طباعة
sada-elarab.com/178633
هل كان عند الناس من الصبر والاحتمال ما تتسع له الصدور؟!
كنت استمع إلى أحد الأطباء من دولة الكويت في حديث بإذاعة (مونتي كارلو) الفرنسية باللغة العربية، فتكلم عما يقدم للمريض من خدمات طبية، والظروف والمعوقات ومما أثاره ولفت نظري هو مناشدته للمرضى بالتحلي بخصلة الصبر والانتظار وأثارت ثقافة الانتظار شجونًا وشؤونًا عندي، خصوصًا وأننا بتنا نتعامل مع «الانتظار» في كل أمور حياتنا اليومية قد يطول هذا الانتظار، وقد يقصر طبقًا للخدمة التي ننشدها وبناء على الظروف التي نمر بها كأفراد أو جماعات أو مدينة أو قرية أو وطن، بعضنا حباه الله بنعمة الانتظار وعدم الاستعجال، والبعض مثل ما نقول: «خلقه ضيق» فلا يقوى على الانتظار ويريد أن ينجز معاملته في التو والحال غير مبال بمن أتى قبله... نجد ذلك في المصالح الحكومية، ونجده في الطريق العام، خصوصًا أولئك المستعجلين الذين يقودون سياراتهم بسرعة جنونية ويعتقدون أنهم أولى من غيرهم، ورغم مخالفتهم المرورية إلا أنهم يصرون على أن الأولية لهم وليتدبر الآخرون أمورهم...
خيرًا فعلت بعض الوزارات الخدمية وبعض المؤسسات والبنوك بأن أوجدت آلة تعطي طالب الخدمة رقمًا ومن خلال هذا الرقم ينتظر دوره... وقد أصبحنا نتعامل مع الأرقام في حياتنا اليومية بشكل عادي، وهي أرقام حيادية تعطى الأولوية لمن أتى قبل غيره، وفي ذلك احترام فلا أحد يتخطى الآخر، وبذلك حافظنا على خصوصية الأسبقية في طلب الخدمة.
غير أن الانتظار في صورته الأشمل يحتاج منا إلى وقفات، فالانتظار فيما لا طائل منه مؤذي وغير محمود أو مرغوب وهو يعطل مصالح الناس والأمة، والانتظار لظروف تقتضيها مسألة الانتظار لفرج يأتي بعد الشدة هو أمر ممكن الصبر عليه واحتماله والتعود عليه، وهي أمور في الأول والأخير تعتمد على التقديرات والأمور النسبية ولكل حالة ظروفها ومعطياتها وملابساتها.
هل كان إيقاع الحياة في عصور سبقت يسمح بالانتظار إلى أوقات أطول؟! وهل كان وصول الخدمات للناس في تلك الأوقات يتطلب الكثير من الصبر والاحتمال وطول مدة الانتظار؟! هل كان الناس عندهم من الصبر والاحتمال ما تتسع له الصدور والقلوب فيكون الانتظار عنوان رئيسي في تلك المرحلة؟! ربما كان ذلك فكل الاحتمالات مطروحة، أما نحن في هذا الزمن المتسارع الخطى والذي يعيش فيه الإنسان وسط ضغوط لا حصر لها، فإن الانتظار عند البعض يكاد يكون أشبه بالمستحيل إلا من اضطر إليه اضطرارًا...
عمومًا نحن بحاجة إلى إشاعة روح ثقافة الانتظار في محيطنا الأسري وفي مجتمعنا الصغير، والتوسع قليلًا إلى مجتمعنا الأشمل في الوطن حسب الظروف والمقتضيات والحالة التي تستدعي مثل هذا الانتظار... والمهم في الأمر هو أن يكون هذا الانتظار مبني على أسس علمية، منطقية وعقلانية، وأن يخطط له بأسلوب يفضي إلى نتائج مرضية للأفراد والجماعات والوطن، فكل أو معظم أمور حياتنا تحتاج منا إلى إعمال الفكر ودراسة الحالة بكل تفاصيلها والنظر في الإيجابيات والسلبيات والبناء على ما هو في صالح الأفراد والجماعات والوطن، والأمور تستقيم إن نحن أدركنا أن هذا الانتظار في صالح الجميع، وأن الجميع سيغنم من هذا الانتظار المبني على توخي المصلحة العامة وبما يعود على الجميع بالخير.
نحن إذن بحاجة إلى تأصيل ثقافة الانتظار المدروس وبحاجة إلى تعويد أبنائنا وأحفادنا على فضيلة الانتظار منذ نعومة أظفارهم، رغم أن ذلك ليس أمرًا سهلًا فالطفل يهمه أن تقضى حوائجه في التو والحال، وهو غير معنيّ بالملابسات التي تحيط بقدرة أسرته على تحقيق ما يصبو إليه، لكن مع الوقت ستتاح الفرصة له لمعرفة ضروريات الانتظار والواجبات التي تحتم علينا احترام ثقافة الانتظار.
عمومًا نحن بحاجة إلى نبذ كل ما من شأنه يبعدنا عن التفكير في ميزة الانتظار، والأمثلة التي مررنا بها وقد نمر بها قد تثير في نفوسنا تساؤلات ووجهات نظر متعددة ومتباينة، ولذلك فلا ضير أن نثير مثل هذه التساؤلات والإشكالات في أهمية ثقافة الانتظار في مجتمعاتنا؛ لأننا قد نواجه يوميًا معظلة عدم الالتزام بفضيلة الانتظار المفضي إلى الإنجاز لما فيه خير الجميع...
وعلى الخير والمحبة نلتقي