طباعة
sada-elarab.com/536678
المهن الحرة في سوق المنامة هي من مهدت للمهن الاحترافية في زماننا
كان سوق المنامة، ابتداءً من باب البحرين إلى نهاية السوق بتقاطعه مع شارع الشيخ عبدالله على جانبيه محلات وبضائع لتجار بحرينيين عرفوا التجارة وتوارثوها عن الأجداد والآباء، وكان السوق بالنسبة لنا ونحن أيام الطفولة والشباب المكان الأثير الذي يشرح الصدر ويطيب الخاطر، فالناس يعرفون بعضهم بعضًا، وعندما كنت اسير مع الوالد يرحمه الله في السوق أجد أن الوالد يسلم على الكثير من رواد السوق، فكنت اسأله كل هؤلاء تعرفهم، فكان الجواب «ليس بالضرورة أسماءهم لكن جمعتني ظروف العمل والحياة معهم، ولتعلم يا ولدي إن هؤلاء من رواد السوق دائما، والسلام واجب ليقربنا من بعضنا بعضًا»، نعم كنت أشعر وأنا صغير إن هذا السوق لنا جميعًا فلم نكن نشعر بالرهبة أو الغربة، وامتد تواصلنا في السوق حتى مرحلة الدراسة الجامعية، حيث كنا في الصيف نلتقي في المقاهي بطلبه البحرين الدارسين في الخارج في الجامعات العربية والأجنبية وحتى عندما توظفنا في وزارات الدولة ومؤسساتها والأعمال الخاصة كان سوق المنامة ملتقى أهل البحرين بمختلف أعمارهم ومستواهم الاجتماعي والثقافي، وأتذكر عندما زارني زملاء الدراسة من دولة الكويت، وكنت أسير معهم في شارع باب البحرين لفت نظرهم توقفي بين فترة وأخرى للسلام على بعض مرتادي السوق، فكانوا يقولون: «أنتم أهل البحرين ما شاء الله تعرفون بعضكم بعضًا... هنيئًا لكم» وهي فعلاً ميزة تمتاز بها البحرين منذ عهود وإلى اليوم والحمد لله.
أعود إلى مهن حرة في السوق تلاشت واختفت ومنها على سبيل المثال «المقهوي» الذي يحمل «دلة القهوة» ويطوف في الشارع، ويقدم القهوة للزائرين ويرضى بالقليل من النقود نظير شرب القهوة، ولا مانع لديه إن لم تعطه شيئًا، وهو على فكرة لا يأخذ من الأطفال شيئًا فهم على بركة الجد أو الوالد وكان «المقهوي» معروفاً لدى تجار السوق وزائريه.. وعلى الجانب الآخر بالقرب من إدارة الهجرة والجوازات بباب البحرين وإدارة التسجيل العقاري يوجد من هو على استعداد لكتابة رسالة طلب لك للجهات المختصة الرسمية وهي رسالة معدة سلفًا، ويترك فراغًا حسب الجهة المعنية وصاحب الطلب، نظير مبلغ بسيط يتقاضاه «الكيتب» وهذا مسماه الوظيفي والذي يمتاز بجمال الخط العربي ولا مانع لديه أن يقوم بتوجيه ونصح من يريد تحرير الرسالة.
وعلى جانب آخر من داخل السوق تجد من عنده أدوات الحلاقة منتحيًا إحدى الزوايا ويقدم خدماته لرواد السوق حلاقة شعر الرأس كاملاً أو تقصيرًا، وحلق اللحى أو تهذيبها أو صبغ شعر الرأس أو «الشارب» وكان يتقاضى مبلغًا بسيطًا حسب الخدمات التي يقدمها للزبون.
لعل هذه المهن الحرة في ذلك الوقت هي من مهدت للمهن الاحترافية في زماننا فسوق المنامة الحالي تطورت البضائع التي فيه ووجدت المقاهي التي تقدم شتى أنواع المشروبات والمأكولات ووجد الحلاقون المتخصصون، وقد يستعان بأحد مكاتب الكمبيوتر لإنجاز معاملات إدارية مطلوبة... صحيح أن رواد السوق لم يعودوا مثلما كانوا، فقد وجدت المجمعات التجارية الكبيرة التي استقطبت العديد من البحرينيين وزوار البحرين.. ولكن السوق القديم، سوق باب البحرين بذلت جهود كبيرة من هيئة البحرين للثقافة والآثار برئاسة معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة الهيئة للمحافظة على رونق وروح باب البحرين، وإقامة فعاليات في مناسبات كثيرة لاستقطاب البحرينيين والزوار السائحين بالإضافة إلى تشجيع البحرينيين لتقديم المشروعات الصغيرة التي تسهم في دعم السياحة والتراث، بالإضافة إلى الجهود التي بذلت من لجنة تطوير سوق المنامة القديم برئاسة الرئيس التنفيذي لهيئة البحرين للسياحة والمعارض السيد نادر خليل المؤيد وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، «حيث يتم حاليًا استكمال العمل في المرحلة الثانية لإعادة السوق إلى طابعه التراثي، وتشمل أعمال التطوير على تغيير الواجهات واللافتات الخاصة بالمحلات التجارية وترميم المباني التراثية وستضم التعديلات 275 محلاً تجاريًا في أربع شوارع رئيسية على محيط السوق، وهي شارع باب البحرين، شارع الشيخ عبدالله وشارع التجار وشارع ولي العهد».
وفي تصريح للرئيس التنفيذي لهيئة البحرين للسياحة والمعارض السيد نادر خليل المؤيد قال: «تحرص هيئة البحرين للسياحة والمعارض على متابعة مجريات أعمال تطوير سوق المنامة عن كثب بما في ذلك توحيد واجهات المحلات التجارية والمباني على نمط تراثي راق، وتصب جهود المتابعة لزيادة حيوية السوق في الحفاظ على تميز موقع السوق القديم كوجهة سياحية أصيلة في مملكة البحرين، وتلتزم الهيئة إلى مواصلة تنفيذ أعمال المشروع بصورة سلسة ومنسقة ووفقاً لأعلى المعايير العالمية».
وتتألف لجنة تطوير سوق المنامة من ممثلين عن كل من وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، وهيئة البحرين للثقافة والآثار، وهيئة التخطيط والتطوير العمراني، ومجلس التنمية الاقتصادية ومحافظة العاصمة ومجلس أمانة العاصمة إلى جانب عدد من تجار سوق المنامة.
«وتعمل هيئة البحرين للسياحة والمعارض بشكل وثيق مع عدد من الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة التي تشترك في تطوير سوق المنامة القديم، وذلك ضمن مساعي الهيئة لإضفاء جاذبية أوسع على أحد أشهر وأقدم الأسواق بمملكة البحرين وتوفير تجربة متجددة لزواره من داخل وخارج مملكة البحرين».
ولعل المساعي التي تبذل في إعادة المنامة التاريخية بدراسة وتخطيط من قبل هيئة البحرين للثقافة والآثار وإقامة مشاريع ترميم وتحديث لمعالم عرفت بها المنامة وسوقها، ويلقي هذا المشروع كل الدعم من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، ومن حكومة مملكة البحرين برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه، وسيكون ذلك بمثابة إحياء لما كانت تزخر به المنامة من فعاليات تجارية واقتصادية وثقافية ومعالم تراثية مميزة.
بارك الله في كل الجهود المبذولة التي تجعل من تاريخنا ناطقًا على ما تزخر به مملكة البحرين من نهضة وحضارة والأسواق أحد معالمها البارزة.
وعلى الخير والمحبة نلتقي