طباعة
sada-elarab.com/735358
من أمثالنا الشعبية أو قل أقوال الأقدمين في بلادنا «يا ريت قلبي قلب ياهل» والياهل كانت تطلق على الصبي الذي لم يبلغ الحلم بعد، وكذلك على الفتاة وفي اللغة الياهل هو الجاهل ببواطن الأمور فبعض دول الخليج العربي يقلبون الجيم إلى ياء وليس في ذلك تحقيرًا أو تقليلاً من شأن الطفل أو الطفولة، بل كانوا يقصدون والله أعلم البراءة في تفكير وعقل وتصرف الطفل، وكل ما يأتي به مقبولاً شريطة أن نتحلى بالصبر والتوجيه السليم لكي يشب على تعاليم المجتمع، ويتقيد بالقيم السمحة التي تجلب له ولأسرته وأصدقائه الخير، فالطفل في زمن مضى غير طفل اليوم الذي تعرض لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بما فيها من غث وسمين، ومن الأهداف يسعى البعض للإساءة المقصودة لبراءة الأطفال وتعليمهم قيمًا لم نعهدها في زمان الطفولة البريئة.
كان الطفل عندنا تفكيره في محيطه الأسري وبين أقرانه من الأطفال بدءًا من التربية المنزلية ثم الحضانة ورياض الأطفال إلى المدرسة الإبتدائية بمراحلها المتعددة، واليوم مع كل هذه التقسيمات التربوية والتعليمية فإن الأطفال يتعرضون إلى إدمان من نوع آخر، وهو الدخول إلى مواقع يتيحها جهاز التلفون أو الأيباد الخطير، فلم نقوَ ونحن من جيل على فهم أو إدراك ما يبث من معلومات وسموم يتعرض لها الطفل في براءته الأولى، كان الله في عونهم وعون أسرهم وعون المجتمع فيما بعد.
نعود إلى أصل هذا المثل، فالرجل والمرأة عندنا في ذلك الوقت كانوا يتحملون الكثير من أجل الحياة الكريمة والعيش الرغيد، فكان همهم أن يوفروا لأسرهم ومن يتولون رعايته والسهر على مصالحه وكان همهم أن يحافظوا على صحتهم حتى يعيش الجميع في خير وأمن وأمان، فكان كما يقولون «نحاتي»، أي نقلق على مصير أطفالنا وهم من عمر صغير إلى أعمار متقدمة، بينما الطفل في أيامنا لا يفكر بما يفكر به الأقدمون، فكانوا يحسدون الطفل على قلبه الذي يعتبرونه مصدر كل تصرف، بما في ذلك العقل الذي لا يدرك الطفل أبعاد كل تصرف على حده، وإن كان ذلك يؤكد أن الطفولة هي مصدر تخزين لمعلومات تفيد في المستقبل لتنمية قدراته ونفسه وإمكاناته لخدمة المجتمع الذي يعيش فيه.
نحن نحتاج في زماننا إلى أن نغير في أسلوب حياتنا فنتحمل المسؤولية كاملة، وأن نجلس مع الأطفال ونتحدث لهم عن المستقبل وكيف يواجهون الحياة بكل جرأة واقتدار.
أتذكر ونحن أطفال كيف كنا نتحلق في الليالي حول الأمهات والجدات وهم يرون علينا القصص والحكايات وكنا نسيمها «الحزاوي»، أي قصص قد لا تكون واقعية ولكنها تتضمن الحكمة والقول المأثور، والتصرف الحكيم، وكانت هذه الأحاديث الهدف منها التوعية والاستفادة من المواقف للمستقبل وفيها حكمة وتجربة حياة عملية.
وكما هو معروف أن القصص في تراثنا وقيمنا الدينية والاجتماعية الهدف منها العظة والعبرة من خلال تجربة حياتية أبطالها أصحاب حكمة ورجاحة عقل وفطنة، وخيرًا فعلت بعض مسلسلاتنا الإذاعية والتلفزيونية في إبراز مثل هذه الحكايات وبطبيعة الحال الإعلام المرئي ساهم كثيرًا في تقريب المفاهيم.
ومن هنا فالأمر يتطلب من مبدعينا في مجال الدراما الإذاعية والتلفزيونية أن يعوا دورهم في إبراز قيم مجتمعنا ومواقفنا الإنسانية تجاه مجتمعنا ومجتمعات الأشقاء والأصدقاء في أوطاننا العربية والإسلامية، وكتاب الدراما كانوا ولله الحمد خير معبر عن مثل هذه القيم، وإن كان البعض قد حاد عن الطريق، «فلكل قاعدة شواذ» كما يقال.
سنظل نحلم بمجتمع آمن ومستقر يلعب كل منا الدور المأمول منه ويسهم في تطوير وبناء المجتمع، فنحن بحاجة إلى بعضنا بعضًا.
سنتحمل الكثير كما تحمل الأجداد والآباء الشيء الكثير، وكانوا واثقين من قدرتهم على البذل والعطاء من أجل مجتمع آمن ومستقر.
وما أجمل الأمن والاستقرار والتعاون المنقطع النظير من أجل الخير للجميع، ونحن نشهد في أيامنا هذه المآسي وعدم الاستقرار والتشرد والهجرة المجبرين عليها بعض الشعوب بالإكراه، وفراق الدار والوطن ليس سهلاً فالمرء عزيز في داره وبين أهله... ندعو الله جلت قدرته أن يكشف الهم والحزن والمآسي عن أشقائنا العرب في كل مكان والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فالخير فيما اختاره الله سبحانه وتعالى.
ما زلت أتذكر أنه عندما نطلب حاجة إلى منزلنا رأيناها في منزل جيراننا وأصدقائنا ويتعذر الوالد عن الإتيان بمثلها وهو لا يقطع الأمل، ويقول لنا بكل صراحة: «إن شاء الله نجيب حاجة أحسن منها لكم، فأنتم تستأهلون كل الخير، وعليكم بالصبر».
فعلاً ما أحوجنا إلى الصبر وتحمل مشاق الدنيا ومنغصاتها، وأن نعمل موحدين متكاتفين من أجل خير مجتمعنا وخير من يعيشون بيننا، وأتخيل أننا وإلى اليوم عندما نمر بظروف صعبة ونتأمل ما حولنا نصاب أحيانًا بإحباط ويأس، وندعو الله جلت قدرته أن يفرج عنا هذا الهم ويزيح عنا الكرب، ولا مانع من قولنا: «يا ريت قلبي قلب ياهل».
وعلى الخير والمحبة نلتقي..