الاشراف والقبائل العربية
الكذب أول مظاهر تزوير للتاريخ ..
تعتبر الرواية الكاذبة عند كتاب التاريخ والمؤرخين من
أهم أهداف المغرضين منهم لحشو الذهن وملء الفراغ بخرافات وأساطير وقمامات فكرية عفا
عليها الزمن ولا سند لها من الواقع التاريخي أو الحضاري وتلبيس تلك الروايات بلباس
الحقائق الخارقة للعادات أو المعجزات والتي يذهبون بها إلى تفسيرات دينية لا صحة
لها من الواقع أو الروايات الدينية ، ولكن
وظفها الكتاب والمؤرخون ذوو المآرب الهادفة إلى تشويه صورة المعتقدات السماوية
والانتحاء بالأتباع إلى طرق مخالفة لطريق ومنهج السماء .
لم تكن ظاهرة ـ الكذب في عالم تدوين التاريخ عامة
والتاريخ الإسلامي خاصة ـ فردية ، ومن ثم يمكن أن نقول بأن الكذب في التأريخ كان
ظاهرة جماعية مقصودة بغرض تشكيل العقل المسلم والمستقبل للإسلام تشكيلاً مخالفاً
لواقع وصحيح وثوابت الإسلام وتشويهاً لجوهر العقيدة الإسلامية الأمر الذي سينعكس
على فهم القرآن والسنة فهماً مغايراً أو مغلوطاً يساعد على خلق تفسير أو تأويل
النصوص بغير المقصد الذي وضعت أو جاءت من أجله .
كانت تلك الظاهرة متواكبة مع ظهور الإسلام ، فقد أحس
الرسول r أن هناك فئات من الناس قد دخلت الإسلام وهى تبغي
الكيد له عن طريق وضع الأكاذيب موضع النصوص المنسوبة للرسول r على أنها وحى جاء به الرسول فلا يقبل النقاش
، ومن ثم قال النبي r فيما رواه البخاري [ جـ 1 ص 52 حديث رقم
107] " من كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ "
فالحديث فيه نبأ بأن هناك كذبة ظهروا أو سيظهرون يكذبون على الرسول r محاولين أن يخلطوا أكاذيبهم بأقوال الرسول
حتى تصير أكاذيبهم من المسلمات ، لذا حذر الرسول منهم ومن كذبهم .
لقد شكل هؤلاء المؤرخون ـ أو قل الرواة ـ الكاذبون خطراً
ظاهراً على العقلية الإسلامية في القرون الأولى من تدوين التاريخ ، كما شكلوا
جيلاً تخصص في الكذب على رسول الله r وأصحابه . الجدير بالذكر أن رواية الأحاديث
النبوية كانت مرتعاً خصباً لهؤلاء الرواة الكذابين لكي يدلوا بدلوهم في تشكيل
مسارات الحياة الفكرية والدينية مكونين مدرسة أو مدارس متخصصة في الوضع والتلفيق التاريخي
الملموس متأثرين بالأوضاع السياسية أو الاختلافات المذهبية والفكرية التي كانت لها
أكبر تأثير في تسيير دفة هذه الأكاذيب ، وبدون شك فإن تلك الأوضاع خلقت عدة أجيال
تمرست في الكتابات المزورة والمتوارثة عن أسلافهم حتى صار في معتقدهم أن تلك
الأكاذيب حقائق متأصلة .
على أية حال فإن القرون الأولى من بداية التاريخ الإسلامي
قد شهدت أجيالاً من الرواة الوضاعين التي كونت مدرسة أو مدارس ذات منهج عريق في
صناعة الروايات التاريخية وتلبيسها ثوب الحق ، ولا يظنن أحد أن تلك المدارس قد
أقفلت أبوابها بعد كشف المحدثين ـ أصحاب منهج الجرح والتعديل ـ لهؤلاء الوضاعين ،
بل ما زالت مدارسهم مفتوحة وتفرخ الكثير والكثير من هؤلاء الذين لا مقصد لهم سوى
تشويه الإسلام وتشكيل العقل المسلم حسبما يريدون .
إننا نصادف أول الرواة الذين اتهموا بالوضع والكذب في
رواياتهم وهو محمد بن يونس الكديمى البصرى ، فقد ذكر ابن عدى [ الكامل في الضعفاء
جـ 6 ص 292] بأنه متهم بوضع الحديث وادعى رؤية قوم ـ أي روى عنهم ـ وهو لم يرهم ،
وروى عن قوم لا يعرفون ـ أي أنهم من تأليفه ووضعه ـ وترك عامة الشيوخ ، بل كان
الكديمى يتقرب بالكذب ، وكان أمره منكشفاً بحيث لم يعد خافياً على أحد من الرواة
المعاصرين له ، وكانت رواياته دون سواه من الوضاعين لا تقبل لكثرة مناكيره .
ويقول الذهبي [ تذكرة الحفاظ ، جـ 2 ص 618] بأن أبا
العباس محمد بن يونس بن موسى القرشي السامي البصري الكديمى حافظ البصرة ومحدثها
مكثر معمر وهو واه ، حدث عن أبي داود والخريبى وأزهر السمان وزوج أمه روح بن عبادة
وعنه بن الأنباري وإسماعيل الصفار وأبو بكر الشافعي وأبو بكر بن خلاد النصيبي وأبو
بكر القطيعي وخلق وكان يقول " كتبت عن ألف ومائة وستة وثمانين نفسا من
البصريين ". وذكر الطرابلسى : الكشف الحثيث جـ 1 ص 254 بأن الكديمى أحد
المتروكين ولم يحسن الظن به إلا من لم يخبر حاله ، ولكنه كان يكذب على رسول الله r وعلى العلماء ، وكان يختلف إليه من طلاب
العلم خلق كثير ، بل قال الطرابلسى ما رأيت خلقاً أكثر من مجلسه ، وقال الدارقطنى
بأنه متهم بوضع الحديث .
ولننظر إلى المكانة الرفيعة والشهرة الذائعة التي بلغها
هذا الرجل في عصره في بلاد العراق على الرغم أن العلماء اتفقوا على كذبه ووضعه
الروايات ، فلم تغن عنه شهرته شيئا في سبيل كشفه وفضحه ، ولكن لنتأمل كيف كان
مجلسه من الكثرة وهذا بلا شك لعب دوراً في تشكيل تلاميذ تأثروا به وكانوا امتداداً
له ولأمثاله . ومما يشفع للعلماء في عصره أن كشفوا أمره ، فقد ذكر ابن أبى حاتم :
الجرح والتعديل جـ 8 ص 122 ، بأن محمد بن يونس الكديمي قدم بغداد ثم روى عن أزهر
بن سعد السمان وروح بن عبادة وأبى أحمد الزبيري وسعيد بن عامر بأن عبد الرحمن قال
سمعت أبى وعرض عليه شيء من حديثه فقال ليس هذا حديث أهل الصدق .
إن تلك الرواية وغيرها توضح لنا أن العلماء كانوا
يترصدون هذا الراوي الكاذب ويكشفون زيفه ويفضحون أمره وبينوا سرقاته للأحاديث وأنه
متروك ولم يشفع له أن روى عن الكبار من المشاهير . أنظر الدارقطنى : سؤالات الحاكم
، ص 137 ، ابن الجوزى : الضعفاء والمتروكين ، جـ 3 ص 109 ، ابن حجر : لسان الميزان
، جـ 7 ص 380 .
وهناك من الرواة الوضاعين للروايات مثل أحمد بن عبد الله
بن خالد الجويبارى ويقال الجوبارى ، وجوبار من عمل هراة ، قال ابن عدى كان يضع
الحديث لابن كرام على ما يريده وكان بن كرام يخرجها في كتبه ، قال الذهبى الجويباري ممن يضرب المثل بكذبه ومن طاماته فذكر أثرا وحديثا مرفوعا
، وقد ذكر ابن الجوزي حديثا في الإيمان لا يزيد ولا ينقص ثم قال فهذا من موضوعات الجويباري ثم ذكر كلام بن عدي ثم نقل عن بن حبان أنه يضع الحديث ،
ويقول ابن حجر : لسان الميزان ، جـ 1 ص 193 ، روى
الجويبارى عن بن عيينة وطبقته قال بن عدي كان يضع الحديث لابن كرام على ما يريده
فكان بن كرام يخرجها في كتبه عنه فمن ذلك عن أبي يحيى المعلم عن حميد عن أنس رضي
الله عنه يكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة يجدد الله سنتي على يده . الحديث ،
وعن أبي سلمة عن أبي هريرة t حديث اطلبوا العلم ولو بالصين ، وله عن أبي
البخترى هو شر منه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا من
امتشط قائما ركبه الدين ، قال بن حبان هو أبو علي الجويباري دجال من الدجاجلة .
وروى الجويبارى عن الأئمة ألوف الحديث ما حدثوا بشيء
منها فمن ذلك عن بن عيينة عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما مرفوعا
الإيمان قول والعمل شرائعه لا يزيد ولا ينقص ، وقال النسائي والدارقطني كذاب قلت
الجويباري ممن يضرب المثل بكذبه ، ومن طاماته عن إسحاق بن نجيح الكذاب عن هشام بن
حسان عن رجاله حضور مجلس عالم خير من حضور ألف جنازة ومن ألف ركعة ومن ألف حجة ومن
ألف غزوة ، وقال الفلسطيني لا يعرف وجويبر متروك وقال البيهقي أما الجويباري
فإني أعرفه حق المعرفة بوضع الأحاديث على رسول الله r فقد وضع عليه أكثر من ألف حديث ، وسمعت
الحاكم يقول هو كذاب خبيث ووضع كثيرا في فضائل الأعمال لا تحل رواية حديثه بوجه
وسمعت الحاكم يقول اختلف الناس في سماع الحسن من أبي هريرة فحكى لنا أنه ذكر ذلك
بين يدي الجويباري فروى حديثا مسندا أن النبي r قال سمع الحسن من أبي هريرة انتهى ، وقال
الخليلي كذاب يروى عن الأئمة أحاديث موضوعة وكان يضع لابن كرام أحاديث مصنوعة وكان
بن كرام يسمعها وكان مغفلا وذكر الجوزقاني في الموضوعات فيه نحوا مما قاله بن حبان
وكان بن كرام يسميه أحمد بن عبد الله الشيباني ، وقال أبو سعيد النقاش لا نعرف
أحدا أكثر وضعا منه وقال بن حبان في ترجمة إسحاق بن نجيح الملطي تعلق به أحمد بن
عبد الله الجويباري فكان يروي عنه ما وضعه إسحاق ويضع عليه ما لم
يضع أيضا .
وهناك راو آخر وهو ابن تميم السعدي الذي لا يقل خطورة في
الكذب وتزوير الروايات عمن سبقوه ، فقد روى أنه وضع من الروايات قرابة مائة ألف
حديث ، حتى قال الأصمعي عن شعبة بن الحجاج قال : " ما أعلم أحدا فتّش الحديث
كتفتيشي ، وقفتُ على ثلاثة أرباعه كذب " . الذهبي : سير أعلام النبلاء ، جـ 6
ص 226 .
والواقع أن هناك جمعاً كبيراً من الرواة والمؤرخين الذين
امتطوا متن الكذب في الروايات كذبوا على رسول الله r ، فمنهم على سبيل المثال : محمد بن عمر
الواقدي ، و جابر الجعفى ، و أبو سلمى عثمان البري ، ونعيم بن حماد ، و معلى بن
هلال الكوفي ،و مبشر بن عبيد الكوفي ، وهب بن حفص البجلي ، وأبو سعيد بن علي
العدوي ، و نهشل بن سعيد النيسابورى ، وإسماعيل بن أبان الكوفي ، و سليمان بن عمرو
الكوفي ، وسليمان بن عيسى السجزى ، وجميع بن عمير الكوفي ،و الجاحظ بن بحر المعتزل
. أنظر ، خالد كبير علال : مدرسة الكذابين في رواية التاريخ الإسلامي و تدوينه ، ص
المقدمة .
إن ما يؤسف له أن هؤلاء الرواة وضعوا أحاديث أخذتها بعض
الفرق التي تنتمي إلى الإسلام ـ زوراً وبهتاناً ـ واعتبرتها جزءا من عقيدتها ، ولم
تجد فكاكاً من قبضتها ، وهناك من الرواة من تخصصوا في وضع أحاديث تتعلق بمذهب سياسي
أو ديني أو فكرى مثل محمد بن عثمان النصيبى ومحمد بن عبد الله الشيباني الكوفى الذي
تخصص في وضع الأحاديث الخاصة بفرقة الشيعة الرافضة ، وعن رواة الشيعة فحدث ولا حرج
، فهؤلاء كذبوا ثم كذبوا حتى اعتبروا أن الكذب من الدين وغلفوه بكلمة التقية ، فهم
أكذب أهل الأرض على رسول الله وأهل بيته .
وأذكر أنني قمت سنة 1990م ببحث عن أبى مخنف لوط بن يحيى
المعروف بأبى مريم ، فتبين لي أنه وضع أساس التزوير في التاريخ وأنه سبب في تحول
الشيعة عن الدين الصحيح ، وأنه كذاب ووضاع للروايات لا يبارى ، فهذا الرجل ينسب
إليه كثير من الكتب المليئة بالروايات التي كانت سبباً في ضلال فرق الشيعة ،
لاسيما وأنه شيعي محترق ، ويكفى لدى الرواة أن يكون الراوي شيعياً لتلفظ روايته
ويعاب فى خلقه ودينه وأمانته .
كان أبو محنف متهماً في دينه ، متروك الرواية ، ليس بثقة
. ابن أبى حاتم : الجرح والتعديل ، جـ 7 ص 182 ، وهو متعهد روايات الشيعة وصاحب
أخبارهم ، ولكن يؤخذ عليه أنه كان غير صادق وغير أمين ، فهو لا يروى إلا الخرافات
ويذم الصحابة ، ويقول ابن عدى : الكامل في الضعفاء ، جـ 6 ص 93 بأنه حدث بأخبار من
تقدم من السلف الصالحين ولا يبعد أن يتناولهم أي بالذم . وله كتب عديدة كلها مصادر
هامة لدى الشيعة وهو المصدق لديهم على الرغم أنه معروف حتى لدى الشيعة بأنه راوي
المناكير ولكن كتبه عندهم من المصدقات ويتقربون إلى الله بقراءة كتبه على العامة ،
وقد ذكر له ابن النديم عددا كبيراً من الكتب في مجال التاريخ ، أنظر الفهرست ، جـ
1 ص 136 .
كان هؤلاء الرواة قد أتقنوا صناعة الأسانيد حتى يلبسوا
على القراء أن الرواية صحيحة ، وكانوا يسرقون الأسانيد الصحيحة ويصنعون لها متوناً
ويضعون على لسان الرجال ما لم يقولوا ، ولكن على حد قول السخاوي : استعان الرواة
علينا بالكذب فاستعنا عليهم بالتاريخ ، وبالإضافة إلى ذلك فقد مهروا ـ وخاصة من
أتقن اللغة منهم ـ في وضع المتون ، ولكن صيارفة اللغة كشفوا كل هذه الأباطيل .
ويأتي جابر بن يزيد الجعفى المتوفى سنة 128هـ فى مقدمة
الرواة المزورين في التاريخ الإسلامي ، فقد ذكر الذهبي : الكاشف ، جـ 1 ص 288 ،
بأنه من أكبر علماء الشيعة ، كان شعبة يثق به ولكن تركه لما كشف أمره في الكذب .
وقال عنه ابن حجر : تقريب التهذيب ، ص 137 بأنه رافضي ضعيف ، وذكر البخاري :
التاريخ الكبير ، جـ 2 ص 210 بأن الشعبي قال لجابر الجعفى : يا جابر لا تموت حتى
تكذب على رسول الله r ، فما مضت الأيام والليالي حتى أتهم بالكذب
. ويبدو أن الشعبي نظر في مجمل حاله فوجده على غير الحق وأنه يكذب ـ كعادة الشيعة
ـ من أجل بناء دينه وعقيدته وهذا ما يعتقده الرافضة .
كان الجعفى من أصحاب عبد الله بن سبأ اليهودي الذي دخل
الإسلام ليكيد لأهله ، وكان يقول برجعة على بن أبى طالب إلى الدنيا ، وكان لديه من
الأحاديث خمسون ألف حديث لم يحدث منها بشيء ، وكان ظاهر الكذب ومن ثم قال ابن معين
بأن جابر الجعفى لا يكتب حديثه ولا كرامة . أنظر ، ابن حبان : المجروحين ، جـ 1 ص
208 .
أما عن رواة الأخبار التاريخية فقد تخصص جماعة من الرواة
في الكذب على علي بن أبى طالب وأهل البيت ، وهؤلاء معظمهم من الشيعة ومنهم عباد بن
عبد الله الأسدى ، والحارث بن عبد الله الأعور الهمدانى ، ومحمد بن السائب الكلبي الكوفي
، الذي ادعى النبوة بعد ، وروى عن جعفر الصادق أنه كان يقول " برأ الله
ورسوله من المغيرة وبنان بن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل البيت ، وقال سليمان
الأعمش ( ت : 148هـ) عن المغيرة بن سعيد " لم يكن بالكوفة ألعن منه فإنه يروى
عنه من التزوير على علي بن أبى طالب وعلى أهل البيت وهو دائماً يكذب عليهم ولا
أعرف له من الحديث مسنداً " .
إن رواة الشيعة ومؤرخيهم يفوزون بنصيب الأسد في الكذب
وصناعة الروايات الملفقة ، فمن أكاذيب المغيرة بن سعيد وضلالاته أنه أقسم للأعمش
أن علياً يحيى الموتى وأنه لو شاء لأحي عاداً وثموداً ، فقال له الأعمش : من أين
علمت ذلك ؟ قال : إنه ذهب إلى رجل من أهل البيت ـ لم يسميه ـ فتفل في فمه فأصبح
يعلم كل شيء ، وبذلك العلم علم أن علياً يحيى الموتى .
ويقول الدكتور خالد علال : فأنظر إلى هذا الدجال الزنديق
الوقح ، كيف يكذب على أهل البيت دون حياء ، و يزعم أنه أصبح يعلم كل شيء ، و هذه
صفة لا يتصف بها إلا الله تعالى الواحد الأحد .
ومن أكاذيبهم على علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – روايتان ، أولهما ما رواه الكذاب
عباد بن عبد الله الأسدي ، أن عليا قال : " أنا عبد الله و أخو رسول الله ،و
أنا الصديق الأكبر ،و ما قالها أحد قبلي ، و لا يقولها إلا كاذب مفتر ، و لقد
أسلمت قبل الناس بسبع سنين " . هذه الرواية هي عند الذهبي كذب على علي بن أبي
طالب ، لأنها من أظهر الكذب المكشوف ، فكيف يَسلم علي قبل نزول الوحي على رسول
الله rبسبع سنين ؟ ، و الله تعالى يقول له : "
ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الإيمان " .
ولا شك أن عليا و أهل البيت y بريئون من تلك الأكاذيب ، و ذلك أن خصومهم
من الشيعة والنواصب والخوارج وغيرهم من الناس ، قد كذبوا عليهم كثيرا ، حتى قال
شعبة بن الحجاج ،و حصين بن عامر : " ما كَذب على أحد من هذه الأمة ما كَذب
على علي – t " ، و قال محمد بن سيرين : عامة ما
يَروى عن علي بن أبي طالب باطل . وذكر ابن القيم الجوزية أن الرافضة –الشيعة – وضعت من فضائل علي و أهل البيت نحو
ثلاثمائة ألف حديث ، ثم قال أن هذا غير مستبعد ، فلو تَتبع ما عند الرافضة من تلك
الروايات لوجد الأمر كذلك.
إن تراث الشيعة ملئ بالروايات المنحولة على أهل البيت
وحجتهم في ذلك مناصرتهم ، وهناك مقولة لجعفر الصادق أن أهل البيت ابتلوا بالكذب عليهم
من قبل أناس يزعمون أنهم شيعتهم . إن التراث الشيعي يكمن فيه الخطر الفكري الذي
ينشرونه على أنه الإسلام ، إسلام أهل البيت ، ولكن في حقيقة الأمر أنهم على منهج
باطل وفكر منحرف ، فقد خالفوا منذ نشأتهم الإسلام ومنهج البيت الرسالي وحاولوا ـ
وما زالوا يحاولون ـ أن يلبسوا على الناس أن هذا المنهج هو منهج آل محمد مخالفين
بكل المقاييس منهج أهل البيت ويزعمون أنهم على فكرهم ومنهاجهم ، وأرادوا أن يدعموا
مذهبهم بالكذب عليهم ونسبوا هذا الكذب إلى أهل البيت .
كذلك كان التشيع المذهبي يتعارض كلياً مع القرآن الكريم
، فصنعوا الروايات التي توفق بين القرآن ومذهبهم الوضعي ، فيضعون الأحاديث
والروايات ثم يتدينون بها ، ويؤصلون القواعد التي تتعارض مع كتاب الله ، ثم يؤولون
كتاب الله وفق قواعدهم الموضوعة ، ثم لجأ رواة الشيعة إلى الكذب على الرسول وعلى
الأئمة نصرة لمذهبهم وليس نصرة للحق .
وهذا وقد تلقف المستشرقون كتب الشيعة وأباطيلهم
واعتبروها مصدراً إسلامياً أصيلاً وأخذوا يؤصلون عليه انحراف الفكر الإسلامي ناسين
أو متناسين أن الشيعة هم مؤسسو مدرسة الرواة الكذابين في التاريخ الإسلامي ، ولا
يعتمد على كتبهم كمصادر إسلامية ، ولكن المستشرقين بما لهم من مآرب مغرضة لا
يميلون إلى النقد الحر والبناء لوضع الأمور في نصابها الطبيعي ، فهم لهم نفس
النفوس الطامحة إلى تأصيل الروايات الإخبارية الهابطة والباطلة التي تخدم نفس
الغرض ونفس الهدف .
لم يكن بعض الرواة من أهل السنة بمنأى عن انتحال الكذب في
رواياتهم ، ولكن بالبحث تبين أن لهم ميولاً شيعية أو أنهم متأثرون بروايات الشيعة
، مثل المدائنى ، وابن السائب الكلبي ، فضلاً عن اعتماد كثير من علماء أهل السنة
على روايات كتب أهل الكتاب بما حوت من خرافات وأباطيل فشحنوا بها كتبهم دون أن
يدروا أن تلك الأعمال ستنسب إليهم لا إلى أهل الكتاب ، ولكن الطبري كان ـ رغم سيره
على نفس المنهج ـ إلا أنه أنقذ كتبه ومؤلفاته بالأسانيد .
أضف إلى ذلك الرواة الزنادقة الذين لا يرغبون في الإسلام
أو في غيره فهم يريدون الفساد العقائدي على أي صورة تكون ، ويروى الذهبي : سير
أعلام النبلاء ، جـ 8 ص 542 ، تذكرة الحفاظ ، جـ 1 ص 273 ، أن هارون الرشيد أخذ
زنديقا ليقتله فقال الرجل أين أنت من ألف حديث وضعتها ؟ قال فأين أنت يا عدو الله
من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك يتخللانها فيخرجانها حرفا حرفا .
فالتاريخ الإسلامي لم يسلم من التزوير من الزنادق أو المجوس
أو الشيعة أو طائفة المتكلمين من المعتزلة والقصاصين وغيرهم من الحاقدين الذين لم
يستطيعوا الكيد للإسلام إلا من خلال دس السم في العسل ، وقد أعانهم في العصر
الحديث مدارس التغريب التي تبغي طمس الهوية الإسلامية .