طباعة
sada-elarab.com/552193
فالحياة صعبة والعيشة قاسية والظروف المحيطة بنا تتطلب التكاتف والتعاون
يحتاج هذا العنوان لإيضاح من اللهجة العامية إلى الفصحى أو كما يحلو للبعض أن يصفها باللغة البيضاء التي هي بين بين، فكلمة «تير» بمعنى تسحب أو تجر، والمحمل هو وسيلة البحار عندما يريد أن يطلب رزقه من البحر فقد يكون صغيرًا كـ«الشوعي» و«القارب الصغير» وقد يكون كبيرًا كـ«اللنج» و«المركب» و«البوم» و«اللاحم» هو عندما يكون القارب بحجمه على اليابسة فلا يمكن أن يفيد في تحريكه الجر بالأيدي مثلاً فلابد من تعاون البحارة في تحريكه من المكان الذي علق فيه، فالجر العادي قد لا يؤتي ثماره فقد يضطرون إلى جره بوسائل ميكانيكية.
ويضرب هذا المثل أو القول عندما تتوجه بالنصيحة وإسداء الرأي لشخص لا يمكن أن يستمع إليك أو أن يغير موقفه أو يراجع نفسه ويأخذ بنصيحة الناصحين، فهو إذن كالمحمل اللاحم الذي لا يغير قناعته إلا عندما تجتمع الإرادات البشرية من زملائه لتغيير وجهة نظره، والأمثال الشعبية في بيئتنا العربية إما أن تكون في ثقافة البحر أو ثقافة الصحراء أو في ثقافة البيئة الزراعية، ولكنها بالضرورة تعكس تجربة حياة وأسلوب عيش، ونحن ورثنا هذه الأمثال والحكم منهم، البعض منا حافظ عليها وتمثلها واستفاد منها في حياته وربما نقلها لأبنائه وأحفاده، والبعض منا تناساها أو لم تعد بعد في قاموسه.
كم نحن بحاجة في أيامنا هذه وفي هذه الظروف القاسية إلى استرجاع هذه الأمثال وأخذ العبرة والعظة منها، فالحياة صعبة، والعيشة قاسية، والظروف المحيطة بنا «تتطلب التكاتف والتعاون ونكران الذات والتمعن والاستعداد التام لقادم الأيام ومواجهة التحديات بكل تلاوينها.
مطلوب منا الوعي بما يتهددنا، من مخاطر سياسية واقتصادية ومالية وثقافية وصحية واجتماعية، وعلينا أن نحسب حسابنا قبل فوات الأوان، وربما الاستماع إلى نصيحة الناصحين المخلصين تفيدنا في حياتنا وتخفف عنا آلامنا وتنير لنا الطريق.. إرادتنا الفردية على أهميتها قد لا تكون كافية لمواجهة صنوف التحديات، ولكن استعدادنا لعمل شيء مجتمعين أكيد فيه الفائدة، فمن أولى أولياتنا هو أن نستمع لبعضنا بعضًا ونتشاور ونتبادل الرأي فيما بيننا فقديمًا قيل «ربع تشاوروا ماذلوا»، والأهم أن تكون عندنا إرادة التغيير من حال إلى حال، وأن يكون عندنا الاستعداد للتعاون ومواجهة كل ما يستجد وذلك لا يكون إلا بالاستعداد التام وأخذ الحيطة والحذر والأخذ بالأسباب المؤدية إلى النجاح في السير قدمًا نحو الأهداف المرسومة.
كان البحارة يدركون أنه إذا «المحمل» كان في وضع «اللاحم» يحتاج بعد وضعه الطبيعي أن يعاد النظر في كل أقسامه والبحث عن الخلل فقد يكون الخلل ميكانيكيًا أو لوجستيًا أو بشريًا، فدراسة الخلل لا يعني منقصة أو مثلبة فقد أدركوا بسليقتهم أن المسؤولية عليهم جسيمة وإصلاح الأمور قد تستغرق وقتًا، ولكن المحمل وهو وسيلة ارتزاقهم لابد من إيجاد وإصلاح الخلل، والتكاتف في سبيل أن تكون السفينة تمخر عباب البحر بكل ثقة في النفس والإيمان بأن طلب الرزق يحتاج إلى المثابرة وبذل الجهد لخير الجميع.
كان الأجداد والآباء يقضون لياليهم وأيامهم على ظهر السفينة وكانت بالنسبة لهم بيتهم الذي لا غنى لهم عنه، وقدر لهم أن يكون كل واحد منهم مسؤول مسؤولية تامة عن إجزاء السفينة، بل أن البعض تخصص في كل جزء من أجزائها؛ فإذا حدث خلل يعرفون بالضبط من هو الشخص فيهم الذي يستطيع أن يتصدى لهذا الخلل بالإصلاح وكان جدي لامي يرحمه الله حسن بن علي البدر -مثواه الجنة ورضوان النعيم- متخصص في رفع المرساة على ظهر السفينة وإذا علقت في عمق البحر يغوص لكي يحررها مما علقت به وقد يستغرق ذلك بعض الوقت، ولكنه يرحمه الله خبر كل أنواع العقد التي تتعرض لها المرساة في عمق البحر ومن كانوا معه يتحدثون عن كفاءته وقدرته على انقاذ السفينة وقت الإبحار أكثر من مرة كما حدثونا عن بطولات كثيرة لبحارة تخصصوا في مجالاتهم فكانوا خير معين لمواجهة أخطار البحر وأهواله.
نحتاج إلى التخصص في أيامنا وفي وقت كثر فيه المفتون بغير علم ودراية حتى بتنا لا نعرف المتخصص من غير المتخصص، فضاعت بوصلة الحكمة في حياتنا وأصبح الاجتهاد في غير موضعه هو الشائع.
نحتاج إلى إعادة النظر في حياتنا وتفكيرنا، ونحتاج أكثر إلى تكاتفنا وتعاوننا وتشاورنا لما فيه الخير لنا ولأوطاننا.
وعلى الخير والمحبة نلتقي