طباعة
sada-elarab.com/519131
يشكل اجتماع مجلس الهيئات القضائية اليوم الثلاثاء الموافق 12 مايو 2020 ، خطوة وطنية مهمة من معالي المستشار الجليل عمر مروان وزير العدل وأصحاب المقام الرفيع السادة المستشارين الأجلاء رؤساء الجهات والهيئات القضائية ، وذلك لعرض نتائج اجتماع الوزير مع فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية والذي عُقد في 28 أبريل الماضي، بشأن الاستعداد لعودة العمل بالمحاكم، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا covid – 19 ، وميكنة منظومة التقاضي ، بما يبعث برسالة طمأنة للمتقاضين أنهم موضع اهتمام ومتابعة القضاء في مصر المحروسة ، سيما في تلك الظروف الاستثنائية التي تجتاح العالم بأسره.
وفي الواقع فإن اجتماع اليوم هو أحد الإجراءات المتتابعة والمتتالية التي حرص عليها القضاء المصري منذ ابتلينا بهذا الوباء دون سابق إنذار قبل نحو ثلاثة أشهر ، فتزامنت تلك الإجراءات مع سياسات الدولة لمواجهة تحديات هذا الوباء والهادفة لتقليل معدلات التخالط الاجتماعي ، وخفض المترددين على الوزارات والمؤسسات ، وتقليص فرص التزاحم ، فقامت بعض الجهات القضائية بتعليق الجلسات كلية ، وقام البعض الآخر بنظر القضايا العاجلة والتي تتعلق بحريات المواطن .
ولكن ومع استمرار تهديد هذا الفيروس للبشر ، وأخذًا بمقتضيات الملاءمة والمواءمة ، كان لزامًا أن تتطور آليات المواجهة بما يحقق سير منظومة العدالة في سرعة دون تسرع ، والحفاظ على حياة وصحة القضاة والمتقاضين دون تهويل أو تهوين .
وتأتي التكنولوجيا بلا منازع في مقدمة أولويات تحديات المواجهة ، وهي ما يطلق عليه في أدبيات هذا العصر " التقاضي الإلكتروني "، بما يعنيه من المحاكم الإلكترونية كنظام قضائي معلوماتي عالي التقنية ، بيد أن هذا الأمر ليس هينًا أو يسيرًا ، فثمة بُنية تكنولوجية متشعبة المجالات، تتعلق بتعديلات تشريعية حادة وجوهرية في عديد من القوانين من أهمها المرافعات المدنية والتجارية والإثبات والإجراءات الجنائية وغيرها ، وكذلك ميكنة جميع إجراءات الدعوى بداية من قيدها وتداولها حتى الحكم فيها ثم حفظها إلكترونيا ، وفي تحقيقات النيابة العامة ؛ بداية من تحرير المحضر فى قسم الشرطة ثم وصول القضية للنيابة وصولا إلى المحاكمة وانتهاء منها بالتصرف فى الدعوى، وفي إجراءات المحاكمة ؛ ميكنة محاضر الجلسات والاستعلام عن القضايا من خلال بوابة رقمية برقم القضية وتاريخها، وتفعيل نظام أرشيف إلكتروني لحفظ القضايا.. مع مواجهة التحديات التمويلية الهائلة يقينًا ، وتأهيل العناصر البشرية القادرة على استيعاب تلك المراحل التقنية المتقدمة ، ناهيك عن وعي المتقاضي ذاته ، وحتمية وضع استراتيجيات زمنية دقيقة تحقق نشر ثقافة توعوية تكنولوجية فاعلة.
ويشكل القاضي ذاته أحد أهم تحديات المواجهة ، سيما في ظل كميات متزايدة من القضايا المطلوب منه الفصل فيها وإعطاء كل ذي حق حقه ، وإصدار أحكام قطعية في أعداد كبيرة منها ( في عجلة دون تعجل ) ، مع ضرورة إعادة النظر في مبدأ عدم توطن القاضي في ظل مجتمع لا يعرف الجاره جاره ، للحفاظ على عدم تنقله بين محافظات مترامية الأطراف في وسائل نقل متزاحمة ، مع ما يصاحب ذلك من إرهاق بدني وذهني ، قد لا يمكنه من أداء مهمته القضائية على أكمل وجه ، في ظل تصاعد مخاوف إصابته بذلك الوباء الفتاك في غدوه ورواحه.
أما عن قاعات المحاكم ومن يترددون عليها من كل حدب وصوب فحدث ولاحرج ، وهنا ندق ناقوس الخطر الحقيقي ، لانعدام الوعي – حتى الآن – بخطورة وسرعة انتشار الفيروس ، فتكون القاعات مرتعًا خصبًا لانتشاره وتضاعف إصابات المرضى منهم وكبار السن ، والمخالطين لهم يقينًا من أهلهم وذويهم ، ولا تكفي – في اعتقادي – مجرد إجراءات التعقيم التقليدية التي يزول أثرها بعد ساعات ، بل لا بد من تجريم المخالفين لقرارات الإجراءات الاحترازية بحسم وحزم لا يلين.
وأخيرًا فإنه ينبغي العناية الفائقة بصحة ومتابعة المترددين على المحاكم ، ومنهم شركاء العدالة من المحامين ومأموري الضبط القضائي ، وأعوان القضاة من الموظفين وخبراء الطب الشرعي والأدلة الجنائية وأبحاث التزييف والتزوير وغيرهم ، وكذلك الشهود والمتهمين أنفسهم ، فضلا عن كمية أطنان من الأوراق التي ظلت سنين عددا يتراكم عليها التراب والتي تعد موردًا رئيسيًا لنقل العدوى دون هوادة.
سيعود القضاء المصري الشامخ لأداء مهمته المقدسة في الحكم وإدارة العدالة وسيواجه بحكمة وثبات تحديات الكورونا.
وبالقانون تحيا مصر