافة البحرين وأهلها وكان إشعاعها على من حولها، أخذت منه وأضافت إليه الشيء الكثير.
تظل الثقافة والحضارة الملهمة للشعوب المتطلعة إلى الغد الأفضل والمشرأبه أعناقها للخير والسلام والأمن والطمأنينة والإستقرار والبناء والتعمير لخير الوطن والمواطنين.
وعلى الخير والمحبة نلتقي