طباعة
sada-elarab.com/689255
منذ مدة طويلة وانا أشاهد الهجرة المستمرة بالقرية من أبناءها والإستمرار فى الحشد داخل المدن بطريقة تجعلنا نشعر بالإستغراب والغربة فى أنن واحد على الرغم ان القرية والمدينة جزء لا يتجزء من نسيج الوطن الواحد.
لكن السؤال المحير هجرة القرية وزحام المدينة إلى متى ومن المتسبب فى هذا وهل تقبل المدينة كاملة العدد أعداد إضافية بداخلها واين الحكومات المتعاقبة من ترك أماكن مهملة على حساب أماكن أخرى ، كلها أسئلة تدور فى فلك الهجرة المستمرة من أبناء القرى للمدينة وغيابهم عن مسقط رأسهم لسنوات طويلة لا يعودون اليها إلا محمولين على الأعناق لمسواهم الأخير تاركين خلفهم صغار لا يعرفون شئ عن أصولهم بل ويستمرون فى طرح نسيج" جديد من نسل يتناسى مع عوامل الزمن من أين اتى والى اين يرحلون.
القصة كاملة تأخذنا للوارء عندما كان للفلاح المصري قيمه كبيرة مثله مثل العامل بالمصنع ومثل موظف الحكومة ترس داخل ماكينة لا تستطيع تلك الماكينة العمل من دونه او العمل فى ظل غياب أحدهم عن مكانه ، فالفلاح المصرى هو بداية عمل الماكينة لنسج خيوطها فهو الموفر الأول ومستخرج لمحصول القطن هذا المحصول الإستراتيجى والذى وضع مصر ذات يوم على رأس القائمة وكانت تعرف مصر من قطنها طويل التيلة ، تتهافت عليه البلدان العربية والأجنبية وذاع صيته بكل بقاع المعمورة من شرقها وغربها ليضرب الفلاح المصرى مثال للعالم أجمع جعل البورصات العالمية تضارب على هذا المحصول الإستراتيجى وهناك من حصد الملايين بمصر وخارجها من خلف هذا الفلاح البسيط والترس الأول بماكينة النسيج المصرى فى الحفاظ على قوام القرية وقوام البنية الأساسية للمواطن المصرى.
ثم نذهب للترس الثانى وهو العامل البسيط داخل ورش الصناعة والمصانع التى تعمل خلف الفلاح بعد الحصول على هذا المنتج وتحويلة الى زيوت وخيوط تصدر ويصنع منها أفضل انواع الملابس بالعالم ، حيث تتحمل شدة الحرارة للمناقط الحارة وتشعرك بالدفئ بالمناطق الباردة ، يفخر بها كل مصرى ويعرف الصانع بلباسه داخل الورش والمصانع المنتشرة بكل ربوع الوطن الأم ، محقق من خلف وقوفه التوازن وضبط إيقاع المعادلة للكيان المصرى.
فيجعلنا نذهب بعد ذلك الى الموظف والقابع داخل دواوين الحكومة بالمدينة ونحن فخورين بما سبق لنجعله يجلس بمكتبه يسجل ويرصد الأرقام ويدون كل كبيرة وصغيرة فى حركة النهاية للترس الثالث والمحرك الأخير لتلك الماكينة والمحافظة على كيان الدولة المصرية فى ذلك الوقت ، لم نسمع وقتها أن هناك فلاح او إبن من أبناء القرية ترك مكانه وذهب للعمل بالمدينة ، كل ماهنالك يذهب بإرادته للتعلم والحصول على الشهادة الكبرى ليعود بها إلى أهله محصنآ بما تعلم.
ولم يتوقف الفلاح المصرى عند زراعة القطن فقط بل ذهب بزاعته لخلق صناعات متعددة وانواع أخرى خلف من ورائها مصناع تعمل حتى اليوم مثل زراعة القصب والذى يستخرج منه السكر فقامت مصانع خارج المدينة مثل مصنع كوم امبو بأسوان ومصنع سكر الحوامدية بالجيزة ، ناهيك عن المحالج المتعدده لحلج القطن بالدلتا وصعيد مصر ومصانع الزيوت من بذرة القطن كما هو الحال بكفر الدوار وكفر الزيات ومصانع النسيج بالمحلة الكبرى وغيرها من المصانع المنتشرة بالمناطق الريفية والبعيدة عن القاهرة.
كل ماسبق وغيره يجعلنا نبحث عن إجابة لماذا تحول المصرى من مزارع وصانع الى مستهلك فقط ، ومن ساعد فى القضاء وهدم ماتبقى بريفنا الجميل وحول الزراعات الإستراتيجية الى أطلال نبكى عليها اليوم ، واين ذهب القطن المصرى طويل التيلة ، والى متى سيظل الفلاح المصرى يعانى بمفرده من دون سند بعدما تركه الإبن والسند للعيش بين أركان المدينة ، وهل التقصير من الفلاح أم من حكومات تعاقبت مع نهاية سبعينيات القرن الماضى وحتى قيام ثورة بناير أجهدت على ماتبقى من زراعات إستراتيجية ناجحه وأستبدلتها بزراعات أخرى مستهلكة لا تمثل قيمة حقيقية فى الصناعة كما كان بالماضى القريب علاوة على أسباب كثيرة أخرى ساعدت بقصد او بدون فى هجرة أبناء القرية الى المدينة وتحويل الريف المصرى من منتج الى مستهلك مع موت وإنعدام تام لرفعته الزراعية والتى ظل لعقود طويلة يفخر بها وبإنتاجها الوفير.