طباعة
sada-elarab.com/750741
مدينة الحد العريقة عرفنا من عادات أهلها التواصل فيما بينهم، وتقدير الجيرة، واحترام المكونات الاجتماعية بتقاليد الفرجان وتعاونهم في سبيل تأكيد اللُحمة الوطنية المنشودة.
تمثل ذلك في المساجد والجوامع التي تمتاز بعددها في مدينة هي من أعرق المدن العربية، صغيرة لكنها كبيرة في كل معانيها وقيمها، كما كانت «الزمة» وهي عين ماء في حديقة بالقرب من مقبرة الحد يؤمها أبناء الحد لقضاء أوقات طيبة، خصوصًا في فصل الصيف، وكان مستشفى الحد وهو المركز الصحي الذي شهد الكثير من الولادات لأمهات الحد الفضليات، بالإضافة إلى قيامه بالعلاجات اليومية، وشهدنا القابلات الممرضات وممن اشتهرن بقدرتهن وحبهن لأمهات الحد الفضليات كالممرضة عائشة الزياني أم عبدالعزيز -يرحمها الله- التي كانت بمثابة الأم لكثير من أبناء وبنات الحد في أعمارهم المختلفة، وكان هذا المستشفى يخدم أيضًا المترددين عليه من أبناء قلالي والقرى المجاورة، كذلك امتازت الحد بمدارسها للبنين والبنات كمدرسة الحد الجنوبية للبنين، بالإضافة إلى أسواقها المتعددة والدكاكين وبياع الحلوى «سليمان» إلى أسماء تشرفنا بهم كانوا بمثابة التجار ورجال الأعمال ورجال الغوص وتجار اللؤلؤ في مدينة الحد على مر العصور.
كانت المرحومة -بإذن الله تعالى- حصة بنت محمد البدر من بنات الحد الفضليات، وكان بيتهم لا يخلو من الضيوف والزوار سواء كانوا من الحد أو من مدن وقرى البحرين المتعددة، وكانت والدتها -يرحمها الله- بمثابة الأم للجميع، وكان بيت محمد البدر مفتوحًا للزوار من كل مكان، وكان بيتًا كبيرًا كبيوت رجال المجتمع في مدينة الحد العريقة، وكان أن قدر الله لي أن تكون أم حصة من مرضعاتي الفضليات بمدينة الحد بعد وفاة والدتي -يرحمها الله- مريم بنت حسن، بالإضافة إلى إخواني وخواتي من الرضاع...
والحمد لله أن جيل الأمهات من الرضاعة كن يفخرن بإرضاع الأولاد والبنات من مدينة الحد، وكنَّ يعتبرن إن أهل الحد هم أخوة أو خوات من الرضاع، ففي العصر كان عندهن المكان المفضل لتجمع أمهات الحي كل يوم خاصة في البيوت الكبيرة والتي يوجد بها مكان ملائم لفترة في العصر...
الحد المدينة النموذج في البحرين كانت ابنة الحد المرحومة حصة بنت محمد البدر تفخر وتعتز بأنها أصبحت أختًا لي من الرضاع وكذلك كنت أنا أفخر وأعتز بهذا الشرف الرفيع، وعندما بدأنا نعي كانت الأمهات والآباء، يذكروننا بأخواتنا وأخواننا من الرضاع، وهذا بالضرورة يمتد إلى الأعمام والخوال من الرضاع، فليس بغريب عن مجتمعاتنا في مدن وقرى البحرين هذا السلوك السوي بين أفراد مجتمع المدينة أو القرية، وكانت مدينة الحد النموذج الذي يعلمه الجميع، فظروف تقارب البيوت جعل من القلوب ولله الحمد مجتمعة على الخير والصلاح.
ابنة الحد أختي من الرضاع حصة البدر عندها من الأولاد والبنات ما نفخر بهم ونعتز جمال ودينا، وحمد ونوره وهم ولله الحمد نعم الأبناء والبنات، كان قد أبلغني وفاتها يرحمها الله زوجها الأخ والصديق عبدالله بن يوسف الجميري الذي طالما نقل لي تحيات وتمنيات أختي المرحومة من الرضاع «حصة البدر»، فقد كانت يرحمها الله الودودة التي تعتز بأخواتها وأخوانها من الرضاع، وتسأل عنهم وتزورهم قبل أن يقعدها المرض، وكنت قد تشرفت بزيارتها هي وزوجها عبدالله في مدينة القاهرة، وكانت فرصة للحديث عن مدينة الحد ومجتمعها الآمن المستقر، وتكررت زيارتنا في البحرين، وكانت الواصلة والمؤمنة بصلة الأرحام والوفية المخلصة لزوجها والساعية لتحمل أعباء الحياة مع زوجها عبدالله الجميري بو حمد الذي يبادلها حبًا بحب وتحمل الكثير أثناء مرضها يرحمها الله، ولطالما تتبعت أخباره وأخبارها من إخوانه أحمد، وعلي، ومحمد أبناء يوسف الجميري، وهذه هي عادات أبناء البحرين في التواصل وتأكيد اللُحمة المجتمعية التي هي أحد عناصر الوحدة الوطنية ولله الحمد.
تظل العلاقة الزوجية كرباطٍ مقدسٍ بين الزوجين وأسرتهما عناصر قوة ومنعة علينا المحافظة عليها وتأكيدها وترسيخها ففيها عناصر لحمة المجتمع وبناء المجتمعات بما يعود على الجميع بالخير.
رحمكِ الله وأسكنك فسيح جناته أختي من الرضاع حصة بنت محمد البدر، مثواكِ الجنة ورضوان النعيم فقد وفيت وكفيت، وكنتِ مع زوجك الحنون عبدالله بن يوسف الجميري عنوان ورمز التواصل المجتمعي المطلوب والمقدر، الله يصبر أخانا عبدالله بن يوسف الجميري، ونعلم أن الفراق صعب ولكن العزاء أن حصة كانت تقدر زوجها وتنزله المنزلة اللائقة به وتحنو على مجتمعها وترأف بذريتها وتساعد نساء مجتمعها على التعاون والتكاتف الأسري.
ستظل حصة بنت محمد البدر عنوانًا للتكاتف المجتمعي وتقديرًا للعلاقات الاجتماعية والأسرية فيما بين أفراد مجتمعنا البحريني.
أدام الله الوصل فيما بيننا وبلغنا الاستفادة من تجارب من سبقونا في التكاتف والتعاون والتآزر لما فيه الخير للجميع.
وعلى الخير والمحبة نلتقي