الشارع السياسي
المعايير الحاكمة في دور الدولة في حفظ السلم والأمن الدوليين
الإثنين 17/ديسمبر/2018 - 04:04 م
طباعة
sada-elarab.com/125316
لا ريب أن أي مجتمع بحاجة إلى سلطة متميزة تتولى المحافظة على رابطة التضامن بين أفراد هذا المجتمع عن طريق وضع قواعد قانونية الغرض منها تنظيم نشاط الجماعة وتوجيهها لما فيه الخير والصلاح وإلزام هذه الجماعة بهذه القواعد إذا تطلب الأمر.
وينطبق الكلام هنا على الصعيدين الداخلي والدولي فكما ان القانون الداخلي توجد سلطة تتمثل في الدولة بالمحاكم والسلطات التنفيذية تكون ساهرة جاعلة نصب عينيها حماية أفراد الشعب الذين هم تحت رعايتها ،فانه على الصعيد الدولي توجد العديد من المنظمات الدولية من أهمها منظمة الأمم المتحدة التي تتألف من عدد من الأجهزة منها القضائية والتنفيذية والتي تتمثل في مجلس الأمم الدولي.
وبعد ان شهد العالم في مطلع القرن العشرين حربين عالميتين في اقل من اربعة عقود انهار خلالها السلم والامن الدوليين وسقط خلالها الملايين من الضحايا والجرحى ناهيك عن الخسائر الاقتصادية ،كل ذلك دفع الدول الكبرى بعد فشل عصبة الامم المتحدة في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية الى انشاء منظمة الامم المتحدة التي اكد ميثاقها على ان الهدف الاسمى الذي تسعى لتحقيقه هو حفظ السلم والامن الدوليين، وهذه المهمة من نصيب مجلس الامن.
وإنصافاً للقول ان مجلس الامن الدولي قد مارس جهوداً حثيثة بغية المحافظة على السلم الدولي الا ان عليه من المأخذ التي شكلت وكونت نقطة سوداء في قماش ابيض.
ان الواقع الدولي يكشف أن الولايات المتحدة تفضل بقاء الأمم المتحدة كقاطرة جاهزة ومستعدة للحركة, حين تملأ بالوقود اللازم لقطع المسافة المطلوبة منها, أي التعامل مع كل أزمة على حدة, ووفق كل حالة وبالأساليب المناسبة, وبذلك تحوَّلت الأمم المتحدة إلى حديقة خلفية لوزارة الخارجية الاميركية, أو "حصان طروادة" للسيطرة على العالم.
وهكذا نجد أن ما بين الدور الحقيقي المرسوم للمنظمة الدولية كما جاء في الميثاق, والدور المفروض من قبل القوى العظمى التي تتحكم بها مادياً ومعنوياً تكمن إشكالية وجودها, وجدوى الأمن الجماعي وترتيباته, فهل تكمل المنظمة الدور المفروض, وتتلاشى ؟ أم تستعيد دورها المرسوم وتصبح هي سيدة النظام الدولي ؟ القضية تحتاج إلى إعادة نظر جذرية والأهم من ذلك تحتاج إلى إرادة دولية قوية تعيد للمنظمة هيبتها عبر عملية إصلاح جذرية, تتناول ميثاقها وإدارتها وعضويتها وإعادة النظر في عدد أعضاء مجلس الأمن, واستعمال حق النقض VETO.
كما أن من الضروري أيضاً إدخال دول جديدة إلى مجلس الأمن تمثل القوى الفعلية على الساحة العالمية, ليس اقتصادياً وحسب, إنما حضارياً وثقافياً, بحيث يصبح مجلس الأمن تجسيداً فعلياً للقوى الفاعلة في العالم ومنتدى لحوار حضاراته, وإرادة قواه الحية, لمجابهة التحديات الكبرى في عالم اليوم المهدد في إنسانه وبيئته وفضائه, ما قد يودي بحضارة إنسان هذا الكوكب إلى الفناء, وهذا التحدي يستحق استجابة تكون بمثل مستواه.
إن استراتيجيا الأمن الجماعي تبلورت من خلال عدة صيغ لتنظيم المجتمع الدولي في أعقاب الحروب الأوروبية بدءاً من معاهدة "وستفاليا" العام 1648, مروراً بمعاهدة "أوتراخت" العام 1713, وصولاً إلى معاهدة "فيينا" العام 1815, عقب هزيمة نابليون بونابرت, والذي استمر حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى, وخلق "عصبة الأمم" العام 1919, والتي لم تنجح في تحقيق كل أهدافها, وكانت الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية العام 1945 تعبيراً أخيرًا عن الإرادة الدولية وتنظيمها للأمن الدولي( 14 ) واختصاراً لموازين القوى, عكست في بنيتها وممارستها أنماطا ثلاثة من وسائل تحقيق الأمن الجماعي وهي : الهيمنة, وتوازن القوى, والتشاور, وخضعت لهذا الواقع. فهي شجرة تفيء الدول الضعيفة إلى ظلها وتحط فوق قمتها "النسور" لترتاح أو تبني أعشاشها.
تواصل مصر مساعيها لاستكمال عضوية قدرة إقليم شمال أفريقيا لتضم جميع الدول أعضاء الإقليم. وترى أن عام 2016 يمثل فرصةً فريدةً لتقييم القوة الأفريقية الجاهزة، الآلية الرئيسية لحفظ السلام في إطار الاتحاد الأفريقي، في سياق قيام الأمم المتحدة بمراجعة عمليات حفظ السلام، والبعثات السياسية الخاصة، بما في ذلك ما يتعلق بالتعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي، خاصة بالنظر إلى حجم التحديات التي تواجه قارتنا الأفريقية الغراء، فهناك تغير كمي من ناحية بالنظر إلى العدد الكبير للصراعات والنزاعات، وهناك من ناحية أخرى تغير نوعى، إذ تتطور طبيعة الصراعات، ويتصاعد تهديد التنظيمات الإرهابية، والجماعات المسلحة، وهو ما يفرض على الجميع اليقظة واستنفار الجهود لتعزيز بنية السلم والأمن الأفريقية، والارتقاء بالآليات الأفريقية للسلم والأمن، وعلى رأسها القوة الأفريقية الجاهزة، التي تخطو اليوم خطوةً أخرى نحو التفعيل الكامل.
تحمل مصر، من خلال عضويتها في مجلس الأمن منتخبةً لتُمثل القارة الأفريقية، وعبر اضطلاعها بمنصب مقرر اللجنة الخاصة لعمليات حفظ السلام بالجمعية العامة للأمم المتحدة، رفع راية المساهمات الأفريقية في صيانة السلم والأمن الدوليين في السياق الأممي.
تتزامن رئاسة مصر للقدرة، مع تولى مركز القاهرة الإقليمي للتدريب على تسوية المنازعات وحفظ السلام في أفريقيا لرئاسة الرابطة الأفريقية لمراكز التدريب على حفظ السلام، ليكون قناة أخرى تساهم بها مصر لتعزيز التنسيق والتعاون الأفريقي. وقد شهد العام الماضي نشاطاً ملحوظاً لمركز القاهرة في هذا المجال، إذ استضاف دورة إعداد قادة عمليات دعم السلام الأفريقية، إضافة إلى عقد دورة إعداد قادة عمليات حفظ السلام الأممية، ليبني بذلك جسراً إضافياً بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
وقد هاجم عدد كبير من الدول والفقهاء وجود حق الاعتراض في نظام الامم المتحدة وعده خاصة عند التعسف في استعمال اساس فشل المجلس في حفظ السلم والامن الدوليين ومن ثم يطالب بإلغائه او تقييد حالات استعماله، الا ان رأيا آخر ينادي بضرورة الابقاء على هذا الحق كميزة للدولة الكبرى التي تساعد على تحمل مسؤولياتها الكبيرة في حفظ السلام العالمي او كسلاح تدافع به هذه الدول عن نفسها ضد تعسف الاغلبية، وواقع الامر انه لما كان نظام حق الاعتراض قد نشأ استناداً الى فكرة توافق الدول الكبرى التي يقوم عليها ميثاق الامم المتحدة، فأن حسن ادائه للأهداف المرجوة منه يتوقف بالدرجة الاولى عل طبيعة العلاقات بين هذه الدول، وقد استخدمت الدول الكبرى بصورة مبالغ فيها خاصة خلال فترة الحرب الباردة بين الكتلتين الغربية والشرقية، مما ترتب عليه فشل مجلس الامن في حل الكثير من المنازعات الدولية او قمع العدوان، واستحالة تطبيق احكام الفصل السابع في مواجهة عضو دائم او دولة تتمتع بحماية احد الاعضاء الدائمين، وقد دعت هذه الاوضاع الجمعية العامة الى تطور سلطات وخاصة استناداً الى قرار الاتحاد من اجل السلم لنقل بعض سلطات مجلس الامن في مجال حفظ السلم اليها،
واذا كان مجلس الامن قد فقد بالفعل اهمية دوره في هذا المجال خال فترة طويلة انصرفت فيها الدولة عنه الى الجمعية العامة او الى الاعتماد على منظماتها الاقليمية وخاصة الاحلاف العسكرية، الا ان المجلس بدأ في السنوات الاخيرة يستعيد دوره وسلطاته في حفظ السلم الدولي.
ادى اسراف الدول الكبرى في استخدام حق الاعتراض الى عجز مجلس الأمن عن اداء وظيفته في حفظ السلم الدولي في كثير من الاحوال، فلو ان الدول الخمس الكبرى ظلت متفقة فيما بينها على الاقل فيما يتعلق بوجهة نظرها في القضايا الاساسية كما ان المجتمع الدولي عند اعداد الميثاق، لكان من الممكن ان يحقق شرط اجماع هذه الدول لمصلحة الجماعة الدولية في حفظ السلم الدولي والا يلحق اضراراً بالمصالح المشتركة والخاصة بأعضاء المجتمع الدولي الا ان ذلك لم يتحقق نتيجة ظهور الازمات بين المعسكرين الشرقي والغربي منذ السنوات الاولى لقيام الامم المتحدة،
وقد اوصت الجمعية العامة الدول الخمس الكبرى بان تعد من المسائل الاجرائية قرارات المجلس الخاصة بإحالة مسالة تتعلق بالسلم والامن الدوليين الى الجمعية العامة ودعوة الجمعية العامة لأبداء توجيهاتها في نزاع او موقف معروض على مجلس الامن، وانشاء اللجان ودعوة اعضاء الامم المتحدة وغير الاعضاء في مجلس الامن للاشتراك في مناقشته طبقاً للمادتين32،31 من ميثاق الامم المتحدة ولكن الاتحاد السوفيتي عارض قرار الجمعية العامة باعتباره يمثل تعديلاً في ميثاق الامم المتحدة من شأنه تعديل احكام المادة 108 من الميثاق، ولم يأخذ القرار سبيله الى التنفيذ نتيجة تمسك الدول الكبرى بالتصريح المشترك في سان فرانسيسكو الذي تضمن ان امر الفصل في تحديد طبيعة المسألة المعروضة ( اجرائية او موضوعية)يدخل في نطاق المسائل الموضوعية التي يجب فيها اجماع الاعضاء الدائمة.