طباعة
sada-elarab.com/181611
كيف ينسى الإنسان صديقًا أو أخًا أهدى إليه خدمة؟!
أن تلتقي بمن عشت معهم زمناً، تقاسمت لقمة العيش وضمك مكان تقضي فيه جل وقتك أكثر مما تقضيه مع أسرتك الصغيرة... كبرت وكبر معك الصحب مرَّت بكم ظروف متعددة، فرحتم، تكدرتم، قمتم ببث شكواكم لبعضكم، فهمتم أسرار الكثير منكم، تبادلتم المعرفة، صقلتكم التجربة، تعلمتم من الخطأ والصواب، تصالحتم وتخاصمتم، وأدركتم أن كل شيء يهون في صالح الوطن والمواطنين، وإنه لا غنى لنا عن بعضنا، مرَّت بكم مواقف تألمتم منها وبعضها سعدتم بها، واليوم أصبحت ذكرى تتحدثون عنها بأريحية ونفس رضية وقبلها وكأن الحياة قد أسودت في أعينكم هي فعلاً هكذا ظروف الحياة بين مد وجزر، ونحن نعيش لحظاتها بما قدر الله لنا...
بادرة تبنّاها مجموعة من شباب الإعلام في مملكتنا البحرين وأطلقوا عليها «ما نسيناكم»، والنسيان آفة من آفات العصر المؤلمة، وعندما نتحدى النسيان فإن هذا قمة العطاء الإنساني، لأن عكس النسيان هو التذكر بكل ما يحمله هذا التذكر من جميل وعرفان وعلاقات إنسانية رفيعة لا يمكن التهاون فيها والصدود عنها.. شباب آمنوا برسالة من سبقهم، عاشوا بينهم في تجاربهم على قلتها أو كثرتها، لكنهم بالضرورة استفادوا من تجربتهم العملية، لم يبخلوا عليهم بالمعرفة، مدوا يد العون لهم، وجهوهم للأعمال التي تفيد في إنجازهم لأعمالهم بكل إتقان، تجاوزوا عن أخطائهم العملية لكنهم وضعوا لهم الأساس الصحيح لها، فاستفادوا في أعمالهم المقبلة جودة واتقاناً....
كيف ينسى الإنسان صديقاً له أو أخاً في الحياة أو زميل مهنة أهدى إليه خدمة تصقل موهبته وقدراته، وأرشده إلى الطريق الصحيح ليواصل مشوار الحياة بكل ثقة واطمئنان وعزيمة لا تلين... فكل واحد منا واجب الصداقة والأخوة تحتم عليه أن يكون رفيق الدرب ناجحاً؛ لأن في نجاحه نجاح بقية الأفراد والمؤسسة أو الهيئة التي يعملون فيها جميعاً.
عشنا أنا والزملاء البحرينيون في بداية السبعينيات تجربة إنشاء تلفزيون البحرين الملون عندما بدأت شركة بحرين RTV بث الإرسال التجريبي بداية العام 1973م، وكانت خبرتنا التلفزيونية متواضعة جداً، ولكن الطموح والرغبة والإصرار على الإنجاز والنجاح كان أكبر من أي عوائق تحول دون بلوغنا للأهداف وبأن يكون هذا الجهاز وطنياً خالصاً موظفين وعاملين وبرامج تعيش مجتمع البحرين في ذلك الوقت، ولقينا كل التأييد والمؤازرة من الحكومة الموقرة وكل مسؤول تولى مهمته الوطنية الإعلامية بدءًا من سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه، عندما كان سموه وزيراً للخارجية ووزيراً للإعلام، ومعالي الشيخ عيسى بن محمد بن عيسى آل خليفة المراقب العام للإعلام، إلى المرحوم بإذن الله تعالى السيد طارق عبدالرحمن المؤيد وزير الإعلام، فقد آمنوا جميعاً برسالة التلفزيون الوطنية... وتحمل شباب هذا الوطن المسؤولية كل في موقعه والمهام التي أنيطت به...
أجيال تعلمت من بعضها بعضاً، كل جيل سلم الراية إلى الجيل الذي أتى بعده... كنا نفخر بانضمام المواطنين لهذا الجهاز، والكل يتسابق في تقديم العون والمساعدة ونقل الخبرة والتجربة شعوراً بالوطنية الصادقة، وبأن الرسالة لا تقف عند أحد وإنما الاستمرارية هي عنوان العطاء الوطني، فكل جيل عليه واجب ومسؤولية استمرارية هذا العطاء بتفوق وإنجاز أكبر.
أحسب أن كل وزاراتنا ومؤسساتنا وشركاتنا الوطنية في مملكة البحرين مرَّت بنفس الظروف من العطاء الوطني الذي لا يتوقف... أجيال عاشت التجربة بكل تجلياتها، نماذج مضيئة، مشرقة أثبت فيها البحرينيون قدرتهم على العطاء والإنجاز والتفوق خدمة للوطن والمواطنين... عندما نستمع إلى تجاربهم في المجالس التي انتشرت في مدن وقرى البحرين ممن تقاعدوا عن العمل وتتاح الفرصة لهم للحديث عن بداية مشوارهم العملي نلمس هذا الإصرار والثبات على السعي لتحقيق النجاح والتعلم من المعطى الجديد والتفوق في تحقيق ما يصبو إليه الوطن...
هؤلاء كل في مجال عمله يستحق منا أن نقول مع أصحاب المبادرة «ما نسيناكم»، فأنتم ممن أسهمتم في خدمة الوطن وحرصتم على الإنجاز الذي نفخر به اليوم، إننا لا نملك إلا أن نبارك ونؤيد هذه المبادرة «ما نسيناكم»، ونشد على أيدي أصحابها، وندعو الله جلّت قدرته أن يوفقهم لبلوغ أهدافهم، وأحسب أن هذه المبادرة يمكن لها أن تعم مختلف المجالات، وأن يتبناها العاملون في مختلف الوزارات والمؤسسات والشركات الوطنية، فتبادل الخبرة والتجربة والاستماع إلى المعايشة في ظروف صعبة أو ربما قاسية تستلزم منا أن نأخذ الدروس والعِبر، فتجارب الحياة لا تسقط بالتقادم، وكل جيل يستفيد من تجارب من سبقه رغم تغير الظروف ومستجدات الحياة، فالعزيمة والإصرار والسعي لبلوغ النجاح أهداف تلتقي عندها كل الأجيال مهما تباينت مجالات الحياة العملية.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..