طباعة
sada-elarab.com/641468
ستظل مكانة الأجداد والجدات في مجتمعاتنا العربية مصونة ومحفوظة
يحلو لنا في لهجتنا البحرينية أن نقول لجدي أبي العود، سواء كان من جهة الوالد أو الوالدة، وكذلك نقول لجدتي أمي العودة من الأم أو الأب، فالجد والجدة هما من الأركان الأساسية في لُحمة الأسرة وعمادها الأساسي وهما من يشيعون العطف والحنان على أفراد الأسرة جميعًا، وهما الملجأ الذي نستدر عطفهما إذا ما أردنا حاجة لنا وطلبنا مبلغًا من المال فهما لا يترددان في تلبية طلبنا، رغم الظروف الضاغطة أحيانًا.
رحم الله من انتقل منهم للدار الآخرة وأشاع الله على من بقي منهم السعادة والصحة والهناء.
تعلمنا من الجد والجدة احترام الكبير والعطف على الصغير، وتعلمنا منهم الصبر وتحمل ظروف الحياة، وتعلمنا منهم الوصل وزيارة الأقارب ولو كانوا في أماكن بعيدة؛ فصلة الأرحام واجبة والجلوس معهم والاستفادة من تجاربهم تزيد المرء خبرة وفهمًا وحكمة، إضافة إلى زيادة الوعي بالانتماء إلى الأسرة الممتدة.
تعلمنا من الأجداد والجدات الصبر وتحمل المشاق، والإيمان بالقضاء والقدر، رغم قلة فرص التعليم عندهم لكنهم ولله الحمد درسوا القرآن واحتكوا بالكثير من الديانات والمذاهب الأخرى، وأدركوا بسماحتهم ضرورة العيش المشترك، والتعاون لما فيه الخير للجميع.
كانت الجدات ترعى الأم الولود وتوفر لها كل مستلزمات النفاس وتساعد في الطبخ والاعتناء بالمولود الصغير.
تعلمنا من الأجداد والجدات قصص الأمم الغابرة ولم يبخلوا علينا في ذكر «الحزاوي» في الليالي إلى أن نخلد للنوم.
بفطرتهم وسليقتهم وتجربتهم في الحياة أدركوا فوائد بعض المأكولات والخضراوات، وأسهموا في الطب الشعبي وأدركوا فوائد الأعشاب الطبيعية في علاج الكثير من الأمراض البسيطة التي كانت شائعة في تلك الأزمان.
لم يترددوا في المشاورة وأخذ رأي أقربائهم أو جيرانهم في بعض ما يعن عليهم، أدركوا أن من هو أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة.
حرصوا على أن نلتحق بالكتاب نتعلم تلاوة القرآن الكريم، ولما فتحت المدارس النظامية أبوابها لم يترددوا في تشجيع الأولاد والبنات على الالتحاق بالمدارس الابتدائية، بل إنهم آمنوا بالتعليم طريقًا إلى المستقبل -رغم شحة الموارد المالية- فقد شجعوا أحفادهم على نيل أعلى الشهادات والالتحاق بالجامعات خارج الوطن يوم لم يكن عندنا جامعات مثل هذه الأيام، آمنوا بالعلم طريقًا لبناء الأوطان.
سافر الأجداد لطلب الرزق في أرض الله الواسعة، خاضوا غمار البحر بحثًا عن لؤلؤ المحار، سافروا إلى البلاد المجاورة والبلاد البعيدة طلبًا للرزق الحلال ولكي يستقيم أمر الأسر.
وفي الوطن تعاونوا مع بعضهم بعضًا في بناء البيوت وأحيانًا نصب الحظور في البحر لصيد الأسماك.
وعندما كان الرجال يذهبون إلى الغوص والأسفار كانت الجدات يقمن بدور المحافظة على الأسرة والسعي لضمان العيش الكريم لها وتوفير احتياجات الأسرة من الغذاء والملابس.
نحن جيل مدينون للأجداد والجدات بالكثير؛ فحكمتهم جعلتهم ينشدون الخير للأسرة تعلمن الخياطة وتطريز الملابس النسائية في المناسبات المفرحة، تعاون في الكثير من الأمور المنزلية والحياتية، وتبادلن الأطباق الغذائية في المناسبات كانت جلساتهن في الضحى جلسات خير وبركة، فيتبادلن النصائح والخبرات والتجارب ويعطفن على الأطفال ويسهلن إرضاع الأيتام.. كانت النساء في رمضان تحديدًا يتبادلن الأطباق وقبل ذلك يجهزن المواد الغذائية ويسهمن في توفير الحاجات الضرورية؛ خصوصًا للأسر المحتاجة، لم تكن جلساتهن مقصورة على الأحاديث وإنما كن يسهمن في توفير الحاجات الضرورية للمنازل وكذلك للنساء والبنات، تعلمن خياطة الملابس عندما تم استيراد مكائن الخياطة من الهند وبعض الدول الأوروبية.
ستظل مكانة الأجداد والجدات في مجتمعاتنا العربية مصونة ومحفوظة؛ فالحياة لا تستقيم إلا بهم، وسنظل نحن بحاجة دومًا لخبراتهم وتجاربهم فهم البركة في كل بيت، والجلوس معهم يشعرنا بالطمأنينة وراحة البال.
كما يجعلنا مطمئنين على أولادنا، ودائمًا عندنا المرجعية التي نلجأ إليها عندما تدلهم الخطوب.
حفظ الله الأجداد والجدات، ووفق الله الأحفاد والأبناء للقيام بالواجب نحوهم.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.