طباعة
sada-elarab.com/736014
معذرة أعزائي القراء لأعود بكم إلى أيام الطفولة، بعد مُضي سبع سنوات من العمر لنلتحق أنا والزملاء بالمدرسة الابتدائية، وكانت البداية بمدرسة الحد الابتدائية الجنوبية للبنين بمدينة الحد، وكان لباسنا بالزي التقليدي المدرسي الذي قلدنا فيه مدارس مصر في أيام زمان، إلا أن الأمر لم يدم بي طويلاً حتى انتقلت إلى مدرسة البديع الابتدائية للبنين وكان لباسنا عاديًا كبقية الطلبة، ويبدو أن لباس المدن مختلف يومها عن لباس القرى، ولكن المناهج والحمد لله واحدة، فالكتب كلها مناهج تربوية مصرية في القراءة والحساب والمطالعة، وكان الأساتذة خليط من البحرين ومصر وفلسطين من أهالي غزة ولبنان وسوريا، والشهادة الابتدائية كانت تعني الكثير، فيمكن المواصلة إلى الإعدادي والثانوي، ويمكن الالتحاق بأي وظيفة تتطلب القراءة والكتابة، وقبل جيلنا كان خريجو الرابع الابتدائي يستطيعون أن يلتحقوا بالتدريس، إلى أن تشعبت المهن وتطلب ذلك مواصلة التعليم إلى مراحل متقدمة حتى يحصل الخريج على وظيفة معتبرة يساعد فيها أسرته على تحمل تبعات الحياة والمصاريف التي تساعد الوالد على شراء الحاجات الضرورية.
أجمل ما في هذه السن من التعليم الالتقاء بالزملاء من قرى البحرين المختلفة؛ خصوصًا أن مدرسة البديع الابتدائية للبنين كانت هي المدرسة الوحيدة في المنطقة الغربية من البحرين بعد جدحفص والسنابس، وكانت تضم ما بعدها من قرى.. كان الرجوع إلى المدرسة بعد عطلة الصيف يمثل بالنسبة لنا فرصة لا تُقدر بثمن، ولكنها كانت على أولياء الأمور عبئًا إضافيًا لا بد من تحمله والسعي إلى توفير كل أسباب الراحة لأطفالهم والسعادة في العودة إلى المدارس.
كل مرحلة من التعليم في ذلك الوقت لها متطلباتها، وكانت المدرسة بالنسبة للطلبة مكانًا آمنًا ومجالاً لممارسة هواية الرياضة وتكوين صداقات جديدة، والتفكير في الرحلات المدرسية بما فيها من متعة وفرحة بعد قضاء أوقات بانتظار عطلة نصف السنة لنسترد طاقتنا الإبداعية...
كان التدريس في حصصه المختلفة يزيدنا علمًا ومعرفة ونكتشف فيه مواهبنا فالبعض متميز في الحساب أو ما يسمى بعلوم الرياضيات، والبعض يتميز بالتعبير والإنشاء، والبعض يتميز بالرياضة ومختلف الألعاب ومنها كرة القدم والسلة والطائرة والهدف والجري والقفز العريض والقفز بالزانة، والبعض يتميز بالغياب وإيراد الأعذار التي لا تنطلي على المشرف بالمدرسة، فينال العقاب اللازم وتعهد ولي الأمر بأن لا يعود الطالب إلى هذا الغياب المتكرر. حتى إذا جاء الانتقال إلى المدرسة الإعدادية اختلف الأمر قليلاً، فقد كنا نحن أبناء القرى لكي ندرس في مدرسة الحورة الإعدادية أو الغربية الإعدادية فإننا نستقل الحافلات التي توفرها إدارة التربية والتعليم لنقلنا من قرانا إلى مدينة المنامة، وكذلك الحال لبعض المدن والقرى الأخرى التي لا توجد فيها مدارس إعدادية، ويستمر الوضع إلى مرحلة الدراسة الثانوية.. إنها قصص وحكايات أشكر أخي العزيز سعادة الدكتور عبدالله بن يوسف المطوع وكيل وزارة التربية والتعليم الأسبق في إيراد بعض القصص الجميلة عن التربية والتعليم في مدارس مملكة البحرين وإلقاء الضوء على كوكبة من المدرسين والمدرسات الكفوئين الذين بذلوا الكثير من أجل تعليمنا، وكانوا حريصين على مستقبل التعليم في بلادنا وتهيئة الخريجين من الثانوية العامة للالتحاق بجامعة بيروت الأمريكية أو جامعات جمهورية مصر العربية وجامعات العراق وجامعات سوريا، وأخيرًا جامعات المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية ودولة الكويت وسلطنة عُمان وجامعات دولة الإمارات العربية المتحدة ومنها جامعة العين.
كانت العطلة الصيفية في مملكة البحرين بمنزلة ملتقى لجميع الطلاب من الداخل والخارج وتبادل الحكايات والتجارب لتهيئة الطلاب الجدد للالتحاق بالجامعات التي يريدون التخصص فيها لمستقبلهم ومستقبل بلادهم، وكان سوق المنامة والمقاهي فيها مكانًا لتبادل الأحاديث والتجارب التعليمية، وكأن الناس يعرفوا بعضهم بعضًا مهما تغيرت مدنهم وقراهم فالعلم يجمع أبناء المجتمع لما فيه الخير لهم ولوطنهم.. أتمنى أن تكون هذه الروح التي كانت سائدة في زماننا يكون لها تأثيرها الإيجابي في أجيالنا اللاحقة، فالعلم نور والرجوع إلى المدارس والجامعات يمكن أن نصفه اما أحلى الرجوع إليهب كما هو الموروث الغنائي من غناء الفنانة نجاة الصغيرة والحان الموسيقار محمد عبدالوهاب وكلمات الشاعر نزار قباني.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..