حوارات
باحث مركز خطوط مكتبة الإسكندرية: اتباع مدارس الخط العربى لـ«التعليم الابتدائى».. «يسىء لها».. وإمكانية تطويرها «معدومة»
الأحد 12/يناير/2020 - 06:52 م
طباعة
sada-elarab.com/238705
تراجع الاهتمام بالخط العربى فى مصر مع تراجع مكانة الكتاتيب وإغلاق مدارس الخط العربى، فأصبح الخط العربى شيئًا روتينيًا لا يسلط عليه الضوء خاصة من جانب الوزارات المعنية مثل وزارة التربية والتعليم والثقافة والإعلام فغاب الاهتمام بقضية الخط العربى رغم أن اللغة والخط توأمان فلا تصلح اللغة بدون خط أو الخط بدون اللغة فأصبح استخدام الخط العربى مقتصرًا اليوم على الأعمال الفنية فى عصر الكمبيوتر القادر على الطبع ألف خط وخط.
وفى فترة ما قبل انتشار التكنولوجيا كما هى اليوم، كان الخط العربى فنًا يحترمه العرب ويقدمون عليه فى زخرفة الحوائط أو الترويج لشيء ما أو الإعلان على الحائط، أو فى المراسلات البريدية، وقد كان مريحًا للعين ولافتًا للنظر، بسيطًا فى الكتابة والتكلفة. ولم يقتصر الخط كفن فحسب، بل كان اهتمام أى شخص بتحسين خطه جزءا من هذا الفن الذى شمل اهتمام الكبير والصغير.
وعن وضع مدارس الخط العربى، قال الدكتور محمد حسن، باحث أول بمركز دراسات الخطوط بالقطاع الأكاديمى فى مكتبة الإسكندرية، فى حوار خاص لـ«صدى العرب»، أنها مدارس رسمية فنية متخصصة، وتقوم بدورها بشكل جيد ولديها القدرة على تأسيس نشاطات الخط العربى، ولكن يظل الاهتمام بها بشكل بسيط طالمًا لا يوجد درجات بحثية جيدة تقدم فيها، مشيرًا إلى أن اتباع مدارس الخط العربى لوزارة التربية والتعليم شىء مسىء لها، خاصة عندما نرجع بالتاريخ نجد أنه فى عهد الملك فؤاد كانت تابعة لهيئة الأوقاف الملكية ويتم الصرف عليها من الخاصة الملكية، ولكن اتباعها لوزارة التربية والتعليم بعد ذلك جعلها عقيمة وقابلة التطوير بها ضعيفة إن لم تكن معدومة.
وأضاف باحث مركز الخطوط، أنه لو لم تتحول الهوية والثقافة لمورد محدد وواضح لجنى المال والاستثمار الثقافى على أرض الواقع فلن تكون إلا مجرد مثاليات ليس بالضرورة أن تسعى الناس إليها، موضحًا أن الثقافة موردًا لجنى المال والتركيز عليها سيكون لها تبعات مهمة جدًا، وإن لم تتحول الثقافة لجنى ربح المال سيأتى عليها يوم وتندثر.
وفى سياق آخر، أوضح، أنه لا يوجد اهتمام بالفن بوجه عام، وبالتالى مساحة القبح التى نشاهدها حاليًا كانت نتيجة لذلك، سواء كان المسرح أو الفنون الأدائية بجميع اشكالها مثل: «إلقاء الشعر، وكتابة القصص القصيرة، والروايات» وغيرها، فأصبح الإبداع يقل نتيجة لعدم وجود الدعم والقبول المجتمعى نتيجة لاختلاف الظاهرة الفنية مقارنة بالماضى، فنحن الآن فى عصر المهرجانات الشعبية، لذلك نحن فى حاجة شديدة لتغير الثقافة السائدة حاليًا وابتكار طريقة تعليم جديدة.
وعن دور مكتبة الإسكندرية فى محاولة منها للنهوض بوضع الخط العربى الحالى، قال الدكتور محمد حسن، تسعى المكتبة جاهدة متمثلة فى مركز دراسات الخطوط، لإعادة الاهتمام بالخط العربى عن طريق إقامة الفعاليات المختلفة كورش العمل والمسابقات والمؤتمرات المختلفة، وذلك لنؤكد اتجاها معينا وهو «الخط العربى قابل للتطور.. ولكن مدى قابلية المجتمع لهذا التطور» هذه هى القضية، لذلك تقوم مكتبة الإسكندرية بالاهتمام بهذا الجزء عن طريق إعادة صياغة المناهج التعليمية سواء لطلبة المدارس أو الجامعات لتقديم كل ما هو جديد بعيدًا عن المناهج القديمة والعقيمة.
وتابع: «نظم مركز الخطوط مؤخرًا واحدًا من الأحداث المهمة وهى «كيفية تصميم الحرف العربى فى الاستخدامات الطباعية» وذلك لمساعدة مصممين الخطوط «التيبوجرافى» فى تكوين فنوط الكمبيوتر المختلفة لتساعدهم فى مجال التصميم، كما تم تنظيم أكثر من ٤ مؤتمرات دولية بالإضافة إلى الندوات الثقافية المختلفة والغرض الأساسى منها هو رفع العين المتذوقة للخط وإلقاء الضوء على الفنون الحديثة وكذلك الاهتمام بالمناهج التعليمية»
وأضاف «حسن»، تلعب المكتبة أيضا دورا كبيرا فى تحسين الخط العربى للطلاب عن طريق إقامة المسابقات المختلفة، حيث يعتبر الخط العربى مجالًا مهمًا لتعليم طلاب العلم بعض القيم الأخلاقية والتراث العربى، والتى يكتسب فيها الطلاب العديد من المهارات وتعزز لديهم مشاعر الاعتزاز والفخر بالقيم العربية العريقة.
وأشار قائلًا: «نظم مركز دراسات الخطوط على مدار عشر سنوات مسابقة خاصة بالخط العربى على مستوى طلاب المدارس بإدارات محافظة الإسكندرية المختلفة، وذلك بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم بالإسكندرية، وتدور الفكرة الأساسية للمسابقة على المنافسة بين طلاب مدارس الإسكندرية بمراحلها الثلاث «الابتدائية والإعدادية والثانوية» فى مجال التصميم والتجويد الخطى، والإدراك الفنى، رغبة فى خلق أجيال واعية ملتزمة بقواعد الخط العربى والفنون الإسلامية.
وأكد باحث مركز الخطوط، أن هذه المسابقة استطاعت أن تكتشف قدرات الطلاب الموهوبين فى الخط العربى بالمدارس المختلفة، وتوجيههم إلى هذا الفن الراقى، وصقل الموهبة بخبرات عملية مختلفة، بشراكة مع مدرسة محمد إبراهيم للخط العربى، والتى تشرف على أعمال التحكيم ورعاية تلك المواهب فيما بعد، مضيفًا، أنه أظهر الطلاب الذين تقدموا هذا العام تنوعًا كبيرًا فى استخدامات الخط العربى والزخرفة العربية بأنواعها، وعلى الرغم من صغر سن الكثير من الطلاب إلا أن حضور الموهبة كان لافتًا للأنظار، ويبشر بطاقات فنية رائعة فى المستقبل القريب.
وتابع: «لقد سعى مركز دراسات الخطوط جاهدًا لنشر رسالته الداعمة للخط العربى، وذلك بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم بالإسكندرية من أجل تنظيم عدد من ورش العمل للطلاب فى مدارسهم، خاصة مدارس المناطق النائية».
وأوضح، أنه رغم الإمكانيات الموجودة على أرض الواقع محدودة بشكل كبير، إلا أن المكتبة تعمل خلال الفترة المقبلة على توسيع دائرة مسابقة اللغة العربية لتصبح على مستوى الجمهورية، مضيفًا، أن المكتبة فاتحة أبوابها أمام أى جهة فى حاجة لأى مساعدة فى الخط العربى، سواء كانت من داخل المحافظة أو المحافظات الأخرى، وكذلك على المستوى الفردى سواء كان مدرس أو طالب يهتم بالخط العربى وفى حاجة للتعلم.
من جانب آخر، قال باحث مركز الخطوط، شهدت مدينة الإسكندرية افتتاح أول متحف للخط العربى داخل جمهورية مصر العربية، ولم يكن تأسيس متحف الخط العربى مصادفة، فمصر تمتلك رصيدًا هائلًا من القطع الخطية رائعة الجمال تشهد لمصر طوال تاريخها بالتفرد، سواء فى الفترة الفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية ونهاية بمدرسة الخط العربى بالقاهرة التى تأسست فى عهد الملك فؤاد فى سبتمبر 1922م.
وأوضح «حسن»، أنه تم تأسيس المتحف داخل مُجمع فنى مقام منذ عام 1949م، يضم المجُمع فى الأصل متحف للفنون الجميلة، ومكتبة بلدية الإسكندرية، وتم تكليف المهندس فؤاد عبدالمجيد بتصميمه، وافتتحه رسميًا مجلس قيادة الثورة عام 1954م، ومن ضمن تأسيس متحف الفنون الجميلة تم بناء مبنى إدارى لموظفى المتحف ومكتبة البلدية.
وأضاف، أن هذا المبنى الإدارى هو ما تم تحويله ليكون أول متحف للخط العربى بمصر فى مشروع أعلن عنه رسميًا عام 2009م. وهو أمر القى بضلال غير جيدة على الشكل العام للمتحف؛ «فضيق» مساحة المبنى الإدارى وكونه غير مصممًا فى الأصل ليكون متحفًا قد تسبب فى «صعوبة» فى عمل عرض متحفى يليق بأول متحف للخط العربى فى مصر، ويليق بمجموعة لوحات تمثل قمة الجمال الخطى وتميزه.
وتابع: «يتكون المبنى الإدارى الذى تحول «لمتحف» من دورين، كان الدور الأول منه لمجموعة الفنان السكندرى محمد إبراهيم (1909- 1970م)، مؤسس أول أهلية لتعليم الخط العربى بمصر، والذى ربطته علاقات قوية مع أهم المهتمين ومقتنى الأعمال الفنية الخطية، أمثال الأمير محمد على بن توفيق ولى عهد مصر، مؤسس قصر المنيل، وكثير من كبار فنانى الخط العربى فى عصره ومجموعة المتحف من لوحات محمد إبراهيم ومقتنياته كانت تمثل معرضًا فنيًا أقامه سنة١٩٧٠م، قبل وفاته بشهور قليلة، وتوفى ولم يسترجع لوحاته ومعروضاته من متحف الفنون الجميلة، وظلت فى مخازن المتحف إلى أن تم عرضها رسميًا سنة 2003م، فى ترينالى الخط العربى، بجهود من الدكتور مصطفى عبد الوهاب، مدير متحف الفنون الجميلة حينئذ. وصاحب فكرة تأسيس متحف للخط العربى، وعمومًا فمجموعة محمد إبراهيم تضم مجموعة قطع خطية مميزة ونادرة، إلى جانب لوحاته الشخصية المختلفة بأحجامها وأفكارها المتعددة كما سيأتى تفاصيله».
أما عن المجموعة الثانية المكونة لمتحف الخط العربى بالإسكندرية، فقال «حسن»: هى مجموعة «خبيئة الغورى» التى اكتشفها مصادفة الفنان عز الدين نجيب داخل وكالة الغورى عام 1993م، وقت أن كان مديرًا عامًا لمراكز الحرف التقليدية، وكان مقر مكتبه بمبنى وكالة الغورى بقلب القاهرة، وعلى الرغم من الأهمية الفنية لهذه الخبيئة وأنها جذبت انتباه المسؤولين بجامعة الدول العربية والذين علموا بها عبر مركز التوثيق العربى هناك– والكلام حسب رواية الفنان عزالدين نجيب- وقاموا بإعادة فحص الخبيئة وتقييمها كاملة وتصويرها بشكل محترف، وتم اعتبرها تراثًا عربيًا نادرًا.
وأوضح قائلًا: «إنه لم يُنشر دليل علمى عن تلك المجموعة وأهميتها، ويعرض بأسلوب عصرى جماليات وتفرد هذه المجموعة الخطية. عُرضت «الخبيئة» للمرة الأولى بمتحف الفن المصرى الحديث بالأوبرا عام 1996م، ثم عرضت مرة ثانية عام 2000م، بمتحف الفن الحديث أيضا، ثم عرضت عام 2001م، بمتحف الجزيرة».
وأكد باحث الخطوط، أن «خبيئة الغورى» تعد كنزًا هامًا وواحدة من أندر لوحات الخط العربى وترسم بجلاء كامل لتاريخ «الخطاطة العربية» فى مصر خلال منتصف القرن السادس عشر وبالتحديد عام 1558م– وهو تاريخ أقدم قطعها، خلال العصر العثمانى حتى القرن العشرين- مضيفًا، أنه تنوعت هذه المجموعة من أشهر وأبرع الخطاطين الأتراك والمصريين وتمثل نماذج لأكثر من نوع خط، وتتنوع ما بين آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأبيات من الشعر وحكم وأمثال، إلى جانب القطع الخطية عالية القيمة.
وتابع: «بغض النظر عن العدد الفعلى لخبيئة الغورى سواء 80 لوحة أو 83، فهى فى مجملها مع مجموعة- محمد إبراهيم- تعطى أساسًا قويًا لدراسة «كاليجرافية» محترمة، وتؤسس لجيل من الفنانين والخطاطين وهواة الفن ترى أعينهم ولأول مرة «أصولًا» بعيدًا عن الكتب الأبيض والأسود، أصول خطية حقيقية لكبار الخطاطين لمحمد شوقى، أو زهدى، شفيق، لوحات لخطاطين كبار كانوا يسمعون عنهم كأنهم أساطير.
وأوضح «حسن»، أن المتحف وتأسيسه خطوة فى مجملها جيدة ومهمة للفنانين والباحثين وهواة الفنون الجميلة فى مصر، متمنيًا، أن يكون البداية للاهتمام الرسمى المنظم بهذا الفن فهو يمثل خطوة متفائلة فى وطن منهك بعد أزمات عدة مرت عليه فى السنوات الأخيرة راجيًا من الله ألا يكون هذا هو المتحف الأول فى مصر، وألا يكون الخط العربى هو الفن الأخير فى دوائر اهتمام الدولة.
الدكتور محمد حسن باحث أول بمركز دراسات الخطوط بالقطاع الأكاديمى فى مكتبة الإسكندرية.