طباعة
sada-elarab.com/682789
يظل المرء منا يحتاج إلى الثقة فيما يعمل ويحتاج إليها عندما تكون له حاجة عند الغير فنحن نحتاج لأن نعمل بهدوء وروية كي ننجز أعمالنا بكل جدارة واستحقاق ومن هنا فالثقة تجعلنا نعمل ونحن مرتاحي الضمير، ثقة بأن من أولانا ثقته فهو يحبنا ويعتز بعملنا وربما يتفاخر فيما أنجزناه.
كان أساتذتنا الجامعيين من مختلف التخصصات عندما كانوا يكلفوننا بإجراء بحوث ودراسات حول المواضيع التي يدرسونا إياها أو هي ربما تكون في منظورها بعيدة عن المناهج كانوا يحثوننا على الرجوع إلى مراجع متعددة بلغتنا العربية أو بلغات أخرى، شريطة الدعم بالأدلة المقنعة وكلما كانت الأفكار نيرة وفيها جدة وطرافة ومعلومات جديدة كلما كانت الثقة التي نحصل عليها من مدرسينا باعث لنا للإبداع والتميز.
وأتذكر أن أحد مدرسينا المبدعين وهو الناقد الأستاذ الدكتور محمد زكي العشماوي ابن الإسكندرية بجمهورية مصر العربية الذي درسنا بجامعة الكويت النقد الأدبي المعاصر خلال الفترة من 1968-1972م كان يرحمه الله يحثنا على اختيار مواضيع تثري المنهج ولا نكرر ما يقال وينشر وإن كان لابد من الإستشهاد، فكنا نثق في أفكاره ورؤيته، وكان يردد علينا ويقول: «يا أبنائي إذا تخرجتم ووثقتم من أنفسكم أنكم علمتم كل شيء، فقد أخطأنا في تدريسكم، وإن نجاحنا في تدريسكم هو ثقتكم بأنفسكم أنكم في بداية المشوار وأن عليكم واجب استكمال العلم والتبحر فيه»، وكان يقول: «إن الثقة التي تنالونها هي في تجاربكم وسعيكم للتجويد، وكلما ابتعدتم عن تقليد بحوث من سبقكم كلما كانت لكم الشخصية المستقلة والتي تسعى للعلم النافع والجديد وإن كان أساتذتكم بالفعل هم من غرسوا فيكم هذا الحب وهذا التميز»...
تعددت وظائفنا وخضنا تجارب في الحياة واحتجنا للآخرين، وكنا بحاجة أكثر للثقة التي يولونها إلينا، فهذه الثقة تمنحنا الدافع وتجعلنا كبارًا في عيون المسؤولين عنا ونحاول ليس فقط الاحتفاظ بها لأنفسنا وإنما نتشارك فيها مع زملاء العمل أو المهنة، لأن الثقة بالنفس أولاً، والثقة فيما نؤديه تجعل التفاهم بيننا قائمًا بالابتكار والتنوع لما فيه الخير للوظيفة أو المهمة التي نطلع بها. ونستطيع من خلال ذلك إيصالها لمن يستحقها ونبني عليها الشيء الكثير.
كلنا في عملنا نحتاج لثقة المسؤولين عنا والكلمة الحلوة واستمرار الدعم والتشجيع والأهم الصراحة والشفافية تجعل المرء منا قادرًا على العطاء، وعندما لا سمح الله نخطئ، فالإنسان غير معصوم من الخطأ، وخصوصًا الخطأ غير المقصود، وإنما نتيجة قلة أو شحة المعلومات، وعندما يكون المسؤول واعيًا ومدركًا لمهام الوظائف التي يقوم بها العاملون معه فإن ذلك يخلق الثقة المتبادلة وهي مقياس ومعيار النجاح وربما التفوق في الأداء والحصول على نتائج مبهرة...
قلت يومًا لطبيبي المعالج «إن ثقتي فيك كبيرة مع إيماني بقدرتك العلاجية وتخصصك الطبي الممتاز إلا أن الثقة بين الطبيب ومرضاه تجعل الراحة النفسية نتيجة وسبب لابد منه»، فارتاح الطبيب لهذا القول وشاركني الرأي، بأن على المريض أن يصارح من هو مسؤول عن سبب الشفاء، والثقة مطلوبة من الطرفين والحمد لله.
أتذكر كيف كانت الأمهات في البحرين على ثقة كبيرة في المرحوم الدكتور إبراهيم محمد يعقوب السعد الذي كانت له عيادة الأطفال بمستشفى السلمانية عند إنشائه، فكانت الأمهات يحضرن أطفالهن للعلاج ويطمعن أن يعالجهم الدكتور إبراهيم محمد يعقوب السعد بنفسه وهذا ما كان يفعله يرحمه الله فقد غرس في نفوس الأمهات الثقة وبات يشار إليه بالبنان فقد تقلد بعدها مناصب طبية متنوعة مثواه الجنة ورضوان النعيم.
سنظل نحتاج إلى الثقة في كل أعمالنا وهي أخذ وعطاء وإيجابية بين من يقدم الخدمة والمستفيد منها، والمصارحة وإن كانت أحيانًا عصية عند البعض، ولكن التعود عليها يخلق إنسجاماً، لأننا نريد من بعضنا النجاح، وفرق كبير بين الثقة والشماتة نحتاج إلى أن نعود أنفسنا على الثقة المتبادلة لأن فيها الخير لنا ولمجتمعنا ولمن نعيل وترسم لنا طريق المستقبل المبنى على الخير والسماحة والسلام والمحبة المتبادلة التي هي أساس لنجاح أي مسعى طيب في الحياة... إن ثقتي في القراء الكرام كبيرة أن يشاركوني الرأي فيما طرحته من رأي.
وعلى الخير والمحبة نلتقي