طباعة
sada-elarab.com/517984
هناك من الواقع الذي نعيشه ما يمكن وصفه بالمسلسلات الرمضانية، ولو سردت هذه القصة، دون التأكيد على أنها حدثت بالفعل لحسبني الناس أحاول الدخول في مجال تأليف الدراما العربية، لكن دعوني أبدأ بما وصلني عن فتاة شابة أحبت شابًا وأخلصت له في حبها، ليتوج هذا الحب بالزواج الذي تتمناه كل فتاة، بأن تعيش حياتها مع الشخص الذي أرادته شريكا لها.
لكن تلك الشراكة لم تكن سوى مخطط وضعه هذا الشاب للوصول لمراده عن طريق تلك البنت البريئة، فبعد الخطبة وعقد القران والزواج والظهور بمظهر رجل أوفى بوعوده التي قطعها على نفسه بما في ذلك من الظهور بما يوحي بأنه يستطيع توفير حياة مرفهة لزوجته، وبعد شهر عسل الجميل، عادت البنت وزوجها إلى عش الزوجية، لتبدأ حياتهما الزوجية الطبيعية.
وفي جلسة انسجام تطرق الزوج الشاب في حديثه عن مشروع جديد يريد الدخول فيه، وقال لزوجته إن الأرباح ستكون عظيمة وستضمن لنا ولاولادنا مستقبلاً باهرًا .. لكن، المشروع يحتاج لتمويل كبير، وهو لا يملك هذا المبلغ ولا يريد أن يقترض باسمه لأنه رجل معروف في مجال الاستثمار وربما يكون لهذا القرض تأثير على سمعته في السوق التجاري.
وكعادة 99.999% من النساء البسطاء، يقعن في الفخ بأسرع مما يتوقع المحتال، بل إنهن من أفضل زبائن النصابين، وخاصة عندما تكون عملية نصب محبوكة تبدأ بزواج وشهر عسل، فلابد وأن تقع المرأة بسهولة في هذه الشباك، وبالفعل اقترحت الزوجة اقتراض المبلغ من البنك باسمها طالما هو زوجها الذي يحاول إسعادها وبناء مستقبل مضمون لعائلتهما.
وكعادة النصابين المحترفين، رفض الزوج هذا العرض وبشدة، مدعيًا أن هذه الأمور لا تخص الزوجة، وأنه المسؤول عن توفير الحياة الكريمة للبيت، وأنه حامي حمى الديار ولا يشق له غبار، ولن يقبل أن تدفع له زوجته من مالها، فأين النخوة وأين الرجولة.. وأين موقع البنك يا جماعة.
وتتوجه الزوجة الواثقة في زوجها إلى البنك معه لتوقع على أوراق القرض الكبير وكلما وقعت شيكًا من شيكات القرض كانت ترسل معه ابتسامة للزوج الذي يظهر في هذا المشهد بملامح ممزوجة بين الخجل والعرفان والرفض والكرامة، حتى وقعت المسكينة كل الشيكات المقدمة من البنك ليتم خصم قيمة كل منها شهريًا من حساب الزوجة مباشرة.
المشكلة في تلك القصة وعند متابعتها في أي مسلسل درامي فإن المؤلف يفترض بعدًا زمنيًا لما بعد الحصول على القرض والهروب به، حتى تكون الحبكة الدرامية مقنعة للمشاهد، إلا أن صاحب القصة الحقيقية لم ينتظر سوى أسابيع معدودة، ليصارح الزوجة بأنه لا يرغب في العيش معها وسيطلقها لأنه لم يكن يحبها أصلاً ولا يطيق أن يجلس إلى جوارها حتى، وبوقاحة تخرج عن سياق الواقع والخيال، يترك هذا المحتال زوجته مطلقة ومديونة بعشرات الآلاف من الدنانير، ومصدومة في الشخص الذي وثقت به، لتتحول الفتاة من زهرة يانعة يحسدها الجميع على ما كانت تعيشه من سعادة، إلى حطام امرأة بدون مستقبل.
ومن القصص التي تتشابه في هذا الإطار وتكون المرأة فيها هي الضحية، جاءتني قصة امرأة مطلقة هجرت زوجها وأولادها وتزوجت من شخص عربي الجنسية في سن أولادها، وأحبته وأظهر لها حبه أيضا، ثم جاءت لحظة الاحتيال، عندما أخبرها أنه يريد الحصول على الجنسية، وأن هذا لا يتحقق إلا إذا أنجب منها، لكن مشكلة تلك المرأة أنها كبيرة في السن ولا تنجب.
فما كان من هذا النصاب إلا أن أقنعها – ولا أدري كيف فعل ذلك – بأن يتزوج من أخرى وينجب منها الطفل الذي سيحصل من خلاله على الجنسية، وبالرغم من شراسة كل النساء في الدفاع عن زوجها والانفراد به، إلا أن صاحبنا كان يتمتع بقدرات احتيالية خارقة، وحصل منها على موافقة بأن يتزوج الزوجة الثانية للإنجاب فقط على حد قوله.
وتقول الزوجة لمن سرد لي القصة إنها الآن تبحث له عن زوجة حاضنة ولا تعرف كيف اقتنعت باقتراحه، ولكن خوفها الوحيد بأنه بعد الزواج والانجاب سوف يتخلى عنها كما حدث للكثير من النساء في مثل هذه الحالات لأن غاية الزوج هي الحصول على جواز السفر وليس غير ذلك.. وتبقى النساء كالعادة أسهل فريسة للمحتالين من الرجال.
هذه القصص عندما أسمعها من أشخاص أكاد لا أصدق، أنها تحدث في زمن بلغت فيه المرأة من العلم ما يحصنها ضد هؤلاء المحتالين، إلا أنني أكتشف أن هناك المزيد من النساء لديهن الاستعداد الفطري للنصب عليهن، بل إن بعض هؤلاء النسوة، على يقين بأن ما يحدث معهن مأساة تكررت في العديد من البيوت ومع عشرات الأخريات، لكن الكلام المعسول يمحو الذاكرة وينعش هرمونات الثقة لديهن.
فهل لدى المرأة جينات يعلمها المحتالون ويعرفون كيفية استغلالها؟ وما العلاج لهذا الفيروس غير المستجد والمتكرر دون وجود لقاح ناجع له؟..
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية