طباعة
sada-elarab.com/604616
قال سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم «تهادوا تحابوا»، فالهدية عنوان المحبة وهي رمز للصلات الوثيقة بين الناس كنا طلبة بجامعة الكويت من عام 1968-1972م في السكن الداخلي بالشويخ.
وكانت الجامعة قد احتضنت طلبة من الدول العربية والخليج العربي وبعض الدول الآسيوية والدول الأفريقية بمنح دراسية عنوان للتعاون الوثيق بين دولة الكويت وهذه الدول، واعتبرنا يومها ما وفرته حكومة دولة الكويت مشكورة من سكن وغذاء ومواصلات ومنح مالية شهرية أو مكافأة لنيل درجات الممتاز وجيد جدًا بمثابة الهدية العظيمة والمعتبرة من دولة شقيقة كان همها أن تتيح المجال للطلبة لنيل العلم والمعرفة من خيرة الأساتذة والدكاترة والمختصين في مختلف المعارف والعلوم. وكانت هذه الفرصة متاحة للجنسين من الطلبة والطالبات في السكن الداخلي تعرفنا على أشقاء وأصدقاء واستفدنا من خبراتهم وعلمهم وتواصلت صلتنا بهم بعد التخرج. أتذكر أننا سكنا مع طلبة أردنيين وفلسطينيين بالإضافة إلى طلبة من البحرين والخليج العربي وتحديدًا دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان.
كان الزيت والزعتر هدية لنا من الطلبة الأردنيين والفلسطينيين، وكانت هدايانا لهم الحلوى والمتاي، وكانت هدايا الطلبة من دول شمال أفريقيا الحلويات المتنوعة وتمر دجلة نور، وهدايا طلبة سلطنة عُمان الحلوى العُمانية، وكانت هدايا طلبة دولة الإمارات العربية المتحدة مختلف أنواع الغتر وأجود أنواع الكندورة.
كان الشعور الإنساني بيننا هو يأتي في مقدمة كل شيء فلم نكن نشعر في يوم من الأيام بالغربة وإن كان الحنين إلى الوطن يكون ماثلاً، ولكن المعرفة والصداقة كانت في مقدمة اهتمامنا.
كان همنا أن ننال الدرجات العليا والمعرفة في مجال تخصصنا، وقد وفرت جامعة الكويت خيرة الأساتذة العلماء في مجالات متخصصة عديدة من مختلف دولنا العربية وبعض البلدان الأجنبية، وكنا نشعر أحيانًا أن أربع سنوات لا تكفي لنيل هذه المعارف التي يتحلى بها هؤلاء الأساتذة العلماء.
فقد كانوا أصحاب تجربة واسعة وتخصص دقيق علاوة على مؤلفاتهم ودراستهم المعتبرة عالميًا، وكانت هذه بمثابة أجمل هدية يقدمونها لنا. وميزة بعض هؤلاء الأساتذة أنه تم تواصلنا معهم بعد التخرج إلى أن اختارهم الله سبحانه وتعالى إلى جواره. إن العلم والمعارف هي أجمل هدية يتلقاها الطالب من أساتذته، فتجارب هؤلاء العلماء، لا تقدر بثمن.
وأتذكر أن الأستاذ الدكتور شاكر مصطفى من سوريا كان يقول لنا «يا أبنائي إذا شعرتم بعد تخرجكم أنكم اكتفيتم بالعلم والمعارف التي تلقيتموها فقد فشلنا كأساتذة في تعليمكم، لأن من واجبنا أن نغرس فيكم حب المعرفة والسعي لطلب المزيد من العلوم والمعارف».
فعلاً كان الأساتذة الذين كان لنا شرف نيل العلم منهم يمثلون قامات من علمائنا الذين نفخر بهم، فقد كانوا فيما بينهم يتحاورون ويستفيدون من علوم بعضهم بعضاً، وكان شعورهم أنهم في سفينة واحدة، وأن مؤلفاتهم يتم تداولها فيما بينهم، وأتذكر أنه كان من تقاليد جامعة الكويت وقتها استضافة أساتذة زائرين من مختلف التخصصات، وكان هؤلاء الأساتذة الزائرين علماء في تخصصهم ولهم مؤلفات يشار إليها بالبنان كل في مجال تخصصه، وكان الأساتذة يتحلقون حولهم ويحثوننا على الاستفادة من تواجدهم لمدة قصيرة وكان هؤلاء الأساتذة الزائرين يعقدون جلسات ومحاضرات يتشارك فيها الأساتذة والطلبة شعورًا من الجميع أن العلم لا حدود له، وأن طالب العلم والمعرفة لا يتقيد بمنهج وبكتاب وإنما ينشد المعرفة أينما وجدت.
إن التواصل بين الأساتذة والطلبة يخلق مناخًا علميًا لا حدود له.
إننا في حياتنا العملية نحتك بأخوة من مختلف البلدان والثقافات، وكذلك مختلف التجارب الحياتية، وتعاوننا مع بعض وفتح آفاق المعرفة معهم يفيدنا قطعًا في إنجاز أعمالنا على خير ما يرام.
إن تجارب الحياة هي أجمل هدية تقدم إلينا، فالثقافة والمعرفة والعلم لا تأتي فقط على مقاعد الدراسة، وإنما الحياة بكل تجاربها ونجاحاتها وإخفاقاتها تضيف إلينا خبرة وعلمًا وتجربة... ما أجمل أن يتم بيننا تبادل العلوم والمعارف والتجارب الحياتية، فاختلاف ظروفنا في بلداننا التي ننتمي إليها يضيف الكثير إلى معرفة أشقائنا بتجارب الحياة المتعددة.
نعم لازلنا نحن إلى مقاعد الدراسة والظروف الحياتية التي كنا عليها، ولكن أيضًا سنحن إلى هذه الأيام التي نلتقي بزملاء عمل جمعتنا ظروف متعددة فاستفدنا خبرة وتجربة، واعتبرنا ما حصلنا عليه بمثابة الهدية التي لا تقدر بثمن، فمعرفة الرجال كما كان يقال في أدبياتنا كنز ومكسب وهدية معتبرة، لأننا نتكلم عن ثقافة وتجربة حياة وعلم ومعرفة، وأجمل ما يملك أحدنا هو ما مر به من تجارب وكيف استطاع أن يستفيد منها، ويبني حياته بتواضع العلماء وفهم أصحاب التجارب الناجحة.
وعلى الخير والمحبة نلتقي...