طباعة
sada-elarab.com/293586
تزخر حياتنا بقصص واقعية سمعناها وأخرى عشناها، وتجد أنها من الغرابة بحيث لا يمكن أن يصدقها السامعون، لكنها بالفعل تحدث وتترك لنا دومًا عبرة وموعظة، وما القرآن الكريم عن ذلك ببعيد.
فقد أخبرني صديق بأن صديقه توجه للمطار لتوصيل زوجته الحامل كي تسافر لوضع جنينها في بلدهما، لكن موظف شركة الطيران رفض السماح للزوجة بأن تدخل إلى الطائرة، لخطورة السفر على حملها، لكن الزوج قدم له كل ما لديه من مستندات تثبت عكس ذلك دون جدوى، وبعد نقاشات اقترح عليه الموظف التوجه لمقر الشركة في المنامة للحصول على موافقة المسؤولين.
ويقول صديقنا تأكدت حينها أنني سأخسر تذكرة السفر لأنها مقيدة بهذه الرحلة، لكن الموظف وعده بحفظ حقه وعدم دفع أية مبالغ إضافية (والذي لم يتحقق فيما بعد). وبالفعل، ذهب الزوج إلى مقر الشركة، لتبدأ الواقعة الغريبة، حيث عثر على محفظة مليئة بالمال في مواقف السيارات القريب من الشركة، وعندما بحث عن أية أوراق تدله على صاحبها، وجد بطاقة هوية وتواصل مع شركة الاتصالات للحصول على تلفون هذا الشخص وبالفعل حصل على رقم التلفون.
وعندما اتصل بصاحب المحفظة حضر له شاب فسلمه المحفظة بكامل محتوياتها، وعندها أصر هذا الشاب على مكافأته، لكنه رفض، فأخبره الشاب أن تلك الأموال التي كانت في المحفظة هي راتب التقاعد الخاص بوالديه، وشكره على جميله وغادر، بينما أنهى صديقنا إجراءات سفر زوجته، وسأل نفسه.. هل سخرني الله سبحانه وتعالى لآتي إلى هذا المكان كي أعثر على هذه المحفظة لهذا الرجل وأرجعها إليه؟ ما حجم دعاء والديه الذي عطل سفر زوجتي كي أعيد إليهما أموالهما؟
ولو بحثنا عن قصص أخرى في واقعنا سنجد الأغرب من ذلك، فقد أخبرني صديق آخر أنه خرج من عمله ليجد سيارته قد تضررت جراء صدمة من سيارة مجهولة، إلا أن صاحب تلك السيارة ترك له ورقة صغيرة كتب فيها «أنا المتسبب في الحادث» ورقم تلفونه، فاتصل به، وعندها طلب هذا الشخص أن يمهله يومين أو ثلاثة حتى يتمكن من إصلاح السيارة، فانتظره أسبوعًا، وتلقى منه اتصالاً يعتذر فيه عن التأخير، وبرر ذلك بأنه كان يعمل في شركة سياحة، وقد تم فصله!
ويقول صديقي إن المصادفة العظيمة هي التقائي بأحد أقاربي الذي يمتلك شركة سياحة قبل يومين من الواقعة، وقد اشتكى لي عدم قدرته العثور على موظف لديه خبرة في هذا المجال، وعلى الفور اتصلت به وأخبرته بأن الموظف الذي تبحث عنه موجود، وخلال أيام كان هذا الشخص الأمين الذي أبى إلا أن يتحمل نتيجة خطأه رغم فقدانه لعمله، أن يعثر على وظيفة بسبب أمانته.
وصدق الله تعالى حين وصف هؤلاء بقوله (الَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، فالأمانة هي دليل على كمال إيمان الإنسان، وربما كانت الأمانة مشتقة من الإيمان، والتسليم بأمر الله من مسلمات إسلام المؤمن، وقناعته بأن الضرر الذي يقع عليه، هو في الحقيقة خير، لكن هناك اشتراطات كي يتحول الضرر لمنفعة، وأهم تلك الاشتراطات، هو الأمانة في التعامل، والتسليم بقضاء الله وقدرة والحرص على مرضاته.
أخيرًا وليس آخرًا، أتذكر قول الله تعالى (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «22» لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ «23»).