طباعة
sada-elarab.com/719672
ما أجمل أيام وليالي رمضان؛ فهو الشهر الذي أكرمنا الله سبحانه وتعالى بالصيام فيه، وتلاوة القرآن، وصلاة التراويح، والتزاور بين الأهل والأصدقاء والجيران وأهل فريج المدن والقرى، وإمعانًا في أهمية وقدسية هذا الشهر يتم التصدق وعمل كل ما فيه الخير للوطن والمجتمع، وعادة القرقاعون كما نسميه في خليجينا العربي، ووحوي وحوي كما هو في الشقيقة جمهورية مصر العربية، وبمسميات مختلفة في وطننا العربي على اتساعه، فليلة النصف من رمضان ويومه يتم تبادل الحلويات والمكسرات، وتفرح الأسر بهذه الذكرى، والحمد لله أن إحياء هذه المناسبة بات متنوعًا ويشارك فيه الصغار والكبار على حد سواء، ويتفنن عاشقو التراث الفني الغنائي العربي بإيجاد الأغاني والأناشيد التي تغرس محبة هذا الشهر الفضيل، وتبادل الزيارات والتصدق بما تجود به النفوس شعورًا بأن المناسبات التي تجمعنا كثيرة وعلينا إيحاء كل ما من شأنه تقوية أواصر المحبة بين الأهل والجيران والأصدقاء.
كلنا نتذكر هذه المناسبة في النصف من رمضان، ومهما اختلفت التفاسير فإن الفرح في أيامنا هذه مطلوب، وبالفرح نستطيع أن نتغلب على الكثير من المنغصات وما أكثرها في زماننا، لكننا نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يجازينا خير الجزاء إن نحن تعاطفنا وتعاونا وبذلنا كل ما نستطيع من أجل إسعاد أهلنا وأصدقائنا ولمن له حق علينا، وتعاطفنا مع أهلنا في غزة يحتم علينا الدعاء لهم بأن يفرج الله همهم وما هم فيه من بلاء، والحمد لله أن أئمة المساجد في صلاة التراويح وقبل الختام يدعون لأهل غزة بأن يكشف عنهم البلاء ويديم عليهم الاستقرار والأمن والدعة.
القرقاعون يذكرنا بالطفولة، وكيف كنا نجتمع صبية وصبايا الحي والتطواف على البيوت وتقديم أناشيد وأهازيج القرقاعون والدعاء لأولادهم بالصحة والعافية وطول العمر والتوفيق في دراساتهم وحياتهم، وأن يمن الله عليهم بأن يكونوا في يوم من الأيام قادرين على الإنفاق على أسرهم التي لم تقصر في تربيتهم وتعليمهم وتعويدهم على العادات والتقاليد المتوارثة.
كنا في قرية البديع نستعد كغيرنا من أبناء مدن وقرى مملكة البحرين للقرقاعون ونشكل فرقًا تطوف كل البيوت من لهم ذرية ومن لم يرزقوا بالذرية، فالفرح بالنسبة للأطفال شيء مرغوب فيه وإن كنا تأدبًا نستأذن البيوت بالقول: «نقرقع؟» فيأتي إلينا النداء نعم «قرقعوا»، فنبدأ بالأناشيد والأغاني والدعاء على قرع الدفوف والطيران والأناشيد المحفوظة والمتوارثة.. أتذكر أن بعض الأشقاء من سلطنة عمان كانوا موجودين بين أهلهم وأشقائهم في قرية البديع ولم يكن عندهم الذرية ولكننا عندما نستأذن بالقول: «نقرقع؟» يأتينا الجواب «جرجعوا بابا جرجعوا» يقولونها بلهجة عمانية محبوبة وحتى إن لم يكن لديهم الذرية ولكنهم يرحمهم الله كانوا يتعاطفون مع أولاد وبنات القرية ويشاركون في الأفراح، فهم الأهل والجيران والأشقاء.
مهما تعددت مظاهر القرقاعون، فنحن نتطلع لأن تكون أيامنا كلها سعادة وخير وبركة، وطالما كان ذلك الفرح يزيل عنا المنغصات ويزرع في نفوسنا الألفة والمحبة، فلا غضاضة أن نحتفل كل عام بهذا «القرقاعون».
نعلم أن منغصات هذا الزمن كثيرة وأسباب هذه المنغصات متعددة، ولكننا نؤمن بأن الإنسان فينا يحثنا على تجاوز السلبيات والبناء على الإيجابيات، ومطلوب منا أن نساهم مجتمعين في كل ما يقربنا من بعض ويزيل عنا الهم والحزن، فالقوى الكامنة فينا من البذل والعطاء والمشاركة المجتمعية والوطنية في أفراح أوطاننا تستدعي منا أن نتوجه بكل طاقتنا الكامنة فينا لإحياء الأفراح والتمسك بالقوى الدافعة لنا للبذل والعطاء، وتعويد أطفالنا على عمل الخير، ومشاركة الأصدقاء والأشقاء في كل ما يسعد بعضنا بعضًا، والمظاهر الاجتماعية وجدت من أجل أن تقضي على روتين الحياة الممل وتجنب كل ما يقف حجر عثرة في طريق فرحنا وسعادتنا ومشاركتنا بعضنا بعضًا للقوى الإيجابية الكامنة فينا. أحيانًا نتساءل ما قيمة هذه الحياة إن لم نتبادل الزيارات ونفرح لفرح الآخرين، ونتجاوز الروتين الممل في حياتنا؟! فالأنشطة الرياضية تجمع شبابنا على حب ممارسة مختلف الرياضات، وفي ذلك فرح وبشر وسرور، وكذلك الأنشطة الاجتماعية وبما فيها من سعادة وفرح من خلال المشاركة الوجدانية في فعاليتها وتطويرها لما يعود على المجتمع بالخير، وكذلك الأنشطة الفنية بكل تقسيماتها من غناء وفنون تشكيلية وحرف تقليدية، فمردودها المادي والمالي والمعنوي لا يقاس بإحساس المرء وهو يؤدي واجبه نحو من يعزهم ويقدرهم ويغرس الفرح في نفوسهم. نحن نحتاج لكل ما هو إيجابي في حياتنا والسلبيات وإن وجدت فمن واجبنا تجنب هذه السلبيات وتحويلها على إيجابيات ولا يكون ذلك إلا بتعاوننا وإحياء المناسبات التي تقربنا من بعضنا وتغرس في نفوسنا حب الخير والبذل والعطاء.
إننا عندما نفرح كأشخاص منفردين لا يتم الفرح إن لم يكن نشيع الفرح في أحبائنا ومنها إلى الوطن ككل وأبناء الوطن من رجال ونساء، فالخير مطلوب تحقيقه وإن تعددت صنوف أسباب الكدر، فالطاقة الموجودة في نفوسنا تفرض علينا أن نؤمن بأن الطاقة الإيجابية أولى بأن ننميها ونتمسك بها؛ فالخير فيما اختاره الله، ونحن مأمورون بإيجاد كل السبل المؤدية إلى الخير لنا ولغيرنا ولأوطاننا.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..