طباعة
sada-elarab.com/117652
قد يتساءل المرء في ظل هذه التقنيات الحديثة التي نشهدها، هل نحن مقبلون على هذه التكنولوجيا، أم هي مقبلة علينا؟! هذا السؤال وغيره من الأسئلة أُثيرت في ندوة عاصفة تحالف الفكر في نسختها السابعة التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من 7-10 أكتوبر 2018، وكانت الندوة تحت عنوان «مستقبل التكنولوجيا في الوطن العربي» وكعادته فإن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية جمع من بين المشاركين كوكبة من المختصين والمهتمين بالتقنية الحديثة، والذكاء الاصطناعي، كون دولة الإمارات العربية المتحدة من بين الدول المهتمة بالدخول إلى عالم التقنية من أوسع أبوابها معتمدة بذلك على إرادة توجيه وتصميم قيادتها وعزم وإصرار أبنائها، ولا يملك المرء إلا أن يفخر بهذا التوجه نحو إنجاز يسجل في تاريخ الإمارات وشعبها المتطلع دومًا إلى إنجاز يتلوه إنجاز في الكم والكيف والنوع.
عندما تناقش الندوة على مدى يومين قضايا حيوية هي في توقيتها الزمني مناسب جدًا وفي توقيتها الحضاري تأتي في المقدمة اهتمامًا ومتابعة وتقييمًا، فرغم التحديات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والتشريعية التي نصادفها في وقتنا الحاضر، فإننا لا شك نواجه التحدي التقني وما يستتبعه من معطيات تشكل حياتنا اليومية وتفرض علينا المواكبة والمتابعة، وأهمية السبق في هذا المجال وغيره من المجالات.
فتحديات الحياة قائمة، وهي تتجاوز كل من لا يستطيع الخوض في هذه التجربة اليوم والمعايشة اليومية، ويصبح وكأنه خارج الوطن أو خارج السياق، ربما كان حظنا أن نتعلم وأن نعيش التجربة اليومية في التغيير التدريجي، وربما التغيير المتسارع الذي يفرض نفسه، فالتسابق الزمني وسرعة إيقاع الحياة تستلزم منا أن تكون خطواتنا أسرع، وقرارتنا قدر سرعتها لا بد أن تتسم بالدقة والقياس بما يجعلها متماشية مع إيقاع العصر وكم المعلومات المتوافرة بأسرع وقت ممكن.
وهذا بالضرورة قد فرض في بعض البلدان ولدى شعوب مختلف القارات اللحاق بالركب وعدم التأخير في اتخاذ القرار المناسب، من تطوير مناهج التربية والتعليم، وتطوير الأداء الحكومي، وتطوير أداء المؤسسات الخاصة، وتوفير وسائل النقل والمواصلات وإتاحة الفرصة للشباب لتولي المسؤوليات منذ الصغر بدءًا من البيت ثم المدرسة فمعترك الحياة.
أتذكر أنه في أوائل التسعينات ذهبت إلى معرض ومؤتمر الأجهزة التلفزيونية والإذاعية NAB في لاس فيجاس بولاية نيفادا بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي الطريق من مكان مهبط الطائرة إلى مبنى المطار، أقلتنا حافلة إلكترونية، وإذا بامرأة في العقد السبعيني من عمرها تقول لحفيدها الذي يرافقها: «لقد بعثت إلى أختك إيميلا أشرح لها فيه خطواتنا المقبلة»، فرنت في أذني لأول مرة كلمة «إيميل» من امرأة مسنة ونحن بعد كنا نتعلم أبجديات الحاسوب «010»، فأدركت البون الشاسع والفجوة الحضارية بيننا وبين هذه المسنة.
ولكننا -ولله الحمد- نشهد في وقتنا الحاضر هذه الطفرة الكبيرة في التعامل مع الأجهزة التقنية من قبل شبابنا، نعم هم مستهلكون ولكن بالإمكان أن يكونوا منتجين، وهذا يتطلب الوقوف معهم وسن التشريعات التي تحمي إبداعهم وتصون عملهم وثقافتهم وتتيح الفرص لهم للاحتكاك بالأمم الأخرى وتلقي العلم من الجامعات والمعاهد ومن خلال الربط الإلكتروني، فلم يعد التطوير قاصرًا على دول الغرب فقط، بل هناك تجارب وخطوات عملية اتخذت من قبل دول الشرق، وربما القريبة من قارتينا الآسيوية والأفريقية.
قد نظل إلى وقت ما معتمدين على غيرنا ومستفيدين من تجارب من سبقنا، وليس في ذلك ضير، فتاريخ الحضارات القديمة شاهد على سبق حضارة عن حضارة واستفادة حضارة من حضارة، وعلماء من علماء، بل إن في حضارتنا العربية والإسلامية أسماء وإنجازات أقر بأسبقيتها، عندما يكون الأمر فيه إنصافًا وإحقاقًا للحق، علماء وباحثون في الحضارات القديمة.
آن الأوان أن نُعمم مثل هذه الندوات والمحاضرات، ليس فقط في الصالات المغلقة وإنما مكانها الفضاء الرحب الذي يستفيد منه الجميع، مستمعًا أم باحثًا أم مخترعًا مبدعًا. فالمسؤولية وطنية بالأساس والكل مسؤول عنها في البيت وفي المدرسة، وفي مراكز العمل، فالنهضة الشاملة ومكونات التنمية المستدامة الشاملة تتطلب تضافر كل عناصرها في انسيابية وانسجام وتلازم وتلاؤم وعلى وتيرة متسارعة واحدة، فتخلف مفردة ومكون يعطل بقية المكونات.
وعلينا أن نخرج من التنظير إلى الواقع العملي، ولنتحمل الخطأ من أجل بلوغ الصواب ولنصبر على الظروف التي قد تكون معاكسة، فزوال العوائق لا بد أن يتم. علينا أن نؤمن بعقول مبدعينا وبقدرة شبابنا على خوض غمار الحياة بكل جرأة وكفاءة متسلحين طبعًا بالعلم والمعرفة وحب الاستطلاع والمغامرة المبنية على المعرفة. أتذكر قول الأديب والروائي الراحل المصري يحيى حقي صاحب رواية «قنديل أم هاشم» وغيرها من الروايات رحمه الله عندما قال: «إن الطفل يريد تفكيك اللعبة التي بين يديه ليعرف مكوناتها، بينما المبدع يعرف مكونات اللعبة لكنه يريد تفكيكها ليخلق منها شيئًا جديدًا».
فنحن بالفعل بحاجة إلى هؤلاء المبدعين اللذين ينيرون لنا الطريق ويغرسون في نفوسنا الأمل ويعيدوننا إلى صوابنا، فنحن أمة العلم والعمل والعطاء لخير بلداننا وشعوبنا، ولخير البشرية جمعاء.
وعلى الخير والمحبة نلتقي