طباعة
sada-elarab.com/173505
كنَّا في جلسة لا تخلو من ذكريات الزمن القديم بكل ما تحمله هذه الذكرى من معايشة أو استماع لقصص الماضيين والعبر المستفادة منها، يوم كان للرجل مهنته التي اعتاش منها، بالإضافة إلى سعيه لإصلاح ما يطرأ على البيت من أمور تحتاج إلى التعامل معها طبقًا لتقلبات الجو صيفًا وشتاءً مع إستعداده للتعاون مع جيرانه في المدينة أو القرية كالمساعدة في البناء أو المساعدة في إعداد أدوات صيد السمك «كالحظور» وأقفاص الصيد من الأسل أو أعواد المعدن الخفيف «السيم» وفي المناسبات كالزواج والتعزية يستنفر الناس للمساعدة وكل يقدم ما تجود به نفسه اثباتًا لمبدأ الأسرة الواحدة، وواجب الجيرة، والإحساس بالتراحم والود وأداء ما يستحقون من واجبات متعددة فكان الناس يتعاونون كل حسب طاقته وإمكانياته أما المرأة فلم يكن دورها يقل عن الرجل، فقد كانت تقوم بأدوار كبيرة فبحكم الجيرة كان عليها أن تقوم بمساعدة الجيران في كل شأن يخص الأسر من ارضاع الأطفال والعناية بهم إلى المساعدة في الطبخ خصوصًا وقت إقامة الولائم والإهتمام بنظافة «الفريج»، بل إن بعض النساء كنَّ يقمن بأعمال اختص بها الرجال كصيد السمك وجلب الماء من العيون الطبيعية «الأرواء»، كما كانت للنساء حرفهن التي اعتشن عليها، والحرف الضرورية للبيوت التي برعت فيها النساء، فكانت المنازل وقتها بمثابة خلية النحل التي لا تهدأ، وكانت القرى الساحلية والقرى الزراعية قد وجدت من الفرص فيها بحيث تعاون الرجل والمرأة في الاستفادة من خيرات السواحل والزراعة بما يعود على الأسرة بالخير ويعود على القرية وأهلها أيضًا بالمنفعة...
أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، تحتاج من المختصين في علم الاجتماع إلى دراستها والتمعن فيها، وإيراد النماذج المشرفة عنها والتي أسهمت في تنمية المجتمع وقيام كل فرد من أفراد مجتمعنا بدوره المأمول والمرتجى، حتى بات التكافل بينهم مشهودًا، والتعاون المجتمعي متحققًا والتكاتف والتآزر برز في أكثر من موقف..
نحن اليوم بحاجة إلى أن نكيِّف أنفسنا بما تقتضيه ظروف المعيشة، بالطبع ستختلف الوسائل، باختلاف التطورات التي استجدت على المجتمع، ولا نستطيع بالتأكيد أن نعود القهقرى أو نعيد عقارب الساعة إلى الوراء فلا الظروف تسمح ولا المعطيات البيئية القديمة متاحة، والحياة تعقدت وتشابكت وتداخلت، وفرضت علينا ظروف بتنا متعلقين بها وصارت من ضروريات حياتنا...
لو أملك الحل ولا أزعم أن الحل عند جهة معينة في مجتمعنا، فالمسؤولية تضامنية، وكلنا شركاء في التفكير وإيجاد الحلول لأن نسهم في التنمية المجتمعية وأن نشعر بأن كل فرد من أفراد مجتمعنا عليه واجب ومسؤولية، وإذا كان أجدادنا وآباؤنا قد شعروا يومًا بهذا الواجب، فمن حقنا أن نقلق ومن حقنا أن نتنبه إلى أن الظروف قد لا تكون دومًا مواتية، وأن المجتمع مطالب بأن يعتمد على نفسه في كثير من الأمور، فقديمًا قيل: «حرفة عند صاحبها تقيه الحاجة والعوز»، ولنبدأ من المنزل ونفكر كيف نصلح ما تعرض للخلل في محاولة أولى أو ربما محاولات ولا نركن إلى جلب من يقوم بهذا الإصلاح دون إعمالنا الفكر، فالأسهل أن نقوم بجلب من يصلح الخلل، لكن لم نحل مشكلة العجز عندنا.. قد يقول قائل وما قيمة التخصص الذي أفنى بعض الناس عمره فيه وهذا بالطبع لا يغنى عن التخصص في مهن التخصص فيها واجب وحتمي ولا غنى عنه، ولكننا نتكلم عن حرف ومهن المعرفة بها وعنها تفيد المجتمع وتوفر على الأفراد المال والجهد وفي نفس الوقت تدخل الارتياح النفسي لمن قام بهذا العمل خير قيام.
إن التحدي الذي نواجهه اليوم هو بالتأكيد تحدى حضاري والتحديات في هذا الزمن كثيرة ومتشعبة ومتباينة ولكننا نشاهد في بلدان كثيرة كيف واجهوا التحديات واستطاعوا أن يتعايشوا معها وأن يضيفوا الكثير لمجتمعاتهم ويسهموا في اقتصاد بلادهم والتغلب على الندرة وشح الموارد وباتوا من مستوردين ومستهلكين إلى مصنعين ومصدرين... ونقف منهم مذهولين، والسر طبعًا في ذلك أنهم درسوا حاجاتهم وضرورياتهم وأدركوا النقص الذي لديهم فلم يقفوا أمام ذلك عاجزين وإنما واجهوا التحديات بتحديات أكبر وهيأوا أنفسهم والأجيال التي أتت بعدهم لقادم الأيام بحيث يكونوا فاعلين ومؤثرين ودرسوا السلبيات والإيجابيات وبنوا عليها مستقبل بلادهم.
لسنا والله عاجزين، فالخبرات والمواهب موجودة في كل مجتمع والاستفادة منها تتفاوت، ولكن إمكانية الإستفادة من ذلك ممكنة ومتاحة متى ما أدركنا الحاجة الفعلية لضرورة الإنجاز الذي يحقق لنا الاكتفاء الذاتي، ويحقق لنا التقدم بمجتمعنا نحو البناء والنماء ولعل في مشروع «فكرة» الذي أطلقه منذ فترة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء برعاية الأفكار التي يطرحها شباب هذا الوطن وتبنيها وتطبيقها عمليًا بعد دراستها والتمعن فيها والتأمل في معطياتها ونتائجها اقتصاديًا واجتماعيًا وماليًا ما يفيد مجتمعنا ويضعنا على الطريق الصحيح للاستفادة من أفكار أبناء مجتمعنا وتطلعهم نحو الغد الأفضل..
لست بحاجة إلى التذكير بأن من كان يعمل في البناء هم من أبناء البلاد، ومن كان يعمل ويعملون حاليًا في الصناعة هم من أبناء البلاد، ومن كان يعمل ويعملون حاليًا في البنوك هم من أبناء البلاد، والقائمة تطول وأنتم أعزائي القراء أدرى بهم وبإمكانياتهم ويمكننا أن نورد الأمثال والشواهد الناصعة من أبنائنا الذين عملوا في الوطن العزيز، وأسهموا مع أشقائهم وأصدقائهم في الخليج العربي والخارج.
وعلى الخير والمحبة نلتقي