طباعة
sada-elarab.com/616567
في أمسية جميلة من أماسي بلادنا مملكة البحرين وفي منطقة عراد الجديدة، استضافنا مشكورًا الأخ والصديق الباحث الجاد وعاشق التراث والمتيم بالتاريخ الأستاذ صقر بن عبدالله المعاودة في ضيافة كريمة، حيث التقينا في منزله المميز، سعادة الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة سفير مملكة البحرين السابق لدى جمهورية مصر العربية، والأخ السفير عبدالعزيز بن محمد العيد مدير إدارة مجلس التعاون لدول الخليج العربية بوزارة الخارجية، والأخ الدبلوماسي متقاعد أحمد محمود، وصديق الأخ صقر ياسر الهاجري، وأخاه الأكبر خالد المعاودة، وأبناء أخيه عبدالله وسلمان المعاودة، وكعادة بوعبدالله يفاجئنا في كل زيارة بإضافة جديدة في أركان وزوايا منزله ليعيدنا الى ذاكرة الزمن الجميل، والى ذلك الموروث الشعبي المتأصل، مواد تراثية، وعمارة تقليدية في الأبواب والشبابيك والأرضيات وثقافة متنوعة ومفردات من البيئة تؤصل ثقافة وفنون وتراث مجتمعنا، ويؤكد في شرحه وتحليله على الخطوات التي اتخذها من أجل الحصول على قطع تراثية ربما تناولتها يد النسيان فيعيد إليها تألقها وبريقها ووظيفتها في زوايا وأركان منازلنا التقليدية، فيحول صقر كراج السيارات إلى زوايا ومساحات تراثية فتغير المعالم القديمة ولا تتبين هويتها قبل التعديل، وإذا بك ترى نفسك وأنت داخل إلى ساحة صغيرة لكنها مليئة بالذكريات والعمارة التقليدية بتصنيفاتها المتنوعة من أبواب وشبابيك وأرضيات ومنحوتات وتفنن في معطيات الجبس الذي يبرز العمارة التقليدية البحرينية بأيدي حرفيين مهرة اشتهروا في وقت من الأوقات ببناء البيوت الكبيرة والصغيرة، بحيث تميزت العمارة البحرينية واتخذت من الزخارف والنقوش ما يمكن أن نطلق عليه بالمعمار الحضاري البحريني المميز.
صقر بن عبدالله المعاودة لأنه مولع بالقديم فيحتفظ بمكتبة تحوي الكتب المدرسية القديمة كالقراءة الرشيدة وغيرها والتي تأتينا من مصر، فكانت مناهجنا الدراسية في مراحل الابتدائية تحديدًا مناهج مصرية فائقة الدقة والأمانة وتشعرنا بأهمية الكتاب وبما يحويه من قصص وحكايا هدفها التوعية والتثقيف ونحن في سن مبكرة، ونشعر كوننا تعاملنا مع هذه المناهج بالارتباط الروحي بها ونتذكر أيامنا الحلوة، وحقيقة نشعر بالضعف الإنساني ونحن نعيد ذكريات تلك المناهج المبهرة وهي في البداية والنهاية شكلت ثقافتنا وفهمنا وإطلاعنا. ولا تفيق من الذكريات إلا عندما ينقلك الباحث صقر إلى غرفة أخرى بها كنوز الثقافة البحرينية من مؤلفات وكتب وتسجيلات ومقتنيات تراثية تعيد لنا ذكريات الاستماع إلى الإذاعات العربية وقتها، ومنها طبعًا «إذاعة صوت العرب»، وذكريات تلفزيون أرامكو، والمؤلفات والشخصيات الثقافية المؤثرة من مدينة المنامة ومدينة المحرق وبقية مدن وقرى البحرين وما تزخر به من ثقافة وعلم ومعرفة ويحيلك صقر المعاودة إلى غرفة أخرى وإذا بك وجهًا لوجه مع مواد تراثية أصلية تم الاحتفاظ بها بصورة متقنة ومحافظ عليها، وكل قطعة لها تاريخ في كيفية الحصول عليها واقتنائها والصعوبات والإشكالات التي واجهته وهو الآن يشعر بالسعادة الغامرة كونه حصل عليها وأصبحت جزءًا من التاريخ وجزءًا أساسيًا في بيته.
إن هذه القطع على ندرتها وتميزها تصبح الجهود التي تبذل للمحافظة عليها ليست سهلة، وهي على كل حال مقدرة عند من يقدرها ويشعر بأهميتها وما تمثله من عادات وتقاليد لها قيمتها ومكانتها ليس في نفوس من يقتنيها فقط وإنما هي في نفوس من عايشوا الفترة من الزمان التي وجدت فيها ووظيفتها التي أسندت إليها.
لقد عشنا لحظات هي في عمر الزمن عزيزة وغالية، خصوصًا أنها تعيدنا إلى الماضي الجميل على بساطته ورونقه والناس المتعلقين به. شعرت حينها شعورًا إنسانيًا تمنيت فيه أن يكون في كل بيت بحريني غرفة أو زاوية تحكي بالمفردات التي فيها مواد تراثية تعامل معها الآباء والأجداد وهم يقدرون ما يملكون ويحافظون عليه ما استطاعوا.
ولأن صقر عاشق للتراث ومفرداته فهو يحرص على أن يضيف لكل قطعة بين يديه إضافة جديدة هي صحيح أنها ابنة التراث لكن توظيفها في مادة تراثية يضفي عليها بريقًا ويضيف إضافة جديدة في خطوة هدفها أن التراث ليس مادة ميتة وإنما يمكن توظيفه والاستفادة منه في مجتمعنا المعاصر برؤية متجددة مع المحافظة على القيمة التراثية المتأصلة.
ميزة صقر أنه مطلع على الموروثات في بعض بلداننا العربية وبالذات جمهورية مصر العربية ويشعر بالامتداد الطبيعي لنا نحن كأمة عربية نتشابه في موروثاتنا وثقافتنا ونشعر بأننا امتداد زمني وحضاري لبعضنا بعضًا مهما قسى الزمان وحاول البعض أن يغير من مفهومنا لبعضنا بعضًا والحياة، فأمة بلا تراث وحضارة ناقصة الهوية والتمسك بالقديم لا يعني أبدًا التخلف عن الركب فقديمًا قيل في المثل المصري «من فات قديمه تاه» ونحن اليوم مدعون للاستفادة من تجارب أبنائنا البحرينيين الذين يجمعون التراث في مختلف مدننا وقرانا وهم ولله الحمد كثر وليت المعنيين بالأمر في بلادنا يخصصون أماكن لعشاق التراث ليعرضوا الموروثات المجتمعية على أجيالنا الحاضرة ليدركوا قيمة الأشياء التي بين أيدينا وظلت متحدية الزمن وكتب لها البقاء، وأنا واثق بأن هذا سيكون بمثابة الجذب السياحي والحضاري والثقافي لكل من يزور مملكة البحرين من الأشقاء والأصدقاء وذوي الاهتمام بالتراث المادي والمعنوي.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..