طباعة
sada-elarab.com/577352
نحتفل جميعا مصريين وعربًا هذه الأيام بذكرى العاشر من رمضان ونصر أكتوبر المجيد، الذى جسد خلاله أبطال قواتنا المسلحة، أروع وأعظم البطولات والتضحيات التى سجلها التاريخ بأحرف من نور، فى الدفاع عن الوطن.
فالحديث عن حرب أكتوبر، وحجم الانتصار العظيم فى معركة كبيرة خاضها الأبطال البواسل، لا تكفيها سطور وإنما تحتاج لكتب ومجلدات لسرد البطولات التى سطرها جنودنا، وإن كانت تلك المجلدات لن تستطيع رصد كل البطولات فى هذه الملحمة العظيمة.
فحسب وصف الخبراء، هى أكبر معركة بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما انقلبت موازين القوى، وأبهر المصريون العالم، بتحقيق «العبور المستحيل»، بفضل الروح القتالية، حتى أعقبها الدبلوماسية المحنكة، والتى نجحت فى استرداد كل ذرة تراب، جرى احتلالها، ليرفرف العلم المصرى عليها.
بالتأكيد، حسم هذه المعركة، جاء نتيجة لأعوام من دراسة الوضع، مرورا بدقة التخطيط، حتى براعة التنفيذ، ليضرب المصريون أروع صور البطولة، فى مشهد وقف العالم أمامه منبهرا بعد بسالة الأداء، وتحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر، بعبور قناة السويس، وتدمير خط الدفاع الحصين.
حقا.. المصريون لا يعرفون المستحيل، فعند الحديث عن خط برليف، الذى وصفته إسرائيل بأنه أقوى من خط ماجينو الذى بناه الفرنسيون عقب الحرب العالمية الأولى، فنذكّر مجدا أنه ضم 22 موقعا دفاعيا، 26 نقطة حصينة، ومبانى محصنة بالأسمنت المسلح والكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديد، لصد أى أعمال قصف جوى، ضمت كل نقطة 26 دشمة للرشاشات، و24 ملجأ للأفراد، بجانب دشم خاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات، ومناطق الألغام، بجانب القوات المدرعة المتحركة.
وفى اللحظة الحاسمة، تمكن الأبطال البواسل، فى ظرف 6 ساعات من تدمير هذا «المستحيل الهش»، أمام إرادة وعزيمة وقتال أبطال قواتنا المسلحة، بعدما أفقدت العدو توازنه، بعد الهجوم بالضربة الجوية المباغتة التى استهدفت المواقع الحصينة، وتمكن الجنود من العبور، وتحقيق الانتصار العظيم، بعدما تكبد العدو خسائر فادحة، وفشل فى توجيه ضربات لقواتنا كما ادعى بغرض تعطيل العبور، وكذلك نجاح مصرى باهر فى صد الهجوم المدرع الإسرائيلى على امتداد خط الجبهة.
ما يجعلنا نفخر بهذا الانتصار العظيم، كونه الانتصار العربى الحقيقى فى تاريخنا الحديث، والأكثر سعادة أنه كان أمام جيش لديه أسلحة تتفوق على الموجود فى المنطقة بأكملها، فحاربنا الظروف الطبيعية والمصطنعة المتمثلة فى قناة السويس، وخط برليف وما خلفه، الذى تهاوى تحت أقدام الجنود المصريين، بعدما أنفقت عليه إسرائيل 300 مليون دولار، حققنا النصر بعظمة الجنود البواسل فى ملحمة شهد لها العالم بقدرة وكفاءة الجندى المقاتل المصرى.
ولا ننسى دور الأشقاء العرب ودورهم الكبير فى تحقيق هذا النصر، واستغلال سلاح البترول، بطلب من الرئيس الراحل أنور السادات، حينما التقى الملك فيصل بن عبدالعزيز، فى الرياض، بوقف ضخ البترول للغرب، حتى قرر وزراء النفط العرب، خلال اجتماع عقد فى الكويت، خفض إنتاج النفط بواقع 5% شهريا ورفع أسعار النفط من جانب واحد، وبعدها طلب وقتها الرئيس الأمريكى نيكسون من الكونجرس اعتماد 2.2 مليار دولار مساعدات عاجلة لإسرائيل، الأمر الذى قابلته الجزائر والعراق والسعودية وليبيا والإمارات ودول عربية أخرى، بإعلان حظر على الصادرات النفطية إلى أمريكا، التى قررت التدخل مع أعضاء مجلس الأمن أعلنت وقف إطلاق النار.
انتصار حرب أكتوبر، جسد أصالة شعب مصر وقواته المسلحة وعظمة الولاء للوطن، وغير الفكر العسكرى بعدما أصبحت عملية العبور مرجعا للجيوش الحديثة، لما جاء فيها من براعة ومهارة فى تحقيق معجزة عسكرية تؤكد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
أكثر من 47 عاما مضت على أعظم ملحمة عسكرية فى التاريخ الحديث، والتى حقق فيها أبطال القوات المسلحة أروع البطولات والتضحيات فى الدفاع عن الوطن وتحرير أراضيه، بقيادة سياسية تمثلت فى الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذى حمل مسؤولية تحرير تراب الوطن منذ توليه إدارة الحكم، لتبقى حرب أكتوبر معركة بارزة أبهرت العالم بما حققه المصريون من انتصار عظيم.
عقب تولى الرئيس السادات، الحكم، بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر عام 1970، اتخذ عددا من القرارات التى مهدت لنجاح حرب أكتوبر 1973، كان أبرزها الاستغناء عن 17 ألف خبير روسى عرف عنهم ضعف الأداء، خاصة بعد اكتشاف عدد منهم يتجسس لصالح إسرائيل، بجانب اشتراط الاتحاد السوفيتى لتزويد مصر بالأسلحة هو عدم استعمالها إلا بأوامره، الأمر الذى رفضه السادات قائلا لا أقبل فرض قرار على مصر إلا قرارى وقرار الشعب المصرى.
واجه الرئيس السادات ضغوطا داخلية وخارجية قبل قرار الحرب المصيرى، الذى كان سيتحمل مسؤوليته بالكامل أمام التاريخ حال فشل خطة هزيمة العدو، لكنه نجح بكل براعة فى تحقيق النصر على العدو الذى تفوق فى كل شيء، وانهارت أسطورة الجيش الذى لا يقهر فى 6 ساعات فقط تحت أقدام المصريين، بعد نجاحه فى خداع العدو بخطة محكمة على عدة جبهات.
بدأت خطة الحرب للرئيس السادات، عندما تولى مسؤولية البلاد، بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، بالإعداد لهذه الملحمة، فى وقت لم تزل فيه آثار عام 1967، بخصوص الوضع العسكرى الذى تسلمه من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خطة دفاعية 100% ولا وجود لخطة هجومية، حسب ما جاء فى مذكرات الرئيس السادات «البحث عن الذات» بشأن الخطة الدفاعية 200 بعد استدعائه من قبل «عبدالناصر» برفقة قيادات القوات المسلحة.
واجه الرئيس السادات، عقبات كثيرة على مختلف الأصعدة، قبل تحقيق النصر، فقد خاض حربا على أكثر من جبهة من تشكيك فى قدرته على قيادة قواته لتحقيق الانتصار، ومواجهة جبهة داخلية تكتلت فيها قوى اليسار، وجبهة عربية بأزمات مع ليبيا والسودان، وجبهة خارجية قادت حربا نفسية للتأثير على بعض النفوس والتشكيك بأن مصر لن تحارب، وإثارة تساؤلات هل نستطيع أن نضمن الانتصار والدخول فى معركة كسبانة 100%، وكيف نقاوم التفوق التكنولوجى لإسرائيل؟ كل هذه الحروب خاضها السادات بنفسه، حسب ما جاء فى كتاب «وثائق حرب أكتوبر» للكاتب الصحفى موسى صبرى.
ومع كل هذه الضغوط، أكد الرئيس الراحل السادات، حسب ما جاء فى الكتاب، أن إرادة الله هى التى اتخذت قرار الحرب، قائلا إنه لم يصبح أمامنا إلا أن نحمل السلاح لنحرر الأرض ونرفض الاستسلام بعد رفض الشعب الهزيمة ونتحمل كل العقبات والتضحيات أو نختصر الطريق ونسلم ونقبل شروط العدو، ونعيش إلى الأبد أذلاء وربما لاجئين.
تمتع الرئيس السادات بالذكاء ودهاء العقل فى وضع الخطط الاستراتيجية المحكمة التى ساهمت بشكل كبير فى هزيمة العدو وانتهاجه الدائم لمقولة «الحرب خدعة»، بعد إخفاء أى علامات للاستعداد للحرب حتى لا يقوم العدو بتوجيه ضربة استباقية على الجبهة، واشتملت الخطة على 6 محاور رئيسية تضمنت إجراءات تتعلق بالجبهة الداخلية، ونقل المعدات للجبهة، وإجراءات خداع ميدانية، وسيادية، وتأمين تحركات واستعدادات القوات المسلحة، توفير المعلومات السرية عن قوات العدو، ثم اختيار موعد الحرب 6 أكتوبر وبعد دراسة العطلات الرسمية فى إسرائيل، وجد أن هذا الميعاد الأنسب كونه اليوم الوحيد فى السنة الذى تتوقف فيه الإذاعة والتلفزيون عن البث، ما سيتطلب وقتا أطول لاستدعاء الاحتياطى الذى يمثل القاعدة العريضة فى إسرائيل.
وفى 6 أكتوبر 1973، نفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية بالضفة الشرقية للقناة، استهدفت الطائرات المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوى وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة فى خط برليف، ليلحقها قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية بالمدفعية، تحضيرا لعبور المشاة قناة السويس، وتحقيق النصر الكبير.
وتبقى فى النهاية، قيادة الرئيس الراحل أنور السادات، لحرب أكتوبر، واحدة من العلامات التى حفرت فى سجلات التاريخ، بعدما تحقق النصر الكبير، فى ظل تحمله لضغوطات من مختلف النواحى الداخلية والخارجية، لتبقى قراراته وثقته فى نفسه، العامل الرئيسى فى إتمام المهمة بنجاح واقتدار.
إننى من خلال هذه السطور أتوجه بالتهنئة للشعب المصرى والعربى وكافة زعماء الأمة العربية والرئيس عبدالفتاح السيسى بمناسبة ذكرى انتصار حرب أكتوبر المجيد العاشر من رمضان والتى جسدت روح البطولة والفداء لجيشنا المصرى العظيم وخلدت فى قلوبنا روح النصر والانتماء للوطن الغالى فى قلوبنا جميعًا.