تحقيقات
إطلاق القنوات التعليمية الجديدة.. هل يحد من ظاهرة الدروس الخصوصية؟
الخميس 19/نوفمبر/2020 - 07:26 م
طباعة
sada-elarab.com/553374
يهدف إطلاق القنوات التعليمية إلى إعداد وتوصيل المعلومات فى جميع المواد الدراسية للطلاب ، وحماية الطلاب وأسرهم من استنزاف الأموال الطائلة ، ورفع العبء عن كاهلهم، وذلك بما يقدم للطلاب من معلومات ومصطلحات تجذبهم لما هو مفيد من خلال التعليم عن بُعد ، وعدم التكدس فى أماكن غير آدمية أو استخدام أساليب غير تربوية ،
ولكن للأسف ورغم كل التغييرات التي طرأت علي العملية التعليمية ، تعد ظاهرة الدروس الخصوصية من أهم الظواهر السلبية المتفشية في المجتمع بشكل وبائي، إلا أنها ما زالت تمثل المعضلة الكبرى لدى كل الأسر المصرية، وذلك لأنها تعتبر حجر الزاوية ومفتاح الدخول إلى التعليم الجامعى، وخلال العقود الماضية تغير عدد من الوزراء محاولين كسر تقاليد ذلك النظام وهزيمته، ولكن باءت محاولاتهم جميعًا بالفشل ، وحتى الآن لم يستطع أحد منهم القضاء عليها بشكل نهائى.
لقد أعلن وزير التربية والتعليم ، أنه تم فتح القنوات التعليمية التي توفر للطلاب شرحاً لجميع المواد الدراسية بواسطة أساتذة متخصصين من الوزارة، والتي يمكن متابعتها إما عبر شاشة التلفزيون أو عبر موقع يوتيوب على شبكة الإنترنت. فضلًا عن إتاحة بنك المعرفة المصري، الذي يضم محتوى يخدم جميع الصفوف التعليمية الموجودة في مصر، ويتميز عن باقي المواقع باحتوائه على مادة علمية يقدمها ناشرون دوليون، إلى جانب وجود آلية منصة إلكترونية لإدارة التعلم، كما يقوم المعلمون بتقديم المادة التعليمية "أونلاين" من خلال هذه المنصة، كما تتيح إمكانية الرد على استفسارات الطلاب.
أراء أولياء أمور وطلاب مابين الرفض والقبول
قالت الموظفة إيمان إبراهيم وهي ولية أمر إن نظام التعليم الإلكترونى الجديد جيد جدًا، يتناسب مع التطورات التكنولوجية الحالية، لأن الطلاب في مختلف المراحل الدراسية يتقنون التعامل مع الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت ومع مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكنهم ببساطة الاستفادة منها في التعليم.
وأشارت إلى أن المشكلة قد تكمن في عدم ذهابهم إلى المدرسة بشكل دائم ، كما كان الوضع في السنوات الماضية، فإن الذهاب يومين فقط في الأسبوع لطلاب الثانوية العامة قد ينتج عنه عدم متابعة الطلاب بشكل دوري، خاصةً في ظل وجوده في أسرة عاملة إذا كان الأب والأم يعملان بشكل دائم، ما يغيب دور المتابعة في المدرسة أو المنزل.
وتابعت أن حضور الطلاب للمدرسة يومين فقط أمر له سلبياته وهي عدم تواصل واحتكاك الطالب مباشرةً بالمعلمين بشكل دائم كما كان في النظام القديم، بل سيكون الاعتماد الأكبر على التعلم عن بعد، وهذا الأمر قد لا يتناسب مع بعض عقليات الطلاب.
وأضاف أحمد على، موظف، أن نظام التعليم عن بعد سيكون مناسباً للأجيال القادمة، التي أصبحت تعتمد بشكل أساسي على استخدام الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، وتتفوق يوميًا في استخدامها ومعرفتها ومتابعتها باستمرار.
ويشير إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن في وجود بعض المعلمين من المتقدمين في العمر ممن لا يتقنون التعامل مع التكنولوجيا الحديثة بشكل كبير مثل الطلاب، وهنا تنشأ مفارقة تفوق الطلاب على مدرسيهم في هذا الجانب.
وأكد أن هناك دوراً كبيرا على الوزارة من خلال طرح المناهج والمواد على المنصات الإلكترونية بشكل جاذب للطلاب، وتقديم شرح مفصل وتام لهذه المناهج، مما يقطع الطريق على لجوئهم إلى الدروس الخصوصية، أو انصرافهم عن هذه المنصات لغيرها كالألعاب الإلكترونية وغيرها.
وترى سهام بدوي وهي ولية أمر إحدى الطالبات بالثانوية العامة أن ابنتها تأخذ الدروس منذ شهر اغسطس، وهناك سناتر تعلن الدروس عبر «الفيس بوك» حتى اكتمال العدد المطلوب، وان معظم المدرسين ذائعى الشهرة تبدأ حجوزاتهم من مائتى جنيه للمادة الواحدة، وخصصت ميزانية حوالي 1900 جنيه شهريًا من دخلها للدروس الخصوصية والمذكرات لابنتها خلال العام لتحقيق حلمها ودخولها الكلية التى تتمناها، ولكنها أبدت تخوفها من نظام الثانوية الجديد الأون لاين خشية أن تتعرض ابنتها للظلم لو لم تتكيف مع النظام الجديد.
وقال وليد ابراهيم ، موظف، أنه بالرغم من القرارات التى أصدرها وزير التربية والتعليم، إلا أن الدروس الخصوصية لم تتوقف، وزاد الإقبال عليها أكثر مما سبق بسبب تخوف الطلاب من النظام الجديد، كما أن مجموعات التقوية وحضور الحصص داخل الفصل، لن تساهم في القضاء على الدروس الخصوصية، نتيجة غياب دور التعليم الحقيقى داخل المدرسة.
كما عبر عن استيائه بسبب عدم تقدير المدرسين للظروف التى تواجه البلاد، خاصة فى ظل انتشار فيروس كورونا وتعريض صحة وحياة الطلاب للإصابة بالفيروس، مشيرا إلى أن ولى الأمر لا يستطيع أن يقف فى طريق مستقبل ابنه أو ابنته.
وقالت هيام محمد عمر، الطالبة بالصف الثالث الثانوى، رغم التشديدات التي شهدتها فى غلق المراكز الخصوصية، نهاية العام الدراسى السابق إلا أن هناك إصرار من المعلمين بإعادة فتح تلك المراكز لابتزاز الأسر، ويوجد الكثير من الطلاب الذين يتجهون الى الدروس الخصوصية في المنازل بعد غلق السناتر.
وأكد ماجد سعد، الطالب بالصف الثالث الثانوى، قبل بدء الدارسة عقد المعلمون اجتماعاَ لإيجاد بدائل ، إما لحجز للدروس الخصوصية (البرايفت) أو لبث الدروس الكترونياَ كما فضل معظمهم ، فيحجز الطالب عن طريق الإنترنت بمقابل شهرى يتراوح ما بين 80 ل 120 جنيه.
وقال هيثم محمد إنه يؤيد فكرة الامتحان أون لاين، على أن تكون بطريقة الكتاب المفتوح، ولكن يجب أن يتم تدريبهم على هذا النظام قبل الامتحانات بوقت كافٍ حتى يمكنهم حل الامتحان بشكل صحيح.
وقال على حسين، طالب بالمرحلة الثانوية، أن حجز الدروس بدأ من السناتر عبر الفيسبوك منذ شهر اغسطس، وكان يتم فتح السنتر يوم فى الأسبوع لدفع مبلغ لجدية الحجز وبعد اكتمال العدد المطلوب يتم اغلاق السنتر وتدفع الفلوس المدرس في الحصه، كما لجأ بعض المدرسين إلى عمل محاضرة أون لاين عبر اليوتيوب لجذب الطلاب للحجز معه،
وأضاف على أنه قام هو واثنين من زملائه بحجز الدروس البرايفت قبل بدء الدراسة ، وبالنسبة لنظام الثانوية الجديد قال إن فكرة الامتحان أون لاين فكرة جيدة، وهي تخفف من الضغوط والتوتر أيام الامتحانات ويتمنى أن تطبق بشكل عادل ولا يظلم أحدًا.
أراء الخبراء
يرى الدكتور أيمن البيلي، الخبير التعليمي، أن النظام الجديد يركز بشكل كبير على الامتحانات الإلكترونية، والدراسة من خلال المنصات الإلكترونية التعليمية، وأن هناك أهدافاً كثيرة لعملية التعلم عن بعد ، وكذلك أدواراً تربوية بجانب الدور التعليمى للمدرسة، إلا أنه تم اختزال عدد ساعات الدراسة داخل المدارس، فعلى مدى الـ ٨ أشهر فإن حضور الطالب يكون لمدة خمسة أيام في الأسبوع واختصر الآن الى يومين فقط ، وبالتالى فسوف يؤثر هذا سلباً على عملية التعلم والتواصل ما بين الطلاب والمعلمين، رغم محاولة تعويضها بعملية التعلم عن بعد من خلال المنصات الإلكترونية التى أعلنت الوزارة عن إنشائها أو «بنك المعرفة».
ويستكمل البيلي ، أن المنصات الإلكترونية واعتماد الطلاب عليها قد يكون غير متاح لجميع أبناء مصر، بسبب غياب شبكة الإنترنت لديهم أو عدم توافر الأجهزة لدى الطلاب، كما أن هناك طلابا من ذوى الاحتياجات الخاصة الذين قد يصعب عليهم ممارسة عملية التعليم بهذا النظام، بجانب طلاب المنازل وآخرين في فصول الخدمات، مطالبًا بمراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي لجميع الطلاب سواء في المناطق النائية أو الحدودية، التى تصلهم شبكة الإنترنت بصعوبة كبيرة، متساءلاً عن تفعيل الوزارة للدور التربوي المنوطة به، فإن المدرسة لها دور تربوي واجتماعي كبير تقدمه للطلاب لإعداد أجيال واعية ومثقفة.
وأشار إلى أن القضاء على الدروس الخصوصية بشكل نهائى يحتاج إلى تحسين أجور المعلمين أولًا، ثم تجريم الدروس الخصوصية تجريمًا جنائيًا، لأنه يستهلك اقتصاديًا ٣٠ مليار جنيه سنويًا من الإنفاق العائلي للأسرة، مما يؤثر على حركة السوق والبيع والشراء، ووجود الدروس الخصوصية يلغى دور المدرسة التربوي، ويحول التعليم إلى سلعة وليس حق للطلاب في التعليم.
ويقول الدكتور مجدى حمزة، الخبير التعليمي والتربوي، إن وزارة التربية والتعليم بذلت جهودا كبيرة جدًا لتطوير التعليم في مصر، خاصةً في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد، التي فرضت وسرعت إتباع نظام التعليم عن بعد بمختلف اتجاهاته سواء التعليم من خلال القنوات التليفزيونية أو المنصات التعليمية وغيرهما، واستمرار العمل به في العام الدراسي في مختلف المراحل التعليمية، مضيفاً أن المراحل من الحضانة وحتى الصف السادس الابتدائى ستكون بالتواصل المباشر مع المعلمين داخل المدارس، لأن هذه المراحل لا يمكن طلابهم التعامل مع التكنولوجيا.
وتابع أن النظام الجديد للتعليم في مختلف المراحل التعليمية التعليم عن بعد هما خطوة على الطريق الصحيح لكي يكون التعليم المصرى على المستوى العالمي، مع ضرورة طرح المناهج على المنصات الإلكترونية التعليمية بشكل جذاب للطلاب وليس طارداً لهم.
ويؤكد حمزة ، أن الدروس الخصوصية والسناتر ما زالت قائمة حتى الوقت الراهن، وأن معظم الطلاب في المراحل الدراسية قد بدأوا بالفعل الإقبال على الدروس الخصوصية قبل بداية العام الدراسي الجديد، فهناك سناتر تعمل حتى الان.
وطالب حمزة بالقضاء نهائيًا على الدروس الخصوصية، والذي سيتم من خلال مجموعات التقوية التي ستكون أساس التعليم مستقبلًا بجانب المدرسة أيضًا، دون وجود تعليم موازٍ، وذلك في حالة تقديمها بشكل مناسب وجيد يجذب الطلاب إليها وليست عقيمة وأن يجد الطالب فيها ما كان يجده في الدروس الخصوصية وخلق التعليم التفاعلى بين الطالب والمعلم.
والخلاصة أن الدروس الخصوصية في المجتمع المصري تحولت إلى مرض أو وباء وصارت طاعون العصر الذي يحتاج إلى علاج فعال لاستئصاله والتخلص النهائي منه، والذي لن يتم إلا من خلال مراعاة المعلمين ماديًا واجتماعيًا ونفسيًا وثقافيًا، وتدريبهم على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.