طباعة
sada-elarab.com/581347
تعلمنا من الحياة أن نكون متكاتفين لتحقيق ما نصبو إليه، وكان الأجداد والآباء يوجهوننا للعمل المشترك ليس بالقول فقط وإنما من خلال سلوكهم الإنساني الذي آمنوا به، وضربوا أروع الأمثلة في الأعمال التي تصدوا لها بكل ثقة واطمئنان مدركين أن التعاون هو الشعار الذي يقودهم إلى الإنجاز المتقن والذي يحقق طموحهم في العيش الآمن المستقر وبما يضمن سرعة ودقة الإنجاز على إعتبار الخبرة التي يتمتع بها البعض وتجارب الحياة التي خاضوها في مختلف المهن والواجبات.
كان الميدف وهو المكان المخصص لإرساء السفن بعد انتهاء موسم الغوص على محار اللؤلؤ أو التجارة التي كانوا يطلقون عليها «القطاعة» والميدف كان بأسماء النواخذة (ربابنة السفينة) أو الوجهاء الذين عرفوا بامتلاكهم السفن، أو بالمهن البحرية التي برعوا فيها وكان هناك أكثر من ميديف في مدن وقرى البحرين، ولا يقتصر إصلاح السفن على من يملك الميدف وإنما كل سفينة تحتاج إلى صيانة بالإمكان أن تستعين بميدف مثل ميدفات المحرق والمنامة أو بميدفات الحد وقلالي والزلاق والبسيتين أو في قرى ومدن البحرين البحرية الأخرى ومن خلال الأعمال المشتركة التي تصدوا لها برزت عندهم الخبرة والتجربة المميزة، ويمكن الاستعانة بهذه الخبرة على امتداد الوطن، بالإضافة إلى مهنة «القلافة» التي اشتهر بها بعض البحارة من خلال التجربة أو من خلال توارث هذه المهنة أباً عن جد، وكانوا مميزين وبارعين في المهنة التي تصدوا لها، ورغم ذلك فإنهم لا يتورعون عن الاستفادة من بعضهم بعضًا، فقد يكون أحدهم معروفًا في إنجاز جزء معين ومهم من السفينة فيستعان به، وكانت في بداية عهدهم الاكتفاء بتقديم وجبات الإفطار أو الغداء، وبعد ذلك يتم الاتفاق على مبلغ بسيط نظير الأعمال التي يقوم بها القلاف مكتفيًا بأجرة عمله اليدوي وعلى مالك السفينة إحضار المواد التي يحتاجها القلاف لترميم وإصلاح السفينة.
كنا صغارًا يروقنا رؤية القلاف وهو ينجز عمله ويتقن صنعته ونسمع من بقية مساعديه والحضور القصص والروايات التي كانوا فخورين بذكرها والتي كانت عن أحداث الغوص ومفاجآته وكذلك البحر وأهواله، وما كانوا يتعرضون له من مشاق في الإبحار أو في البلدان التي يلجأون إليها، وكأنهم يلقنوننا دروسًا في تجارب حياتهم وعلينا أن نستوعب كل ما يقال، وإذا وجدوا أن مفهومنا لا يستوعب ما يقولون، يأخذوا على عاتقهم تبسيط الأمور وشرحها شرحًا دقيقًا ويستعينون بمن يملك توصيل المعلومات بشكل يناسب أعمارنا وطبيعة مفهومنا للأشياء والتعبيرات البحرية التي برعوا فيها... وكانوا لا ينسون الرجال الذين أبلوا بلاء حسنًا في الغوص أو السفر أو التجارة لكي يوصلوا إلينا الأمثلة الحية والقدوة، وكأنهم يقولون لنا: «نريد منكم أن تكونوا أمثال هؤلاء الرجال عندما تكبروا». صحيح أننا دخلنا المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية إلا أن أحاديث هؤلاء الأجداد والآباء كانت بمثابة دروس الحياة التي لا غنى لنا عنها.
لقد أشعرونا إن السفينة التي كانت تضمهم هي بمثابة البيت الواحد الذي يحرص الجميع على العناية والإهتمام به مهما اختلفت أوطانهم الأصلية التي جاءوا منها ومهما كانت أعمارهم والخبرات التي يتحلون بها، مدركين بما لا يدع مجالاً للشك أن تراكم الخبرة والتجربة والتفاهم على التعاون والاستفادة من بعضهم البعض وتوطين النفس للاستفادة من الخبرات وتجارب الحياة والمواقف الإنسانية لديهم مما يجعل الحياة سهلة رغم الصعاب التي كانوا يتعرضون لها.
تغيرت في حياتنا معطيات الدنيا وبتنا نواجه تحديات شتى، مختلفة ومتباينة عما واجهه الأجداد والآباء ولكن علينا أن نؤمن بأن الشيء لا يدوم على حاله وإن التعقيدات هي غير ما كان موجودًا في حياة من سبقنا ربما بمئات السنين، ولكننا معنيون بخوض التجارب بالمفهوم الحديث في حياتنا والإيمان بقدراتنا الذاتية على مواجهة التحديات واقتناص الفرص التي تمر في حياتنا والشيء الوحيد الذي يجب أن لا ينسينا هو التعاون والتكاتف مع بعضنا بعضًا لمواجهة تقلبات الحياة والتغيرات الجارية سياسيًا واقتصاديًا وتجاريًا وماليًا واجتماعيًا وثقافيًا وعلميًا وصحيًا.
ترى هل نحن جاهزون لخوض غمار الحياة بكل تعقيداتها ومتغيراتها؟! أم أن إرادتنا تقف عاجزة عن هذه المتغيرات نظريًا يمكن أن نقول إنه لا يمكن أن نقف عاجزين ولابد من مخرج أو مخارج ولكن عملياً مطلوب منا التكاتف والتعاون والحرص على الإنجاز والإتقان وأن نتشارك في الخبرات والتجارب بما يحفظ مجتمعاتنا وأوطاننا، ونكون قادرين على مواجهه التحديات المختلفة بروح الفريق الواحد الذي يحفظ أوطاننا ومواطنينا ويزرع الأمل في نفوسنا من أجل البذل والعطاء والنماء.
وعلى الخير والمحبة نلتقي