عربي وعالمي
نص كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية في الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية بجدة
الأربعاء 17/مايو/2023 - 06:24 م
طباعة
sada-elarab.com/684657
صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله آل سعود وزير خارجية المملكة العربية السعودية
أصحاب السمو والمعالي الوزراء،
السيدات والسادة
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالشكر لمعالي السيد أحمد عطّاف وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الذي أرحب به عضواً جديداً في مجلسنا وأبارك له على تولي مسئولياته متمنياً له كل التوفيق.. أتقدم له بالشكر على ترؤس بلاده أعمال القمة العربية العادية للعام 2022 بالجزائر، والتي كانت قمة ناجحة بكل المقاييس من حيث تنظيمها وأعمالها وقراراتها.. متقدماً إليه بخالص التهنئة بمناسبة توليه مهام منصبه وزيراً للخارجية الجزائرية ومشاركته معنا في أعمال الدورة الحالية للمجلس.
كما أتقدم بالشكر لصاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان.. على حسن الإعداد والاستقبال وكرم الضيافة الذي أحاطتنا به المملكة العربية السعودية منذ وصولنا، مُتمنياً لأعمال القمة كل النجاح والتوفيق بإذن الله... وأرحب في مجلسنا، بالسيد الدكتور فيصل المقداد، وزير خارجية الجمهورية العربية السورية، وأتمنى أن تكون استعادة سوريا لمقعدها مُقدمة لإنهاء أزمتها، ولاستعادتها لحيويتها وحضورها في العمل العربي.
السيدات والسادة،
مرت المنطقة العربية خلال الفترة الماضية، ومنذ انعقاد قمة الجزائر في نوفمبر الفائت، بعدد من الأحداث والتطورات التي تستحق التوقف عندها... وربما كان من حسن الطالع أن تنعقد قمتان عربيتان في أقل من عام في هذه الظروف التي أقل ما يُقال في وصفها أنها استثنائية وضاغطة.
ما زالت البيئة العالمية حافلة بالمخاطر والأزمات .. بعض هذه الأزمات لم تشهد الساحة الدولية لها مثيلاً منذ عقود طويلة.. وقد امتدت آثارها وتبعاتها إلى كل بقعة في العالم تقريباً.. مخلفة مخاوف جمة، وحالة خطيرة من انعدام اليقين.
إن صراعات القوى الكبرى، التي تمثل الحرب في أوكرانيا واحدة من حلقاتها، تخصم من الأمن العالمي.. وتُشيع الاضطراب في الاقتصاد الدولي.. وتضع على كاهل الكثير من الدول تكاليف إضافية، سواء في تعزيز الأمن أو في الحصول على الموارد، لا سيما الطاقة والغذاء.
ويقيني أن هذه الصراعات تُمثل تطوراً سلبياً، خاصة على الدول البازغة الساعية إلى النمو.. والأسواق الناشئة التي تحتاج للاستقرار.. ومن بينها الكثير من دول منطقتنا العربية.. وبالرغم من الصعوبة الشديدة في اتخاذ المواقف في زمن الاستقطاب بين القوى الكبرى.. فإن علينا دائماً التشبث بالمصالح الوطنية لدولنا كبوصلة هادية لمواقفنا.. وهذا بالضبط ما فعلته الجامعة العربية إبان اندلاع الحرب في أوكرانيا.. وأظن أن علينا الاستمرار في التحرك والعمل ككتلة موحدة.. تنسق في المواقف وتتحدث بلسان واحد.. فهذا ما يُعطي مواقفنا ثقلاً ويمنحها وزناً ويوفر المظلة الحامية لمنطقتنا من شرور الاستقطاب والصراع في قمة النظام الدولي.
السيد الرئيس،
الصورة في المنطقة العربية خلال الشهور الماضية مختلطة.. تحمل بعض المؤشرات المطمئنة، جنباً إلى جنب، مع مخاطر جديدة تُثير القلق الشديد.
في السودان.. اندلع نزاع مسلح شهدنا جميعاً مدى خطورته.. خطورته على شعب السودان الذي رُوِّع أبناؤه وواجهوا الموت والتشريد جراء صراع لم يتسببوا فيه.. وخطورته على الدولة السودانية واستقرارها ووحدتها الترابية وسلامة مؤسساتها الوطنية... السودان بلدٌ عربي مهم.. واشتعال الصراع العسكري في مدنه وشوارعه على هذا النحو المؤسف أدمى قلوب العرب.. وإننا نعتبر قمة جدة فُرصة يتعين اغتنامها من أجل وضع حد لكافة المظاهر المُسلحة كخطوة أولى نحو استعادة الهدوء والعودة لمسار السياسة.
وأقول هنا إن العرب لن يتركوا إخوانهم في السودان وحدهم.. فنحن نواكب التطورات ونُقدم كل الدعم الممكن.. وقد شكل مجلسكم الموقر مجموعة اتصال لهذا الغرض في السابع من هذا الشهر... ورأينا جهداً كبيراً محموماً ومتواصلاً للوساطة قامت به المملكة العربية السعودية.. هنا في جدة.. ولكن الأمر مرهون في المحصلة بإرادة السودانيين وقياداتهم لوضع حدٍ لهذا الانحدار، وإسكات البنادق في أسرع وقت.
وبرغم أن الأزمات في سوريا واليمن وليبيا.. ما زالت قائمة من دون حل شامل أو تسوية نهائية ... إلا أنها تمر بمرحلة من الجمود التي تسمح بمقاربات جديدة.. وقد حدث بالفعل تحريك للمياه الراكدة في عدد من هذه الأزمات.. واتخذ مجلسكم الموقر قراراً في 7 مايو حول سوريا انطوى على مقاربة شاملة للأزمة.. ومهد الطريق لانخراط عربي أكبر وأكثر فاعلية في تعزيز التسوية ومعالجة التبعات والآثار التي لحقت بسوريا ودول الجوار في السنوات الماضية.. إن سوريا دولة لها اسهام حضاري بارز في هذه المنطقة على مر تاريخها.. وهي دولة مؤسسة في هذه الجامعة.. وإننا جميعاً نتطلع لتفاعل سوري بنّاء وإيجابي مع هذا الحراك العربي لصالح شعبها، وتعزيزاً لدورها وحضورها.
السيد الرئيس،
نلمس بعض التطورات الإيجابية في مواقف دول الجوار وإدارتها لعلاقاتها مع المنطقة العربية.. أتحدث هنا عن إيران وتركيا على وجه التحديد.. وليس خافياً ما عانته منطقتنا العربية، ولا زالت، من الآثار السلبية الخطيرة للتدخلات في شئونها الداخلية.. إننا نَنشُد علاقاتٍ تقوم على الاحترام المتبادل ومبدأ السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.
من هذا المنطلق، أعاود في هذا المقام الترحيب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في بكين بمبادرة مشكورة ومحمودة من الرئيس الصيني.. ونتطلع إلى أن يُمثل هذا الاتفاق خطوة حاسمة لحل الخلافات والنزاعات الإقليمية بالطرق الدبلوماسية... وأن يؤسس لعلاقة جديدة قوامها حسن الجوار
واحترام السيادة والالتزام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة الناظمة للعلاقات بين الدول.
السيد الرئيس،
الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يقترب من مرحلة الانفجار.. نعرف جميعاً أن استمرار الاحتلال وإغلاق الطريق أمام التسوية التي تسمح بإنهاء الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية هي الأسباب الرئيسية والجذرية لما يعانيه إخواننا في فلسطين .. ولكن زاد على هذه المعاناة في الشهور الأخيرة عامل جديد يتمثل في حكومة اليمين الإسرائيلي التي تُباشر سياسة بالغة التطرف والتهور أدت إلى زيادة منسوب العنف منذ بداية العام الحالي على نحو بالغ الخطورة، وينذر بما هو أسوأ.
إننا نُشدد على أن مبادرة السلام العربية، بكافة عناصرها، تظل خيارنا الاستراتيجي الأول لإنهاء الاحتلال... ونُحمل الحكومة الإسرائيلية المسئولية عن هذا التدهور الخطير في الوضع .. ونؤكد أن ممارساتها المنفلتة ونهجها المتطرف سينعكس، من دون شك، على التعامل العربي معها.. وفق محددات مبادرة السلام العربية والفلسفة الحاكمة لها.
السيد الرئيس،
إن هذه القمة، وبرغم انعقادها في أجواء مفعمة بالتحديات والأزمات، تؤشر لانخراط عربي أكبر في الأزمات والمشكلات.. إن العرب، أكثر من أي طرف آخر، هم من يدفع ثمن استمرار الأزمات وتعثر الحلول.. وإننا نتطلع جميعاً إلى قمة ناجحة بإذن الله.. تكون عند مستوى تطلعات الرأي العام، وعلى قدر التحديات القائمة.. تُقدم حلولاً عربية للمُشكلات العربية.. وتُعزز من قوة هذه الكتلة الإقليمية وتماسكها، وتوحِّد كلمتها.. وعلى الله قصد السبيل.