الاشراف والقبائل العربية
الجزء الثاني : السيدة نفيسة الصغرى بنت سيدنا حسن الأنور رضى الله عنهما بالقاهرة
هذا مقام نفيسة العلم التى ** برحابها تتنزل الرحمات
يا من أتى متوسلا بنفيسة ** أبشر بنيل القصد والإسعأد
ظلت السيدة نفيسة بمصر حتى كان يوم
لقائها بربها الذى كانت تنتظره بشوق ، ويـقول العلامة الأجهورى إن السيدة نفيسة
رضى الله عنها حفرت قبرهـا الشريف بيدها ، أى أمرت ببنائه ، وقالت زينب بنت أخيها : ( تألمت عمتى فى أول يوم من
رجب وكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتابا وكان غائب بالمدينة تطلب إليه فيه المجئ
إليها وموافاتها لإحساسها بدنو أجلها ومازلت متوعكة إلى أن كان يوم الجمعة من شهر
رمضان فزاد عليها الألم وهى صائمة فدخل عليها الأطباء فأشاروا عليها بالإفطار
فقالت : واعجباه إن لى ثلاثين سنة وأنا أسأل الله عز وجل أن يتوفانى
وأنا صائمة أفأفطر اليوم ..؟ ، معاذ الله ) .
أما زوجها إسحاق فكان قد حضر لزيارتها كعادته فإذا حضوره هذه المرة يصادف ( من إكرام الله لها( يوم وفاتها ، فتولى بنفسه جميع شئونها كوصيتها ، وترك جسدها الشريف وديعة عند أهل مصر كطلبهم ، ثم استصحب ابنها و ابنتها ) القاسم وأم كلثوم( معه إلى الحجاز رضي اللّه عنهم جميعا .
وتوفيت رضي الله عنها فى 15 رمضان سنة
208 هجرية ( 809 ميلادية ) ، وكان زوجها يريد أن ينقلها إلى البقيع فسأله أهل مصر
فى تركها للتبرك بها ، ويقال إن سيدنا رسول الله أتاه فى المنام وقال له : ( يا إسحاق لا تعارض أهل مصر
فى نفيسة لأن الرحمة تتنزل عليهم ببركاتها ) ، فدفنت بالمكان الذى
حفرته بيدها وصارت تنزل فيه وتقرأ القرآن ، ويقال إنها قرأت فيه القرآن أكثر من
ستة آلف ختمة ، وقد فاضت روحها الطاهرة وهى تتلو قول الله تعالى : ( لهم دار السلام عند ربهم
وهو وليهم بما كانوا يعملون ) ، وتقول السيدة زينب بنت أخيها
القائمة على خدمتها : ( ضممتها إلى صدرى فتشهدت
شهادة الحق ) .
وكان يوم دفنها يوما مشهوداً ، فقد هرع المصريون من أقصى البلاد وأدناها ، ليصلوا عليها ، إكراما لنسبها للبيت النبوي الشريف ، ولعلمها الغزير الذي كان سببا في أن يفد عليها في حياتها أئمة الفقه الإسلامي وكبار العلماء ، ويروى أن الإمام الشافعي زارها في بيتها وأنه قال لها من وراء حجاب : ( ادعي لي ) ، فلما توفي في العام 204 هجرية أدخلت جنازته إليها ، فصلت عليه وقالت : ( رحم الله الشافعي ، فقد كان يحسن الوضوء ) .
ومن أشعارها عند مرضها لما حضرتها الوفاة جاء الطبيب فنظرت إلى من حولها وقالت :
أبعدوا عنى طبيبى ** ودعونى
وحبيبى
زاد بى شوقى إليه ** وهيامى ونحيبي
ويقول المؤرخ الإسلامى " الشيخ عبد الوهاب الشعرانى
" رضى الله تعالى عنه : ( إن أرواح الأنبياء وأرواح
الكمل باقية على الخدمة فى عالم البرزخ وإن لله عز وجل بفضله بكل قبور الأنبياء
وأولياء الله الصالحين ملائكة يقضون حوائج السائلين خصوصا بيوت الأنبياء وأولياء
الله لأن أهل البيت هم أهل الكرم والعطاء ) .
ويقول " الإمام أبو حامد الغزالى " رضى الله تعالى عنه : ( إن لبعض الصالحين وأولياء الله يشاهدون الملآئكة رأى العين المجردة وأرواح الأنبياء والصالحين يسمعون عنهم أصواتا ويقتبسون منهم الفوائد ولا عجب فى ذلك فالله عز وجل هو القادر على كل شئ ) .
من شعر السيدة نفيسة قولها :
في أمور تكون ، أو لا تكون
سهرت أعين ، و نامت عيون
والذي قد كفاك ما كان
بالأمس سيكفيك في غد ما يكون
ستنا السيدة
نفيسة رضى الله عنها وصلاة الجنائز :
نلاحظ أن اغلب صلوات جنازة أهل القاهرة
تكون من مسجد السيدة نفيسة رضى الله عنها جرى
ذلك على المشاهير والعوام وأصبح هذا الأمر متوارثاً من جيل إلى الجيل فما السبب فى
ذلك ،
السبب هو تبرك المصرين بصلاة السيدة نفيسة على
الجثمان الشريف للإمام الشافعى رضى الله عنه ، فأصبح المصرين يصلون على موتاهم عند
السيدة نفيسة تبركاً بها رضى الله عنها وعن جميع أهل البيت .
هذه هي السيدة نفيسة أشهر آل البيت بعد السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما وعمن يحبهما .
خلوة " محراب " السيدة نفيسة رضى الله عنهما بالمقطم :
عند سفح جبل المقطم ، توجد سبحانة
وتعالى بعيداً عن الناس .
أنظر كيف كان أهل بيت النبي سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم يناجون ربهم في الخلوات ، فإذا كان هذا ديدن أهل بيت النبي صلى
الله عليه وسلم فأي شيء يتذرع به المنكرون الجاهلون في إنكارهم على أولياء الله
تعالى الميل للخلوة .
وفي رحاب السيدة نفيسة رضي الله عنها كان هناك لقاء مع فضيلة
الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله ( استراحة الإمام ) وكان السؤال عن الخلوة ؟ هناك من يقول أن الخلوة لم
تكن موجودة أيام النبي ؟
ويرد الشيخ الإمام على هذا السؤال ؟ بسؤال وهل من المعقول على
أيام النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هناك من يفكر في
ترك النبي صلى الله عليه وسلم ليذهب ويختلي عنه ؟ غير معقول طبعاً فالناس
كانت تتهافت عليه ، والخلوة لم تعرف ولم توجد إلا ( أيام الفساد ) فالناس بتبتعد لأنها تجد
نفسها غير قادرة على مواجهة الفساد .