الاشراف والقبائل العربية
القبائل العربية ونشرها اللغة في البلاد
لعبت القبائل العربية دورا كبيراً في نشر اللغة العربية
إبان الفتوحات الإسلامية ، ولعل هذه الظاهرة لم تكن مقصودة في ذاتها ، بل استطاعت
القبائل العربية أن تنشر اللغة بلهجاتها المحلية التي قد لا تخرج عن نطاق القبيلة
نفسها ، ولم يكن لمجرد أن قام العرب المسلمون بفتح هذه الأقطار في الشرق والغرب
فتعربت تلك البلاد ، بل هناك من الأقطار من تمسك بلغته واعتبر ذهاب لغته نوعاً من
الغلبة التي حققها المسلمون في خضم الفتوحات ، وعلى الرغم أنه قد ما يعرف
بالاحتكاكات اللغوية والصراع بين لغة القطر وبين لغة الدين ، ومن هذا المنطلق ظهرت
الشعوبية التي تمثل نوعاً من الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي بين السكان
الوافدين والسكان المحليين .
ولا يظنن أحد أن مصر عندما فتحا العرب صارت عربية ، رغم
كثرة وفود القبائل العربية وبنائها لكثير من الخطط واستحداث مدن بأسمائها ، ولكن
ظلت العربية زمناً طويلاً تغزو البلاد ببطء شديد يفوق بطئ التحركات القبلية فى
مختلف الأصقاع ، فظلت مصر طوال عصر الخلفاء الراشدين لا تعرف إلا البصيص من لغة
العرب ، ومع أن عبد الملك بن مروان قد عرب الدواوين إلا أن هذا لم يكن إلا سبباً
لبدء نشر اللغة بين المصريين وغيرها من البلاد التي كانت خاضعة لبنى أمية ، وهناك
من يقول بأن العربية لم تعرف طريقها إلى مصر إلا في بداية القرن الثالث الهجري .
ولما كانت الثقافة الإسلامية أقوى في النفوس بسبب عامل
الدين بدأت الثقافات اللاتينية والإغريقية والرومانية تأخذ في الانزواء قليلاً
بعيداً عن الأضواء حتى لم يعد لها أي أثر في النفوس التي دخلت الإسلام مع مطلع
القرن الثاني والثالث الهجريين .
وفى بلاد المغرب انزوت لغة العلم أو لغة الثقافة ، لأن
التعريب لم يكن يستهدف اللغات المحلية ـ الأمازيغية ـ أو الرطانات المحلية ، ولأن
المغرب الإسلامي تعرب بعد فترة طويلة من الزمن ، حتى بعد الفتوحات الإسلامية ، فقد
كانت لغة العلم والثقافة والكتابة في تلك البلاد هي اللغة اللاتينية ، بينما لغة
الخطاب المحلية هي الأمازيغية .
لم يكن سهلاً على الولاة المسلمين أن يصرفوا أهل البلاد
عن لغاتهم المحلية أو أن يقنعوهم على الانصراف على تعلم العربية وترك لغاتهم
المحلية على الرغم من قوة الفتوحات في أول الأمر ، ولكن تعاليم الإسلام نفسها كانت تتطلب ولو
بصيصاً من قواعد العربية لفهم القرآن وتدبر السنة النبوية ، فقد أصبحت اللغة لدى
تلك الشعوب المفتوحة ديناً ، ولا مجال للتفكير في الغلبة أو المغالبة ، بمعنى أن
الشعوب التي دخلت في الإسلام لم تعد تعتبر اللغة العربية لغة أقوام غزاة ينبغي
مدافعتها ، بل إنهم صاروا رويداً رويداً دعاة لهذا الدين ومعلمين لهذه اللغة ، وما
لبث أن صارت بعض المدن التي بناها الفاتحون ـ مثل مدن تونس
وتاهرت وسجلماسة وفاس ونكور ـ قبلة لتعلم تلك اللغة مباشرة من
هؤلاء العرب القادمين .
كان وجه الشبه في العادات والتقاليد بين القبائل العربية
الفاتحة وبين السكان المحليين قريباً ، الأمر الذي سمح ولو إلى حد قليل إلى
الاندماج مع هؤلاء السكان ، ومن ثم فقد أتيح لهم أن يكتسبوا اللغة عن طريق
الاحتكاك مع هؤلاء العرب .
ولا ينبغي أن ننسى دور المساجد والكتاتيب والجوامع في
نشر اللغة ، والمساجد لا تعمل بذاتها ولكن نظراً لوجود الأئمة والدعاة العرب الذين
يعلمون الناس شعائر الإسلام .
وفى العصر الفاطمي عندما أمر الوزير اليازورى بتغريبة
بنى هلال وبني سليم إلى بلاد المغرب لهدم ملك المعز بن باديس ، وخرجت جحافل بنى
هلال وسليم في صورة موجات بشرية مدمرة ، فخرجوا إلى بلاد المغرب فيما يعرف
تاريخياً بتغريبة بنى هلال ، وقد اعتبر الباحثون أن تغريبة بنى هلال على الرغم
أنها أضرت بحضارة بلاد المغرب لأنهم جعلوا عاليها سافلها إلا أنهم كانوا السبب
المباشر في تعريب بلاد المغرب في دفعة قوية ، مع أن تلك القبائل خرجت في شكل استعماري
إرهابي لا مثيل له ، وكانوا على قدر كبير من الجهل والأمية ، ولكن كان هناك تأثير
كبير لتلك القبائل في التعريب المباشر .
الجدير بالذكر أن موجات الهجرات العربية طوال القرون
الخمسة الأولى من تاريخ الهجرة كان لها أكبر الأثر في نشر اللغة العربية .
ولما انتشرت القبائل العربية في الحدود الشرقية لمصر
والسودان كان من أكثر القبائل العربية التي انتشرت قبيلة بلى والحداربة الذين
تركزوا في منطقة السواحل المصرية والسودانية والساحل الشرقي لأفريقيا ، وقد عرفوا
بين القبائل العربية باسم الحضارمة أو الحداربة الذين استقروا في منطقة بلاد البجة
بصحراء مصر الشرقية وكونوا مملكة البلو أو مملكة بنى عامر في إقليم طوكر .
كما أثبت التاريخ أن فريقاً من العناصر الأموية والعناصر
العلوية هاجرت إلى منطقة الصحراء الشرقية وبلاد النوبة بمصر ، كما استقرت بعض تلك
العناصر في منطقة شرق السودان ، وبلا شك فقد ساعدت تلك العناصر على نشر اللغة
العربية في المنطقة وخلق مزيج من المولدين عن طريق المصاهرات التي تمت بين أبناء
القبائل العربية المهاجرة والسكان المحليين ، فنتج عنها البشارية وهم مزيج من
العرب والزنوج ، ويقال أن البشارية ينسبون إلى الكواهلة المنتسبون إلى كاهل بن أسد
بن خزيمة ، وهؤلاء قدموا مباشرة عن طريق البحر الأحمر إلى بلاد النوبة ، واستقروا في
الإقليم الساحلي ما بين سوكن وعيذاب ، وينسب إليهم البشارية والإمرأر وبنو عامر ،
وتشير المصادر إلى أن الحداربة وهم الحضارمة وهم من أصول عربية ، كذلك العبابدة
فهم خليط من أصول عربية وزنوج .
وفى منطقى العلاقى في أقصى جنوب الصحراء الشرقية سكنت
وفود كثيرة من القبائل العربية من بنى هلال وسليم وبلية وجهينة ، وهؤلاء كان لهم
دور كبير في حركة التعريب في مصر وصحاريها .. ونكمل إن شاء الله .