طباعة
sada-elarab.com/586658
كلٌ في مجتمعه له المكانة الخاصة التي نالها سواء بالعلم أو الدراية أو الخبرة والتجربة، أو صفات محمودة عرفت عنه بين الناس أو في محيطه الصغير، أسرته وجيرانه وأصدقائه... وتاريخنا القديم والحديث والمعاصر شهد نماذج من البشر كانت لهم المكانة الرفيعة والتي عرفوا بها وميزتهم ربما عن سواهم، وتشاء الأقدار أن يترجلوا عن هذه المكانة لأسباب لا حصر لها وكنا نسمع من أولئك المتعاطفين معهم وهم يقتبسون من وصية رسول هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم عندما جاءته «سفانة بنت حاتم الطائي» تشتكي حالها قائلة: «يا محمد لقد هلك الوالد وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بسيد أحياء العرب... فإن أبي كان سيد قومه، يفك العاني ويحفظ الجار، ويطعم الطعام، ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام ويعين الناس على نوائب الدهر، وما أتاه أحد، ورده خائبًا قط، أنا بنت حاتم الطائي».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله هذه أخلاق المسلمين»، وقال صلى الله عليه وسلم «اتركوها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق»، وفك أسرها هي ومن معها إكرامًا لخصال أبيها... وقال رسول الله «ارحموا عزيزًا ذل، وغنيًا افتقر وعالمًا ضاع بين جهال»، فلما سمعت «سفانة» بذلك دعت له وعادت إلى أخيها «عدي بن حاتم الطائي» وأخبرته عن كرم الرسول وعفوه وأنه أرق الناس خصالاً يحب الفقير ويفك الأسير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير، وليس هناك أجود منه ولا أكرم، فلما سمع بذلك عدي أدرك أن الإسلام مثل نبيه، يدعو لمكارم الأخلاق، قدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأخته سفانة وأسلما، فكانت رحمة النبي بهما هي السبيل لهديهما.
إن الحرص على مكانة المرء في مجتمعه يجعله بالضرورة حريصًا على مكانة الآخرين قد نخطئ ويجانبنا الصواب فنتسامح وليعذر بعضنا بعضًا، ولنحفظ مكانتنا بين قومنا وبين أصدقائنا ومن نحب صحبتهم وعشرتهم، وبذلك نحفظ مكانتهم ومنزلتهم والظروف التي هم عليها، فيكون التفاهم بيننا وبما يحفظ مكانتنا بينهم.
إن المواقف المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتطلب العناية الفائقة في الحفاظ عليها وتنميتها... نعلم أن التحديات جسيمة، والوقوف مع تداعياتها تتطلب الحكمة والتبصر والرؤية لكي تبقى مكانة الدولة أو المجتمع مصانة ومهابة ومحترمة... وليس بغريب عندما نسمع إن بعض بلداننا العربية - ولله الحمد - نالت المكانة التي تستحقها في المحافل الدولية والمنظمات المتخصصة، وتمت الإشادة بمنجزاتها على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وذلك قطعًا يشعرنا بالفخر والاعتزاز، ويجعلنا ويجعل مواطني هذا البلد في راحة نفسية وشعور إنساني بالفخر والاعتزاز، فمكانة المواطن من مكانة وطنه، والحرص على هذه المكانة لا يكون إلا بالبذل والعطاء والتفاني في خدمة الوطن وأهله.
وعندما نتراجع لا سمح الله عن المكانة التي نستحقها قد نجد من يتعاطف معنا وقد نجد من يشمت بناء ومن هنا قد نسمع من يواسينا بالقول: «ارحموا عزيز قوم ذل»، ومثل ما ينطبق هذا القول على الأوطان فإنه أيضًا ينطبق على الأفراد، وشعور الآخرين بالغير والتعاطف معهم من الأمور المحمودة والمبتغاة، لأن التعاون والتكاتف المجتمعي يتطلب منا أن نواسي من يعيشون بيننا في وطن واحد أو تربطنا بهم علاقات متعددة ومتشابكة، لأننا في حقيقة الأمر محتاجين لهم مهما عظمت أو قلت مكانتهم فلا شك أن لهم أدوارًا في الحياة قد تغيب عنا برهة، لكنها في الواقع موجودة وتؤدي دورها بكل أمانة وصدق قل هذا الدور أو كبر.
فالمرء منا يشعر بأهمية دور الآخرين له، ويدرك أن الحاجة قد تكون عنده أو عند غيره فلا يظن أحد أن البشر خلقوا عبثًا، وإنما لكل دوره في الحياة، وعلينا أن نتقرب من هؤلاء فنشجعهم على البذل والعطاء وإشعارهم أن ما يقومون به هو شيء عظيم وله مكانته ونحن من دونهم لا نستطيع أن ننجز عملنا على خير ما يرام وعلينا أن نحترم الأعمال التي يقومون بها ولو كانت بسيطة، فظروف كل واحد منا تتباين، والحظوظ هي مقدرة وأصحابها قدر لهم أن يكونوا في هذا الموقع أو ذلك.
قد نتعرض في حياتنا إلى ظروف قاسية أبعدت البعض عن الأوطان أو قدر له الرزق في أوطان بعيدة عن وطنه الذي ولد وعاش فيه، ولكنه يظل عزيز الجانب طالما عمل بجد وإخلاص وتفانٍ، وكان الحريص على خدمة الآخرين وتقديم النصح لهم ونقل تجربته الحياتية والعلمية لمن يعيش بينهم أو في الوطن الذي يخدمون فيه.
نعتز عندما نسمع أن هناك خُبرات من وطننا العربي على اتساعه وهي تعمل في دول أجنبية شرقًا وغربًا وتتفوق بعلمها ومثابرتها وعطائها على الكثيرين ممن هم أبناء الوطن الأصليين، وندرك كم هي عزيزة وغالية خبرتهم وتجربتهم، فهم بذلك أبناؤنا الأعزاء الذين نقدر فيهم هذه الروح الوثابة والمدركة لدورها في الحياة والرسالة التي تحملها عن ثقة وإيمان وقدرة على البذل والعطاء بلا حدود.
وعلى الخير والمحبة نلتقي...