طباعة
sada-elarab.com/542299
فقد عزيز يترك في النفس والقلب غصة، وفراغًا كبيرًا من الصعب أن ينسى بين عشية أو ضحاها، ولكنها إرادة الله سبحانه وتعالى، كما كتب علينا الميلاد والحياة كذلك آجالنا مقدرة ومحسوبة ليوم لا راد لقضاء الله وقدره، آمنا به ربًا مسيِّر أحوال البشر والرحيم الرؤوف بهم سبحانه وتعالى أقدرانا بمشيئته ولطفه وكرمه.
للأب مكانته في حياتنا، وللأم مكانتها في حياتنا، ومنازلهم مقدرة ومحفوظة في آيات الذكر الحكيم والسنة المطهرة وهي راسخة في قلوبنا ونفوسنا ونسأل الله أن يوفقنا لإنزالهم المنزلة التي تليق بهم، وأن نحرص على راحتهم واطمئنانهم وعيشتهم الرضية مع شعورنا بأن كل ما نعمله أو سنعمله قليل في حقهم.
أمي العودة، أو جدتي لأمي او جدتي لأبي، وبعض دولنا العربية في لهجتها تسميها «ستي» هي رمز المحبة الخالصة الحريصة على لم شمل الأسرة، وتبادل الزيارات للأهل والأقارب والأصدقاء. حبانا الله في زمن جميل بجدات كن الحريصات على تثقيفنا من خلال «الحزاوي» أي القصص التي فيها حكمة وعظة وعبرة قبل نومنا وفي أوقات راحتنا، فكانت هذه «الحزاوي» بمثابة الثقافة الشفاهية وكنا والحمد لله نستمع إليها بكل جوارحنا، ونتحين الوقت الذي تكون فيه أمنا العودة على استعداد أن تحكي لنا من ذاكرتها التي تعلمتها هي أيضًا من السابقين قبل أن نخلد إلى النوم ونحن مرتاحين دائماً لنهاية القصة التي فيها خلاصة تجربة الحياة في إشراقة وأمل يزرع في نفوسنا الغضة الحب والوفاء والأمل.
أمنا العودة أيضًا الحريصة دائمًا على جمع شمل الأسرة الصغيرة، والأسرة الكبيرة، فقد توزعت عائلاتنا على المدن والقرى، بل أنه في المدينة الواحدة أو القرية الواحدة أنشئت البيوت المتباعدة، فكان دور أمنا العودة أن تقوم باصطحابنا ونحن صغار لأهلنا للتعرف عليهم ونقوم بتأدية الألعاب التي تجمعنا على الخير ونتشارك في إنجاز ما يدخل السرور إلى النفس.
كانت زيارة الأهل والأقارب تتراوح بين ثلاث ليالٍ إلى أربع، وتكون هذه الزيارات متبادلة رغم صعوبة المواصلات أحياناً، لكنها الراحة النفسية التي تشعر بها أمنا العودة فيشع فرحها وبهجتها علينا، ونحن نتحين رد الزيارة من أهلنا، في تبادل يشعرك بالحب والوفاء والترابط الأسري الجميل.
كان على أمنا العودة الكثير من المسؤوليات الاجتماعية في مناسبات كثيرة كشهر رمضان وما يفرضه من لوازم الاستعداد والبذل، والأعياد وما يسبقها من لوازم، ومن كانت لديهن مهارات حرفية كالخياطة والتطريز وفن الطبخ كانت تشعر أن من واجبها القيام بهذه المسؤوليات مع السعي لتدريب ابنتها وأحفادها الحرفة التي تعلمتها وأتقنتها، ونحن نعلم أن الفضل في إتقان بناتها الحرف والمهن يعود إلى جهود أمنا العودة، فقد كانت هي الأحرص على الإتقان والمهارة شعورًا منها بالمسؤولية الأسرية التي يجب أن تتحلى بها ربة البيت فتنال الرضا من الأهل جميعاً وربما الجيران والأصدقاء.
أمنا العودة ضربت المثل في القدوة الحسنة، والتفاني في خدمة الأسرة والأهل، والوفاء للأصدقاء والمعارف والجيران.
في الأيام الماضية رحلت عنا الوالدة والأم العودة الحاجة «أمينة بنت سلمان بن محمد كمال»، المربية الفاضلة التي عملت مدرسة ومديرة مساعدة في مدارس البحرين، وكانت أم خالد الحريصة على رعاية أبنائها وأحفادها وأهلها من إخوان وخوات المرحوم محمد والمرحومة فاطمة، والمرحوم محمد والمرحومة حصة والمرحوم يوسف والمرحوم كمال وحسن ونعيمة، وفؤاد، ونفيسة وأحفادها فيصل، ومحمد، وجواهر، وعبدالرحمن، وأهل وأصدقاء وجيران إلى أن أعجزها المرض فأسلمت الروح إلى بارئها راضية مرضية إن شاء الله.
فإلى جنة الخلد يا أمنا وأمنا العودة أم خالد وسهير وبسمة أرملة المغفور له بإذن الله تعالى محمد عبدالقيوم اللقماني وفي ميزان حسناتك كل ما عملتيه من خير وبر وإحسان.
كما رحلت عنا الأم، والأم العودة الحاجة «فاطمة إسماعيل محمد» أرملة محمد أحمد المدني، والدة أحمد والدكتور إسماعيل والمرحوم إبراهيم وفاطمة وأمينة وميمونة، وخديجة وخولة مثواها الجنة ورضوان النعيم وكانت يرحمها الله تأنس بزيارة أولادها وأحفادها وتتحين مواعيد زيارتهم، فقد كانت مثل غيرها من أمهاتنا العودة في رعاية الجميع وضربت أروع الأمثلة في التفاني والبذل طوال حياتها العامرة بالعطف والإحسان والبذل في الخير ولم شمل الأسرة والتعايش بمحبة مع الجيران والأصدقاء.
لا شك أن أمنا العودة مرت بظروف كثيرة صعبة وميسرة وقدرها أن تكون هي في خدمة أسرتها الصغيرة في الأيام الأولى لتكوين الأسرة ثم يمتد هذا الواجب والمسؤولية إلى رعاية الأسرة الكبيرة الممتدة والمتشابكة في العلاقات الأسرية والمجتمعية والإنسانية.
رحم الله أمنا العودة وأسكنها فسيح جناته ومنهن نتعلم معنى الحياة ومعنى البذل والعطاء، ومعنى ألا يكون الإنسان لنفسه وإنما يكون دوره للجميع ولمن يستطيع أن يصل إليه.
وعلى الخير والمحبة نلتقي