طباعة
sada-elarab.com/699584
في بداية تعلمنا للسياقة، وقد تجاوزنا سن الثامنة عشرة وهو السن الذي يسمح للأبناء والبنات تعلم السياقة على أيدي مدربين مختصين وأصحاب خبرة، وكانوا يلقنوننا دروسًا لفن قيادة السيارة، واحترام الطريق والتعاون مع السائقين عمليًا كإفساح الطريق، وعدم التجاوز، وعدم الاقتراب من الشاحنات التي ربما تقف في أية لحظة لظروف خاصة بهم. كما يرشدوننا إلى الحذر من سائقي التاكسي الذين قد يقفون فجأة إذا ما وجدوا راكبًا يحتاج إليهم لتوصيله إلى مقصده، وهؤلاء لا يلامون في البحث عن الرزق الحلال. كان حزام الأمان لم تصل بعد ثقافته إلى كل من يستخدم الطريق من حافلات، إلى أن أصبح اليوم من مستلزمات السياقة الآمنة.
لم أتعلم السياقة إلا بعد أن تخرجت من الجامعة، رغم أن الوالد -يرحمه الله- إبراهيم بن محمد صالح الذوادي تعلم السياقة من شركة نفط البحرين بابكو، وأصبح -رحمه الله- خبيرًا في سياقة كل أنواع السيارات، لكنه كان الحريص على أن نتعلم السياقة في السن القانوني، وإن كان يعطينا دروسًا نظرية في فن قيادة السيارة.
كان معلمو السياقة في مملكة البحرين على درجة من الخبرة والتجربة، وكانت إدارة المرور والترخيص بوزارة الداخلية حريصة على كفاءة معلمي السياقة وسلامة سياراتهم من كل الأنواع الخفيفة والثقيلة، وكان عندما يحين موعد امتحان الطالب يركب مع المتدرب ضابط مرور صاحب خبرة وتجربة وحريص على إتقان المتعلم قوانين السياقة بدءًا من استخدام حزام الأمان إلى الذهاب إلى الأماكن المزدحمة في العاصمة المنامة كسوق باب البحرين، والمناطق التي بها منحدرات ومرتفعات لاختبار الطالب في قدرته على التصرف، وينتهي المشوار بامتحان الرجوع إلى الخلف وسط مناطق ضيقة معمولة صناعيًا لامتحان المتعلم في قدرته على التصرف، وعندما يتجاوز ذلك يدعى إلى المكتب المختص بوزارة الداخلية، وهذا مؤشر طيب بأن الطالب تجاوز الامتحان وأصبح قادرًا على التعامل مع السيارة في كل الظروف بفن وذوق.
أما إذا أشار إليك الضابط الممتحن بالذهاب إلى معلم السياقة فإن ذلك إيذان بأنك بحاجة إلى تدريب أكثر ولسان حال الضابط ينصح معلم السياقة لبذل جهد آخر مع الممتحن.
كانت السياقة بالفعل فن وذوق ومتعة خصوصًا وأن فيها الاعتماد على النفس والتعامل مع شرائح مختلفة من المجتمع باحترام شديد، وتعاون من أجل خير الجميع وضمان الأمن والأمان للسواق والعابرين ومستخدمي الحافلات لأغراض شتى.
لم يخطئ من وصف السياقة بالفن والذوق، وكانت شوارعنا الحافلات فيها قليلة ومع الحاجة فقد امتلأت شوارعنا بالحافلات رغم التوسعة في الشوارع وتسهيلات العبور، والالتزام بالإشارات الضوئية وتجنب كاميرات الرصد المروري التي لا تترك شاردة وواردة إلا وسجلتها لصالح سلامة العابرين ومستخدمي الطريق.
سنظل بحاجة فعلًا لأن نتبنى في هذا الزمن شعار السياقة فن وذوق، في بعض دول أوروبا توجد حارات في الشوارع للحافلات والدراجات الهوائية وغيرها والشاحنات والمشاة إيمانًا بأن الطريق العام هو ملك للجميع وبالفعل في بعض دولنا أخذت بهذا النظام، وفي هذا حماية للجميع وتسهيل المرور، إضافة إلى تسهيلات أخرى في الطرق السريعة بين المدن المختلفة خصوصًا والتي بها طرق ربط ضرورية.
إن مظاهر الاهتمام بالسياقة الآمنة دليل على الوعي الحضاري، والاستعداد للتعاون بين أفراد المجتمع لما فيه الخير للجميع.
عندما نقول إن السياقة فن وذوق فإن ذلك يبعث في النفس القدرة على التعاون بحيث يشعر كل واحد منا أن من واجبه أن يخلق الظروف الملائمة للآخرين لمتعة السياقة، والوصول إلى بغية كل واحد منا بأمن وسلام.
إن الجهود التي بذلتها الجهات المختصة في بلادنا من الاهتمام بتوسعة الطرق وعمل حارات لأنواع السيارات وطرق التجاوز والنصائح بالالتزام بالسرعة المقررة وعدم استخدام الهاتف في أثناء السياقة كلها في صالح السائقين ومستخدمي الطرق وتجنب المشاكل المرورية والحوادث التي مع الأسف قد تكون مؤلمة، وإن اتباع الإرشادات المرورية هي من القيم التي يتعلمها رجال المرور الذين نقدر جهدهم وعطاءهم، وعلينا أن نتعاون معهم بما يحفظ الأرواح، ويحفظ المركبات التي هي من ميزانيات الأفراد الشخصية، إضافة إلى ما يحدثه التأخير في الإصلاح من مشاكل لا حصر لها.
نعم لابد من التأكيد على أن السياقة فن وذوق واحترام للآخرين والتعاون معهم والتجاوب الإيجابي مع المختصين في الطرق الضيقة والشوارع الفسيحة، وتظل سلامة مستخدمي الطرق غاية وهدفًا وأصبح من مسؤوليتنا جميعًا أن نؤمن بأن السياقة فن وذوق.
حمانا الله وإياكم وجعل أيامنا تعاونًا وتكاتفًا من أجل بلوغ الأهداف المنشودة.
وعلى الخير والمحبة نلتقي