طباعة
sada-elarab.com/654072
كنا نتحلق حول السفرة في منازلنا مع أهلنا وأسرنا، ونفرح بأن الوجبة كافية لمن رغب في أن يكون شريكًا مع غيره، فيتقاسم معه اللقمة، ويشعر بأن الإيدام الذي أعد يكون مع القناعة والرضا كافيًا لأفراد الأسرة صغيرهم وكبيرهم.. كان الجد محمد بن صالح الذوادي يرحمه الله ومثواه الجنة وهو الإمام في مساجد الجسرة والبديع عندما نتحلق مع الأهل حول السفرة نسمعه يردد على مسامعنا «كل مشروك مبروك».
وكنا عندما نحضر ولائم يقيمها المواطنون لأنفسهم أو لضيوفهم كنا نسمع من يقول وهو واثق من نفسه: «كل مشروك مبروك»، ويؤكد ذلك بالشرح والتحليل وهو كله ثقة بأن ما أعد من مائدة مع القناعة يصبح الطعام ولله الحمد كافيًا لمن حضر المأدبة، فالبركة تحل على أهل البيت وقد تحل على من دعاهم إلى مأدبة غداء أو عشاء.
كان شعور الأجداد والآباء أنه عندما نتفاءل في حياتنا، ونزرع الأمل في نفوسنا ونحاول أن نطيب الخواطر، ونتشبث بالأمل والرجاء فإن ذلك باعث للقناعة والرضا. كنا طلبة جامعيين في السكن الداخلي بثانوية الشويخ بدولة الكويت الشقيقة وكان كل طالب خصص له سكن في العنابر التي تضمها بيوت الطلبة، وكان من بين الطلبة جيراننا في السكن أشقاء من الأردن، وفلسطين وبعض دول الخليج العربي ومصر واليمن، ومع توافر مطعم كبير تقدم فيه مأكولات الفطار والغداء والعشاء إلا أن زملاءنا وأشقاءنا الأردنيين والفلسطينيين يدعوننا لأن نتشارك معهم في أكل منقوشات الزعتر والزيت، وكانوا يجلبون معهم أجود أنواع الزعتر وزيت الزيتون، وكان زميلنا حسين اللافي طالب العلوم بجامعة الكويت يحضر الزيت والزيتون والزعتر والخبز ويبدأ في تسخين ذلك من خلال الموقد الكهربائي الخفيف، ويتفنن بمهارته في تحضير الخبز بالزيت والزعتر، ونتسامر ونحن نأكل هذا الأكل اللذيذ بصناعة اليد ويفخر ويتباهى بأن والدته تحضر له الزيت وألذ أنواع الزعتر وما عليه إلا أن يضعه في الخبز ويبدأ بتسخينه على آلة التسخين الصغيرة الكهربائية، وكان يقدم لنا الأكل قبل نفسه، وأصبحنا ضيوفًا عنده كل ليلة في حجرته الصغيرة، وكنا نردد قول الأشقاء المصريين «بيننا عيش وملح» ونقول نحن الخليجيين: «كل مشروك مبروك».
وكان زميلنا المغربي وجاري في السكن الداخلي «مولاي الغالي الشدادي» دارس الحقوق بجامعة الكويت يتحفنا أحيانًا بالوجبة المغربية وأحيانًا بالحلويات المشهورة عندهم وهي «كعب الغزال»، كما أن زملاءنا من اليمن السعيد يتحفوننا بالوجبات اليمنية مصحوبة بالعسل بشتى أنوعه وأصنافه.
كنا مجتمع طلابي وكل واحد منا جاء من بيئة مختلفة وكان ما يجمعنا هو الزمالة والصداقة والمعروف وحب العلم وتكوين الصداقات وتبادل الخبرات، وأحيانًا عندما نكون في كلية واحدة نتبادل الخبرات ونشكل مجموعات مراجعة للمواد التي ندرسها وبالفعل كانت تجارب ناجحة، خصوصًا إذا اخذنا بعين الاعتبار الجدية، والاستفادة من خبرات الزملاء في تخصصات متشابهة وأحيانًا متباينة.
رغم الوضع الطلابي البسيط إلا أن ما يجمعنا ونتشارك فيه في بيئتنا الطلابية يخلق بيننا الألفة والمحبة والصداقة الحقيقية، ظلت علاقتنا ببعضنا كبحرينيين دارسين في جامعة الكويت وثيقة ومتأصلة وكنا نلتقي في مناسبات متعددة، ولكن كما هي سنة الحياة لا شيء يدوم على حاله، فقدنا أعزاء وزملاء دراسة وعمل، مثواهم الجنة ورضوان النعيم، كما كونا صداقات مع زملاء لازلنا نتواصل معهم ونتذاكر معهم أيامًا جميلة لا تنسى، فالمجتمع الطلابي يعد مرحلة من العمر زاخرة وحبلى بالذكريات الجميلة النابعة من حب وإيثار وتعاون ومنافسة للخير والإبداع والتميز.
بالفعل هذه البواكير في الحياة وما كنا نستمع إليه، ممن سبقنا تكونت في مخيلتنا مواقف كنا فيها مدفوعين لعمل الخير داخليًا في أمور تخصنا أو تخص زملاءنا في الدراسة، كلما كبرت الأسرة كلما احتاجت بالفعل للالتقاء وتبادل الرأي والمشورة ونحن بحاجة لأن نكرس هذه القيم في مجتمعنا ونحرص على تدعيم الأواصر بيننا، فالتحدي بقدر ما يواجه الدول والأمم؛ فإن هذا التحدي يواجه أيضًا الأفراد والجماعات ولابد من أن ندرك أن التعاون والتفاني في خدمة المجموع فيه إغناء لكل عمل خير ننشده لمجتمعنا ووطننا، ونشعر بأننا مدينون لأهلنا وأسرنا وفي نفس الوقت نحن أصحاب رسالة مجتمعية كلفنا بها من خلال معتقداتنا وقيمنا وما أملاه علينا مجتمعنا من تبعات علينا الأخذ بها وتحمل كامل المسؤوليات التي فرضت علينا من أجل خير الوطن والمواطنين.
ما نتعرض وتتعرض له منظومات من القيم في مجتمعاتنا المعاصرة، فنحن لابد أن نتشبث بقيم تبناها مجتمعنا في أوطاننا العربية مشرقًا ومغربًا وإن اختلفت قليلًا العبارات تبعًا لمدلولاتها وتشبث الآخرين بها سنظل نقول ونردد عبارة «كل مشروك مبروك» لما لمسناه من تجارب من سبقنا وتمسكهم به وتشبهم بمدلولاته لخيرهم وخير المجتمع الذين يعيشون فيه.
ولعل فيما فطن إليه مجتمعنا من فوائد ومردود طيب على علاقتهم مع بعضهم بعضًا من خلال تطبيق ما آمنا به «كل مشروك مبروك» زادهم لحمة ومحبة ووفاء لأوطانهم ومجتمعاتهم.
وعلى الخير والمحبة نلتقي...